في ظل الإجراءات الاحترازية الصارمة التي اتخذتها الحكومة السعودية لمواجهة تمدد فيروس كورونا المستجد، يعيش المبتعثون السعوديون في الولايات المتحدة الأميركية، مشاعر مختلطة يكسوها الهلع، والأخذ بالأسباب في آن، مدفوعين بالمعتقد الديني، وتوجيهات السلطات الأميركية التي ترصد تزايداً ملحوظاً في نسب الإصابات والوفيات، في تحول متسارع دعا إلى تعليق الدراسة بالجامعات المكتظة بطلاب قادمين من مختلف دول العالم.
تعليق الجامعات الأميركية لنشاطها الأكاديمي يشابه سقوط حجارة الدومينو، فتأثيره السريع طال الحياة العامة برمتها، وصار قرار جامعة هارفارد العريقة، في العاشر من مارس (آذار) الحالي، القاضي بإلغاء جميع المحاضرات الواقعية، العنوان الأبرز في الصحف العالمية، إذ وجهت ببدائل تقنية جديدة، وطلبت من طلابها مغادرة مبانيها السكنية، بهدف تقليل التجمعات التي تسهل انتشار الفيروس، وهكذا بدأت جامعة تلو أخرى، تعلن إغلاق حرمها الجامعي، والتحضير الفوري للدراسة عن بعد.
وعلى مدار الأيام الماضية، هرع الأميركيون إلى المتاجر والأسواق لشراء مخزون كافٍ من الأطعمة، والمشروبات، وأقنعة الوجه، والقفازات، وورق المراحيض، حتى أن الأخيرة نفدت في بعض الولايات إثر موجة الهلع المتسارعة التي عكستها الطوابير الممتدة أمام بوابات متاجر وول مارت وكاسكو، ما زايد مخاوف الطلاب الأجانب الذين يعيشون في مبانٍ مزدحمة ومهددة بشكل أكبر.
لم يكن هذا المشهد المخيف متوقعاً قبل قرابة شهر ونصف الشهر على تعليق الدراسة بالجامعات، بل كان الكثير من الطلاب الأجانب، لا سيما الصينيين، يتذمرون من عدم السماح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة، في إجراء احترازي أدى إلى حرمانهم من الانخراط بالدراسة في الوقت المحدد.
اليوم، بعد تزايد إصابات كورونا بأميركا، وانحساره بالصين، يميل الطلاب الموجودون داخل الولايات المتحدة، وعلى رأسهم السعوديون، إلى العودة إلى بلدانهم، لكن رغبتهم الملحة تصطدم بتوصيات مؤسساتهم التعليمية بالبقاء في المنزل، وتجنب الحشود بالمطارات ووسائل النقل العام
ولاية ديلاوير الأميركية التي تشتهر بصغر مساحتها، سجلت حتى هذه اللحظة، 47 إصابة تركزت معظمها في مقاطعة نيوكاسل، حسب وسائل إعلام محلية، بينما شكل حجم الولاية، وضعف نشاطها السياحي عاملاً مطمئناً للطلاب السعوديين الذين التزم معظمهم البقاء بمنازلهم لتقليل مخاطر الإصابة، وقضاء وقت الفراغ بمشاهدة البرامج الترفيهية إلى حين بدء دراستهم، فيما اتجه البعض إلى التجمعات الصغيرة وإقامة حفلات الشواء، وحاول آخرون العودة إلى بلادهم.
يذكر المبتعث فهاد الشمري أن جامعة ديلاوير ومعهد اللغة الإنجليزية التابع لها، في بادئ الأمر، لم يأخذا انتشار الفيروس على محمل الجد، إثر قرارهما باستمرار الدراسة، على الرغم من تعليقها في ولايات قريبة مثل ماريلاند ونيوجيرسي، بيد أن التحركات لإحلال الدراسة عن بعد بديلاً بدأت قبل اثني عشر يوماً عندما علّقت الجامعة الدراسة، وأوقفت نشاطاتها، على خلفية إصابة أحد أعضاء هيئة التدريس، وبعض الطلاب المخالطين.
يمر الطلاب السعوديون كغيرهم من الدارسين الأجانب في أميركا بفترة تعليمية راكدة بسبب التحول إلى الدراسة عن بعد، ويشير الطالب عبدالله العتيبي إلى ضرورة عدم احتساب هذا الوقت ضمن مرحلة اللغة المحددة بسنة ونصف السنة، ويضيف، "اكتساب اللغة الانجليزية يتطلب ممارسة وتدريباً متواصلاً، ومع تحول الدراسة إلى الأونلاين لم يعد بمقدور الطالب الحصول على القدر الكافي من التدريب الذي يؤهله لتجاوز اشتراطات اللغة الأكاديمية خلال سنة واحدة."
يأمل بعض الطلاب في العودة للسعودية للاستفادة من إجازاتهم الرسمية، لكن تعليق الرحلات الدولية من وإلى السعودية، والخوف من العدوى بالمطارات اضطرهم إلى البقاء. وحول سؤالنا عما إذا كانت هناك فرصة للعودة، أوضحت السفارة السعودية في واشنطن، من خلال هاتف الطوارئ المخصص للمواطنين بأن "جميع الحجوزات من البلاد ألغيت بناء على توجيهات اللجنة العليا بالرياض، ننتظر التوجيهات وسنبلغكم في حينها".
من جانبها، أوصت الملحقية الثقافية بأميركا بالبقاء ببلد الابتعاث واتباع توصيات السلطات الصحية للوقاية وإكمال الدراسة عن بعد في أماكن وجودهم، نظراً لأن الوباء منتشر في مختلف البلدان، وليس هناك بلد آمن عن آخر، بالإضافة إلى احتمالية زيادة فرص الإصابة بسبب السفر حسب رأي المتخصصين، وكذلك عدم صدور بيان واضح من إدارة الهجرة حيال عودة المبتعثين في حالة مغادرتهم في هذا الوقت.
وينتظر المبتعثون توفير رابط الاتصال المرئي الخاص بإتمام معاملات المراجعين، بعدما قررت الملحقية التوقف المؤقت عن استقبال المراجعين في مبنى الملحقية والاستعاضة عن ذلك بتوفير اتصال مرئي بمركز خدمة المبتعثين للتواصل عن بعد مع الطلاب وتنفيذ ومتابعة طلباتهم.
وتتماشى التوصيات الأخيرة مع قرارات معظم الولايات بأميركا التي أعلنت حالة الطوارئ وتم إغلاق مدارسها وجامعاتها وتحويل الدراسة لتكون عن بعد مؤقتاً، وحثت الملحقية الثقافية السعودية إلى اتباع إجراءات الوقاية الصادرة عن السلطات الرسمية من كل ولاية وفي حالة الطوارئ يمكن التواصل عبر هاتف الطوارئ وهواتف الطوارئ للسفارة والقنصلية.
ويعد برنامج الابتعاث السعودي من أضخم البرامج التعليمية على مستوى العالم، ويبلغ عدد المبتعثين، حسب وزارة التعليم، أكثر من 93 ألف طالب وطالبة يتوزعون في مختلف بقاع العالم، وتتركز النسبة الأكبر منهم في أميركا بواقع 54.9 في المئة، أما البقية فيوجدون في بعض الدول الأوروبية، وأستراليا والصين واليابان.