تدعو الصين إلى النضال من أجل التفوق التكنولوجي في مجال براءات الاختراع، حيث أصبح الصراع على أشدّه بينها وبين الولايات المتحدة، كما أعلنت أيضا دخولها في حرب براءات اختراع للعملات المشفرة.
وقال الخبير الرقمي فينسون لورفيلين والاقتصادي كريستيان سانت إتيان، في مقال رأي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية (Le Monde) إن المعارك ستندلع بين دول العالم، وستتمحور حول إصدار العملة الرقمية والتحكم بها.
وأضاف الكاتبان "في الحقيقة، لا تتوانى الصين عن المجاهرة بهدفها، خاصة أنها تريد كسر احتكار الدولار الذي سيكون مفتاح تدويل اليوان الصيني"، مشيرين إلى أن بكين كشفت عن أسلحتها، وهي مجموعة من 130 براءة اختراع تغطي كامل سلسلة إنتاج العملات المشفرة وإصدارها وتداولها.
وأشار الكاتبان إلى أن الصين متهمة بسرقة ملكيات صناعية تابعة للولايات المتحدة تناهز قيمتها 600 مليار دولار، (أي حوالي 515 مليار يورو) سنويا. لذلك، تسعى بكين إلى إثبات قدرتها الإبداعية وإضعاف الدولار عن طريق قطع الطريق أمام نسخته الرقمية.
وبعد فرض عقوبات على شركتي التكنولوجيا "زد تي إي" (ZTE) و"هواوي" (Huawei)، تريد الصين ردّ الصاع من خلال معاقبة الشركات الغربية التي تطال براءات الاختراع الخاصة بها.
وأكد الكاتبان أن الصين تهدد بقلب الاقتصاد العالمي بالتزامن مع اندلاع الثورات الأولى لعملة "بتكوين" (Bitcoin) والعملة الرقمية المشفرة ليبرا (Libra) والبنوك الافتراضية التي تعمل حصريا عبر الإنترنت، متخلّية عن شبكات الفروع المالية التقليدية.
وتتركز إستراتيجية تصيّد براءات الاختراع -التي تعدّ ممارسة مثيرة للجدل- على اكتناز براءات الاختراع وتهديد المشغلين بحظرها من أجل الحصول على تعويض مناسب، وفق تعبير الكاتبين.
حرب جديدة تلوح في الأفق للسيطرة على عالم العملات الرقمية (رويترز)
حرب براءة الاختراع
وأكد الكاتبان أن الصين أصبحت أول مقدم طلبات براءة اختراع عام 2019. وفي الوقت الراهن، أصبح ميزان القوى لصالح الرئيس شي جين بينغ الذي بحوزة بلاده حوالي 1100 براءة اختراع مقابل 600 في الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن حروب براءات الاختراع تتأسس على الهجمات المضادة، لذلك لا شك أن هذه النزاعات ستطال الذكاء الاصطناعي.
وأوضح الكاتبان أنه ينبغي علينا أن نتذكر القوة المدمرة لحرب براءات الاختراع بين الثنائي "آبل" (Apple) و"سامسونغ-غوغل" (Samsung-Google)، عندما اجتاحت مئات الشركات العالمية موجة الاضطرابات، ومُنع بيع هاتف غلاكسي في مناطق معينة.
كما حاولت شركة "نورتل" (Nortel) الحصول على ما يناهز مليون دولار لكل براءة اختراع، وغيّرت مجموعات على غرار "موتورولا" (Motorola) مالكها للحصول على براءات الاختراع.
القدرة الإبداعية لفرنسا
وفي هذا السياق، تتبنى فرنسا موقفا متباينا. فعلى الجانب السلبي، تعاني باريس من عجز خطير فيما يتعلق بإيداعات براءات الاختراع، حيث يفضل الباحثون نشر أعمالهم بدلا من حمايتها، بحسب تقرير لوموند الفرنسية.
وبالإضافة إلى ذلك، تودع الشركات الصغيرة والمتوسطة نصف ما تقوم نظيراتها الألمانية بإيداعه، كما تتجاهل الشركات الناشئة براءات الاختراع على أساس أنها تبدو باهظة الثمن ومعقدة ولا يمكن الدفاع عنها.
من جانبه، يسعى المعهد الوطني للملكية الفكرية -الذي يعطي الأولوية لمصالحه على حساب مصالح المخترعين- إلى إعلام الجميع بأن البرامج والابتكارات قيد الاستخدام محمية بشكل أفضل في الولايات المتحدة.
من وجهة نظر إيجابية، يضيف الكاتبان أن فرنسا لا يزال لديها قدرة إبداعية معترف بها على أنها فريدة من نوعها في العالم. كما تعدّ أصل الرؤية المبكرة "لاقتصاد المعرفة" القائم على الملكية الفكرية، على الرغم من أن تنفيذه في أوروبا انتهى بفشل إستراتيجية لشبونة التي تبنتها أوروبا في مارس/آذار 2000.
المركزي الصيني أعلن في أكتوبر /تشرين الأول الماضي إطلاقه إصدارا تجريبيا لعملته اليوان الرقمي (غيتي إيميجز)
ما الذي ينبغي علينا فعله؟
وعلى المدى الطويل، من المهم تطوير سياسة براءات الاختراع بطموح سياسة الابتكار، فضلا عن العودة إلى الالتفاف حول ثقافة مكافحة براءات الاختراع، مثلما فعلت كل من شركة غوغل والصين.
فقد تأسست غوغل على برنامج "مفتوح المصدر"، ومع ذلك انضمت اليوم إلى آبل ضمن قائمة أفضل 10 مخترعين أميركيين، بينما أصبحت الصين رائدة العالم في براءات الاختراع.
وعلى المدى القصير، سيكون من الضروري شراء أكبر عدد ممكن من براءات الاختراع الدولية المتعلقة "بإنترنت الأموال" قبل بدء المزادات، إلى جانب تمويل 100% من تكاليف براءات الاختراع وإعطاء الأولوية لحماية الابتكارات قيد الاستخدام، التي لها قيمة إستراتيجية أكبر في مواجهة عمالقة الإنترنت مثل غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري دفع مكافأة قدرها 5 آلاف يورو للمخترعين، وضمان إعادة الشراء بمبلغ 200 ألف يورو لجميع براءات الاختراع المستقبلية في القطاعات الإستراتيجية، بما في ذلك تلك المودعة في الخارج.
علاوة على ذلك، يقول الكاتبان إنه لا بد من إنشاء صندوق براءات اختراع أوروبي، بهدف دعم سياسة أوروبا التكنولوجية والاقتصادية والنقدية، واختراع حقوق المؤلف لعمالقة الإنترنت بدلا من ضرائب عمالقة الإنترنت المحلية.
ويمثل موقف الصين الجديد تهديدا نهائيا للتفوق التكنولوجي، كما يُعتبر فرصة لتعزيز قيمة نتائج البحث والابتكار والمعرفة والرصيد الكبير لفرنسا من حيث قدرتها على الابتكار، وذلك من خلال زيادة أسعار براءات الاختراع.
يشار إلى أن البنك المركزي الصيني كان قد أعلن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن إطلاقه إصدارا تجريبيا لعملته الرقمية "اليوان الرقمي"، في خطوة يعتبرها البعض أول اختبار عام تجريه البلاد لنظام الدفع الرقمي لليوان.
وفي أعقاب هذه التجربة، قال البنك المركزي الروسي الشهر الماضي إنه يدرس إصدار روبل رقمي إلى جانب الروبل النقدي، لتسهيل مدفوعات الأفراد والشركات.
وجاءت هاتان الخطوتان في وقت تتسابق فيه البنوك المركزية في أنحاء العالم لإصدار عملاتها الرقمية وتحديث أنظمة المدفوعات، وكذلك لدرء منافسة محتملة من عملات مشفرة تصدرها جهات خاصة على غرار بتكوين وفيسبوك.