2020/12/20
إعادة إحياء المعلقات العشر لجيل الألفية

ما تزال المعلقات أهم عشر قصائد عربية من عصر ما قبل الإسلام، والأساس اللغوي للثقافة العربية. وعبر هذا الإصدار البديع باللغتين العربية والإنگليزية، ستقترب منكم أكثر.

تتقاسم اللغتان بهجة تأويل هذه النصوص الخالدة: يتكفل القسم العربي بتوفير شرح جديد لنصوص المعلقات، فيما يستقبلها القسم الإنگليزي في ترجمات أصيلة.

والهدف استكشاف رسائلها الإنسانية، والاحتفاء بفرادتها الفنية، والإنصات لما تقوله عن المبدعين الذين أنتجوها، والناس الذين عاصروا لحظات ابتكارها، في الوقت الذي تتحدث فيه عنا نحن أبناء القرن الحادي والعشرين الذين ينتمون إلى تنوعات غنية من الثقافات والألسنة.

لماذا رفض "الرئيس هادي" يرفض إعلان (الحكومة الجديدة) خلال الساعات الماضية

رغم فوائدها العديده .. (5) أمور تُحوّل القهوة من صديق إلى عدو لصحتك

العواضي: يضع ثلاث مهام وأولويات عاجلة على طاولة الحكومه الجديده

لهذا المشروع قصة، وسيكون علي في هذه المقدمة روايتها باختصار. كما سأحاول رسم خريطة للعمل بإيجاز بما يعزز من إمكانية استمتاعكم برحلة قراءة الكتاب.

بداية المشروع

بدأ المشروع في يوم خريفي جميل من عام 2019، بدعوة من مجلة القافلة التابعة لأرامكو السعودية، من أجل المشاركة في لجنة استشارية مهمتها تقديم المعلقات لجيل الألفية. وجاءت الدعوة لتفتح نافذة نحو حلمٍ كنت أرى تحقيقه أمرًا بعيد المنال: إعادة تقديم نصوص الشعر العربي الخالدة للأجيال الجديدة على اختلاف انتماءاتها اللغوية والثقافية.

بدأ العمل فورًا باختيار فريقٍ من الخبراء العالميين في الشعر العربي لمهمة صناعة المحتوى، والتي عُنيت بأمرين: كتابة شرح للمعلقات وإنتاج ترجمات أصيلة لها، مع مقدمات جديدة وبأسلوب يستجيب لحاجات القارئ المعاصر. وبينما كانت فكرة التقريب للقارئ غير المتخصص أساسيةً وحاسمةً في القرارات التي أدّت إلى ظهور العمل بشكله الحالي، خصوصًا في أسلوبه، إلا أننا أردنا أيضًا للعمل أن يحقق وظيفة مرجعية للمتخصص.

كانت رحلة عبر الزمان ممتعةً جدًا مع نصوص المعلقات، وشرّاحها ونقادها ومترجميها عبر التاريخ، ومع القصص الكثيرة التي دارت حولها والحكايات المذهلة عن شعرائها في كتب الأدب.

وبالمثل، كانت جولة بانورامية فريدة من نوعها عبر المكان، على امتداد شبه الجزيرة العربية في المواقع الجغرافية التي تظهر في المعلقات، في كل من العوالم الخيالية وغير الخيالية، والتي تبكي عليها مقدمات الشعراء الطللية، لتحتفي بها خواتيم قصائدهم.

وكان هدف تلك الرحلة أن يصل المنتج النهائي إلى الصورة التي تليق بمكانة نصوص المعلقات وفرادتها، والأمل أن نكون نجحنا في تحقيق هذه الأهداف. 

الصورة الفنية للكتاب

سأترك مهمة إيضاح النقاط التفصيلية عن كل شرح وترجمة لكتابها، ولكن من المهم أن أشير إلى النقاط التقنية التالية: يبدأ الفصل الخاص بكل معلقة، سواءً في الشروح العربية أو الترجمات الإنگليزية، بمقدمة توفر خلفية عن حياة الشاعر ومنزلته الفنية، مع إضاءة لأهم الأخبار الأدبية حول ذلك.

بعد ذلك، تنتقل المقدمة إلى القصيدة وما يدور حولها عبر التاريخ الأدبي، وفي أحيان كثيرة بمقارنتها بنصوص من آداب أخرى، لتنتهي المقدمة بإضاءات فنيّة عامة حول القصيدة.

وحين تصلون إلى قسم الشرح العربي، ستلاحظون اعتماده على أسلوب الشرح لا بالأبيات بل باللوحات الفنية. تنقسم كل معلقة إلى لوحات فنية منفصلة يصاغ شرحها وتأويلها على حدة، بناء على التميز النسبي لثيمات المعلقة.

وفي كل لوحة، يصافحكم في الهامش الأيسر قسم «اللغة» لشرح معاني الكلمات. ومن ضمن ذلك، ذكر المقابلات المعاصرة لأسماء المواقع الواردة في الأبيات، من قبيل «الدخول» و«حومل» في البيت الأول لمعلقة امرئ القيس، وكذلك خلفية تعريفية بالغة الاختصار عن الشخصيات الواردة في النص.

وتحت الأبيات، يبدأ الشرح ويتفاوت طولًا وقصرًا بناء على ما تقتضيه اللوحة، لينتهي وقد أدى إلى إبراز الثيمة الرئيسة للوحة، وإسهام كل بيت في تشكيلها.

وفي بداية اللوحة التالية، يربط الشرح بينها وبين اللوحة السابقة، وهكذا مع بقية اللوحات حتى نهاية المعلقة. أخيرًا تأتي الخاتمة في أسطر قليلة، لتربط أجزاء المعلقة ببعضها.

بهذا ينجح الشرح في الجمع بين العمق ووضوح العرض، ليأخذكم من فقرة إلى أخرى بسلاسة منطقية وتدرّج تحليلي، وفي أسلوب يشعّ حيويةً تشبه حيوية المعلقات نفسها.

المعلقات وإحياء تقليد شرح الشعر العربي  تؤدي الشروح إلى تقريب المعلقات من ثلاثة أوجه: أولًا، توضيح المفردات الغريبة والتراكيب الغامضة، وصولًا إلى تفسير أبيات القصيدة ولوحاتها ودلالاتها الكبرى. ثانيًا، التركيز على مظاهر التوازي بين العناصر الفنية للقصيدة ورسالتها الإنسانية.

وثالثًا، إبراز الأبعاد المحلية والعالمية والمعاصرة في المعلقة؛ الأولى عبر تفسير النص في سياقه التاريخي، والثانية عبر ربط قصص شعراء المعلقات وشخصياتها بآداب أخرى، مما يشير إلى عالمية النصوص الأدبية الخالدة ضمن شروطها الخاصة. وأما الثالثة، فعبر التقاط الرموز والأمثولات السابحة فوق المستوى التفصيلي للنصوص وقراءتها في ضوء مفاهيم الواقع المعاصر. 

ولأن الشرح يصاغ في لغة أدبية راقية تجمع بين جمال الفني ودقة العلمي، فيبدو بمثابة «ترجمة» نثرية أدبية معاصرة للمعلقات، انطلاقًا من نقطة التقاطع بين الإضاءات الشعرية لشكلها والمعاني العميقة لمحتواها والأهداف الأدائية التي صيغت من أجلها. 

إن من أهم إضافات هذا المشروع نجاحه في إعادة الحياة لتقليد شرح الشعر العربي، عبر الدعوة إلى الاحتكاك بها بشكل مباشر بعد عقود طويلة من سيطرة النظرية على ممارسات القراءة الأدبية.

وفيما يتعلق أيضًا بالشرح العربي، فهناك عمل آخر لن يُـرى على الورق رغم كونه أساسيًا في اكتمال المشروع. في معظم الحالات، سبق الشرح العربي الترجمة الإنگليزية، لعدة أسباب من أهمها إعادة تحقيق نص المعلقات أحيانًا من كتاب الشرح عبر الترجيح من روايات متعددة، وبطريقة لها مسوغاتها العلمية المذكورة في مقدمات الشروح.

هذا يعني أن هناك جهدًا تحقيقيًا كبيرًا سبق البدء بقراءة المعلقة من أجل شرحها. وبعد اعتماد الشارح العربي النص النهائي للمعلقة، أرسِل  للمترجم، ليتوافق نص الترجمة مع نص الشرح. وفي بعض الأحيان، كانت تبدأ عملية من المفاوضات التأويلية بين الشارح والمترجم والمُراجع، لترجيح كلمة هنا أو حركة إعرابية هناك. إن تحقيق النصوص بطريقتها الموجودة في هذا الكتاب لهو من الإضافات الكبرى التي نعتز بها.

المعلقات في سياق الترجمة

وكما كان للشرح دور جوهري في تحقيق غاية المشروع، كانت الترجمات، الجديدة بالكامل، حاسمةً في ذلك. وبينما لم يكن من المتصور أن تختلف المعلومات الواردة في المقدمات الإنگليزية عن تلك الواردة في العربية، فنحن في نهاية المطاف نتحدث عن الشعراء أنفسهم ونعتمد، تقريبًا، على المصادر نفسها.

إلا أن المقدمات الإنگليزية تنفرد بتوفيرها سياقًا للمعلقة، يناسب القارئ بالإنگليزية، كما أنها كثيرًا ما تربط النصوص العربية بنظيراتها العالمية.

ونظرًا لأن قسم الترجمة الإنگليزية يفتقد لشرح تفصيلي كما في قسم الشرح العربي، أخذًا في الحسبان أن الترجمة هي في ذاتها شرحٌ، بطريقة ما، للنص العربي؛ مثلت المقدمة الإنگليزية في كثير من الأحيان قراءة تعوض الشرح، ولكن تسبق النص. حيث توفر تأويلًا كاملًا للمعلقة  بتقسيمها إلى وحدات وقراءتها في ضوء الاعتبارات المنهجية والاختيارات الفنية الخاصة بكل مترجم.

رحلات التواصل ونداءات الاستكشاف

حرصتُ في مراجعة النصوص مع الزملاء والزميلات الثمانية الذين أسهموا في صناعة هذا المحتوى باللغتين شرحًا وترجمة، على إخراج العمل في أسلوب يحافظ على التواصل مع القارئ المعاصر، ويستجيب لما تـتطلبه هذه القصائد الخالدة من مستويات تتصاعد باستمرار في قراءتها واستكشاف جمالياتها ورسالتها الإنسانية.

وكان هذان الهدفان المكملان لبعضهما في إنتاج محتوى مشروعنا، في الحقيقة، يعنيان عامًا كاملًا من المفاوضات الرائعة حول مسائل دقيقة مثل تضمين أفكار ومفردات وتراكيب وأمثال بعينها، أو استبعادها.

دار النقاش أحيانًا حول الوقوف على أرضية مشتركة بشأن تأويل بيتٍ معين، أو كلمة فيه، أو حتى حركة الإعراب في آخره، أو ربما ليكون هناك توافق معقول حول معنى تركيب معين بين الشرح العربي والترجمة الإنگليزية. وفي المناسبات كلها، أخذتنا براعة نصوص المعلقات نفسها واتّساع دلالاتها إلى طريق توافقي مناسب.

تنوعت أساليب المعلقات تنوعًا كبيرًا، بل أساليب الشاعر في المعلقة الواحدة، وربما كان لهذا النفس المتسامح مع التنوعات الأسلوبية تأثيره الإيجابي الكبير على أساليب استقبالنا للنصوص في هذا العمل.

إذ ينجح الكتاب، وفي حدود المعقول والمقبول، في أن يترك للكتّاب والمترجمين مساحة كافية من الحرية لتظهر رؤيتهم الفنية للقصائد، وتنعكس بشكل خلاق على نمطهم الأسلوبي الخاص في الكتابة.

وأخيرًا، تطبع المعلقات العشر كاملةً مع الشروح والمقدمات باللغتين العربية والإنگليزية في كتاب واحد، وبأسلوب حاولنا جاهدين أن يكون قريبًا من قارئ اليوم غير المتخصص، في الوقت الذي يلبّي فيه حاجة القارئ العليم.

المعلقات قطعة فنية خالدة، ونحن ربما أصبنا بدهشة المعلقات ورعشة فنانيها إلى درجة تجرأنا على التطلع إلى تقديمها من جديد إلى جيل جديد.

ومع ذلك، فإن قراءة المعلقات تجربة تعلم التواضع، كما تطور مهارة الإصغاء بعناية، على أمل قراءة نعرف أنها لن تكون مرضية أو كاملة أبدًا. ومن هنا، فهذا العمل مجرد دعوة، وهذه إحدى أهم إسهاماته. فيقدم دعوة لطيفة، وبلغة مناسبة، للجيل الجديد للدخول إلى مسرح المعلقات، والاستمتاع بالدهشة.

تم طباعة هذه الخبر من موقع يمني بوست https://yemenipost.net - رابط الخبر: https://yemenipost.net/news11303.html