السفر إلى المستقبل بأدوات الماضي!

عبدالوهاب طواف
الجمعة ، ٣١ مارس ٢٠٢٣ الساعة ٠٧:٤٤ مساءً
مشاركة

أن تجتهد وتتعب وتسهر الليالي؛ لتقدم للناس نظرية جديدة، أو حل لمشكلة عويصة، أو طريقة لتصحيح مسار، أو علاج لمرض مُزّمن، أو آلة لخدمة البشرية، فهذا هو النجاح والتميز والتوفيق.

 

ولأننا في العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة واليمني بصورة أدق، فشلنا في إحداث ثقب في جدار الحاضر وفضاء المستقبل، وعجزنا عن التقدم إلى الأمام بصورة لافتة - لأسباب يطول شرحها-، فقد فضلنا العودة إلى الخلف والبقاء والتخييم في أزقة وزنقات الماضي؛ لتفريغ شحنات طاقاتنا والتخلص من أحلامنا وبيع طموحاتنا، واستثمار خيباتنا وقبر آلامنا.

 

فالعودة إلى الماضي لا يحتاج إلى تأهيل نوعي وتعب وجهد ومال ومشقة وسهر وعرق ودموع.

 

فمثلًا نجد كثيرا من الأنظمة الحاكمة بدلًا عن اِنشغالها باِنتشال شعوبها من الفقر والتخلف، والحكم بطرق عصرية وعلمية وعادلة، ذهب ( معظمها) إلى تعليق فشلها وفسادها وسوء إدارتها على أعداء غير منظورين ولا محسوسين، كالما سونية والصهييو نية والتآمر الكوني والغرب والشرق وإبليس والعيون الحسودة والمعارضة والحاقدين..الخ.

 

الأحزاب السياسية بدلًا عن الاجتهاد والمثابرة، لتقديم نظريات حكم صالحة للحياة ورافعات للتنمية، ووضع أسس حقيقية للتداول السلمي للحكم، ذهبت إلى الزاوية "المريحة"، فمنها من تعلق بذكريات عبدالناصر ومنها من كرس جهده ووقته لتذكر مقولات ميشيل عفلق والتغني ببطولات صدام حسين، ومنه من ظل يتعبد ببقايا ذكريات الاشتراكية، ومنها من رهن نفسه ومحيطه وحاضره لذكريات الخلافة والإمامة والمذهبية، ومنه من عاد أكثر إلى فترات حكم السلف الصالح، ومنه من لبس عمامة علي بن أبي طالب والآل وبقايا قريش، وذهب إلى السوق للمتاجرة بها، ومنها من ذهب للمتاجرة بقميص الحسين والترويج لسيف الأشتر والتبشير بعدالة إمام السرداب الغائب منذ 1185 عاما.

 

الفقهاء والوعاظ والدعاة بدلًا عن تقديم شروحات وتفسيرات عصرية لإسلامنا الحنيف، لترقية الدين وخدمة الدنيا، ذهبوا إلى الغوص في تفاصيل صراعات قريش، ومذاهب بني هاشم السياسية ( الاثنا عشرية والزيدية والشافعية)، وفي أحداث ومقولات وبطولات القعقاق وخالد بن الوليد. ولذا فنحن نعيش اليوم بأدوات الماضي، ذلك الماضي الذي فشل في زمانه ومكانه.

 

الماضي لا يحتاج إلا إلى قليل من الشعارات والمقولات، ولبعض أقوال الفلاسفة والمفكرين، أو إلى حفظ 7 سور من القرآن الكريم، وإلى 20 حديثا منسوبا إلى نبينا الكريم، أما الحاضر والمستقبل فيحتاج لجهود كثيرة وتعليم وتثقيف وجهد وعرق وسهر.

ولذا فغالبية من يحكم اليوم جاء من خيام الماضي وأكواخ الأمس وسراديب الزمن؛ ليحكم الحاضر من أجل بناء المستقبل، ولذا لا غرابة إن كانت النتيجة سقوطا يخلفه سقوط، وقاعا تحته قيعان، وسنظل عالة على شعوب الأرض؛ التي تعمل من الفجر حتى المغرب، إن ظلينا نحفر في جدار الزمن بأدوات وأفكار وأساطير وقصص الماضي البعيد.

 

شهركم كريم، وجمعتكم مباركة