2020/03/16
قراءة في مسلسل الحفرة التركي

كتب عبدالسلام القيسي

 

أشاهد مسلسل الحفرة ، المسلسل التركي الغير شهير ، أجهل لماذا لم يحض بالترويج ، ومحتواه المبهر يستحق المشاهدة والتمعن ، فهو أربك العلاقات الحداثية الشاذة عن الطوق المجتمعي وأعاد الوهج لفكرة العائلة والحي والألفة بين الجماعة في المكان المحبك بالمسلسل في حفرة أسطنبول ، ومجازا في كل مكان ، حيث يجب على الجميع من أعلى الى أسفل التشارك بصنع المصير وبالتصدي للعناصر المقلقة : كفاح

 

حفرة أسطنبول ، قبضاي يدعى " ادريس " لقبه كوشوفالي طالما يهتم باللقب ويتاجر بالسلاح ويؤمن الحي الكبير ، وقد أتى شابا بلا أحد ، بلا عائلة وأسس لنفسه عائلة كبرى من عشرة ألف شخص تتشارك المكان ذاته وأكثر من ألفي بيت يؤدون أعمالهم في كنانة الرجل؛ مقابل العيش والسلامة من أطماع العصابات ، ولأول مرة هناك قبضاي في مسلسل ذو قيم عالية وينأى عن المخدرات ، ويحفظ أرواح رجاله ، ويصرخ دائماً : العائلة هي كل شيء ، العائلة ، ال عائلة

 

أعتمد المسلسل على الأغنية ، ومعازف الروك ، فالأغاني ثيمات العمل الدرامي ، والحماسيات في المشاهد ذات الإثارة والبطل الأول " ياماش " نجل إدريس كوشوفا الصغير ، والذي تخلى عن والده بسن المراهقة؛ لعزوفه عن عمل العصابات ، وذهب يغني في البارات لكنها الحفرة لا تغادر المرء وأتى منقذا للجميع من السيد الكبير الذي يطمح في السيطرة على المكان واستغلال مهارة السكان في صنع وترويج وبيع المخدرات لاسيما وأب الحفرة إدريس ضد العمل ذاك لكنه وقع بالمشاكل

 

عاد "ياماش" الصغير ، شاب أشقر ، درس _ على خلاف عادتهم _ في الجامعة ، ويقتات من عزف الروك ، ومنذ تخلى عن عائلته _ قبل عشر سنوات _ لم يفكر بالعودة؛ لولا المصير البشع الذي ينتظر الجميع ، وبدأ برسم ملامح الكفاح في ظل فتور جماعي من خاصة أبيه الذي أصيب بجلطة _ بعدما قتلوا ولده الأكبر _ ويرقد في المستشفى فالحفرة بلا أب ، ولم يقتنعوا بياماش العازف المجنون برأي الخاصة لكنه بدا لهم خرافيا وملحميا جدا ، لم يقد الحفرة بمنطق القوة والنصر للأقوى : أسلم الحفرة بالدهاء فالحرب كما نعلم خدعة

الجداريات ، هل تموت من اجلي ؟

الثيمة الأساسية أدب الشوارع ، الجدران في الحفرة تؤرخ الحدث ، جداريات تحضى بمشاهد جمة في كل حلقة فمجتمع الحفرة يعبر عن رفضه أو تأييده بالشخابيط على الحوائط وهم شباب بلا هدى ولهم أب يسمى أدريس وللأب فطنة في تسييرهم بمنتهى المنطق والمكسب الوحيد برأيه الرجال : نحن نكسب الناس ولا نكسب المال" فهم صمام أمانه من الطامعين في التسيد على المكان القابل لأعمالهم القذرة ولم أتطرق لهذه النقطة بعد : الحفرة ليست فردوس ، الحفرة وكر للعصابات وللصوص ولقبضاي يدعى إدريس لكنه مختلف عن سواه بالمبادئ التي يحملها رغم كونه سفاح ودموي

 

عبر المسلسل عن الحياة المريرة ، أختصر في حلقاته جدلية البقاء وصيانة الحقوق ، فالعولمة تريدك في اليد _ كما تشكلك هي _ ولا يسمح لأحد أن يعيش وفق طريقته ، ولو انها مثلى ، فالجميع يجب أن يدور في فلك المال وربطات العنق وان القانون يخضع للمتنمرين فقط فالذي نعتقده مصلحة عامة انما هو مصلحة لشخص أكبر من المجتمعات والتحديث لنمط المعيشة طريقة الرؤوس الكبيرة؛ لفكفكة القبضات الحديدية _ في خطوط المواجهة _ واستخدام السبل الحداثية واغراء الصفوف بالمال وبالبدلات وبالسيارات الفارهة فالجديد يغرق القديم ويطحنه

 

الرجال وليس المال

 

دافع المسلسل عن الرمزيات ، آمن بالأخلاقيات النابعة من قائد ما أو ملهم فإدريس كوشوفالي وبالشعار الذي تحفظه الحفرة ( الحفرة بيتنا وادريس أبونا ) حصن حيه من الوقوع في شرك تجار المخدرات والأعضاء البشرية ويفضل أي ساكن في الحفرة أن يتقاضى لقمة عيشه من مطعم الأب المجاني ويعيش بطمأنينة ويصطف خلف الحفرة رغم البعض الذين غرتهم البهارج فخانوا حفرتهم ولم يفلحوا والنصر لمن برأي المخرج ؟ النصر للرمزيات وللعائلات التي تكن بتأزر شديد فعندما شذ سليم سقطت

 

سليم ، الابن الأوسط لادريس ، الذي تحالف بشكل سري مع الغرباء وأسقط الحفرة وأستطاع الفوز رغم الجميع الذين أنهزموا فالمسلسل يريد اخبارنا أن العدو مهما كانت قوته ، العدو بكله يفشل في النيل منك بينما واحد من العائلة فقط يسقط حفرة ما أو مدينة أو وطن فالعائلة بسياق صغير أو كبير تذهب أدراج الرياح طالما والخائن من الداخل فالحرب انما بين وجهين متقابلين والهزيمة من وجه لا تراه ويرتص معك قبالة الأخر ولكن كل خائن خسران وهذا قالته الحفرة بدور سليم بعدما تخلص من العائلة ولم يحصد سوى الندامة وأفرغ الحي للحملان

العائلة كل شيء ،

الجماعة ، الوطن ، الحيز الكبير أو الصغير الذي تعيشه والرمزية الملهمة أيضا والشعار الذي يمثل الفكرة والأناس الذين تكسبهم لا النقود والأم سلطان مثلت كما إدريس رمزية للحي الكبير والتبجيل وعدم مناقشة الأمور من قبل العامة حافظ على سكينة مكانهم وعندما تبعثرت عائلة كوشوفالي بدأت مجاميع صغيرة من رجال الحفرة بالانبثاق وأنبرت في الدس وتهييج الأمور بفعل السيد وبلا هدى منهم فهم حسب قول ياماش : لا يعرفون أي شيء ، يعرفون الافساد واقلاق المجتمع ورؤوسهم كما قال فارغة ولا تفكر وليس من جمع حوله ثلة من الرجال صار أبا فالأبوة مقدسة

 

تكررت جدارية في أغلب حلقات المسلسل ، عبرت عن نوعية التسيد فالملك بالجبر وطغيان حكم جماعة ما على مكان ما ليس صعبا فمن تلك المقولة " من السهل أن تملك الحفرة ولكن من الصعب أن تكون أبا " يتضح للمشاهد فكرة المسلسل في ابراز دور القيادة فالواحد يمكنه تكثيف العمل الوطني وتأصيل النزعة الحسنة بين الجماهير وارساء نظم مثلى أكثر مما يمكن للجماهير أن تصنعه فالفرد يبني أمة والأمة بمئات الملايين والمليارات تفشل في خلق فرد بقيمه العالية وهذا ما نعانيه حاليا في الشرق من نقص حاد بالرمزيات ورواد التحرر الاجتماعي فالشعوب ليست الا فقاعات سريعة التحلل فيما الأفراد يقاومون التلاشي بكل قواهم

 

تطرق المسلسل لجدلية الانتماء ، أن تغادر الحفرة كما ادريس تحت ضغط الموامرات من الذين حولك ولتسلم الحفرة يعتبر تخليا كبيرا عن المجتمع وتسليمه لقمة جاهزة للمتربص كما حدث وأتى الحملان السوداء ومن زاوية أخرى فانتماء عائلة ما لمكان يحافظ على المكان من التمزق والعائلات الملكية مثال صريح فحفاظهم على البلدان أول مقتضيات الحفاظ على العائلة الحاكمة ويثبت سكان الحفرة ذلك فهم تعودوا على التوحش من الحملان بينما عادت العائلة وحدها للنضال والتخلص من الغرباء ورفض كل رجالات المكان معاونتهم بل وألفوا الخضوع وحملوا مآلات الأمور " ياماش " وفرقته من تزايد ايقاعهم بالحملان السوداء وكان " ياماش " أمام عدوين الأول الحملان بقوتهم الكبيرة والثاني سكان الحفرة في تكثيفهم الصد وتخليهم الكلي عن كوشوفالي فبسبب نضال ياماش تتطور حسبما يرون أساليب القمع من قبل الحملان السوداء التي سطت على الحفرة

النضال سمته التخلي ،

 

أن تمارس حرياتك وحيدا وبلا اسناد من المجتمع الذي تكافح صونا لحقوقه ومن شأن كرامته ولهذا كانوا العظماء ليس لترأسهم المجتمعات بل لتجاوزهم عقبات الخذلان من جماعتهم فمجتمعك يتركك فريسة للأخر وعندما تنتصر يصفق لك والذين كانوا برفقة كل ملهم ثوري هم البسطاء " وعليشو " مثال كبير فهو أفاد ياماش أكثر من الحفرة بمرضه متلازمة التوحد وبعزوفه عن الكسب والخسارة فلا قياس لديه أو حسابات ويكره الشوكولاته وحدث ان حصل على حقيبة في قمامة ففتحها مكتظة بالمال ونفخ حسرة من تعبه في فك الشفرة لكنه صاح فرحا عندما وجد قلم جميل وباللفظ قال وهو يبتسم : كلم كلم كلم ، عليشو وحده حياة

إضحكن ثانية لنعيد بناء المدن

شاهدت في المسلسل الحفرة جدارية قالت : ضحكتك قلبت المدينة راسا على عقب ، هيا اضحكي ثانية لأعيد بناء المدينة " هالني من كتب تلك الجدارية ، على حائط ما ، أرتعبت كثيرا وفكرت في الهرب ، في القفز ، في القيام بشيء خارق ، يعبر عن جنوني من الضحكات تلك التي تخرب المدن وتعيدها ، تبعثر حياة الأبرياء ، تميتهم بالغالب ، وتحييهم ، كيف ؟ الحب مدينة كبيرة ، لا تشبه غالبا تعز ، هن شبيهات بمدن السحر والجمال ، مبنية بقرميد جمرته دموع العشاق ، مسقوفة بأحلامهم في حكم تلك المدن ، شوارعها نظيفة ، تتدلى من الشرفات الورود الجميلة ، المنازل فيها مرتبة كخطوات جدتي المقدسة ، لها لون البحر في تفاصيل الكاميرا ، تتناسق مع المشاعر وتتموسق بالأمنيات ، ثم فجأة تضحك فتاتك ، وتقلبها كما الملائكة قلبوا ثمود ، تخيلها الآن ، تقلبها في مخيلتك وبضحكة تشيدها ، فكر بعذابات سيزيف وصخرة العذاب تلك .. أيتها الجميلات ، لا تخربن المدن ، حافظن بضحكتكن على حيوات الملايين ، ترى أي فتاة دمرت تعز ، ذنب من كل هذه الكوارث في بلد اليمن ، من منهن ضحكت وحطمت الأسوار في كل بلد حول العالم ؛ من أحرقت بغداد يا هذا ، وبنغازي برموش من سقطت بيد الخراب ، هن سليلات الحرب يضحكن فيموت الأبرياء ، هيا ابحثوا عن طاغية تعز كي تضحك لنعيد بناء المدينة ، مؤكدا هي هنا تضحك لنمت

 من مثل عليشو ؟

أنا عليشو الشوكولا تكسر راسي أصنع من الأوراق المالية لعب تغرق في الماء وأفرح بالقلم : كلم ، كلم ، كلم ، أكثر من مليون دولار في الحقيبة ذاتها وجدتها صدفة ، عليشو لا يكذب يسكن بيت من الصفيح ويعاني التوحد يحفظ كل شيء ، لم ينس ، ويفي لصحن من الحساء أكثر من الذين تنكروا للدماء المراقة في سبل المكان فعليشو بهيئته الرثة ملاذ ، أنا عليشو : زبال في الحي ،أوسخ المكان الذي أقعده ، تطردني ابنة البيت الذي أنتمي له بصحن من الحساء كيلا أنقل معي الذباب الى الأسرة ويتحاشاني المارة عليشو يأتي في قلب الكارثة يجمع الخيوط ، بلا مقابل ، ويفكك حبائل القتلة وينجح في انقاذ الحي من الغرباء : أنا عليشو وأتحسس أنفي لو نطقوا أمامي أنف ورأسي كلما سمعت رأس وأخاف من الأماكن المغلقة أجر خلفي عربة القمامة عربتي حياة ، ومنها أسبر أغوار العائلات ، لم أنس الرقم الذي لمحته في متجر بشارع مكتظ قبل عشر سنوات والكلمة الأخيرة لي الموسم الثالث من الحفرة ،،

 

أنقلب المسلسل انقلابا كاملا ، حدث وقتل ياماش ابيه ، للحفاظ على العائلة بطلب من الآب نفسه ، لكن هل الجزء الثالث الذي لازال يمر يثبت للجميع أن الحفرة ان اسقطناها فهي تركيا ، وأن المخرج اراد من جعل اسطنبول هي العالم ، فالمسلسل مجرد حكاية مصغرة كما يريد السيناريست عن تركيا ، وتسعى للسيطرة عن العالم كما يسعى ياماش للسيطرة عن اسطنبول ، وان اردوغان يريد اعادة الرابط العائلي والاجتماعي لتركيا ضد الحداثة التي فسخت الروابط وأن الغاية تبرر الوسائل للحفاظ على حفرتك اي موطنك من هجمة الحداثة ، وهل يأخذ ياماش اسطنبول بينما فشل اردوغان في سوريا ، هل يأخذها في الجزء القادم ؟

تم طباعة هذه الخبر من موقع يمني بوست https://yemenipost.net - رابط الخبر: https://yemenipost.net/news706.html