في مشهد مؤثر للغاية ببلداً يخنقه حصار الظالمين وتعصف به غارات المعتدين، توفي أحد المرضى المصابين بالسرطان أثناء تسجيل الفيلم الوثائقي الذي عرضته قناة المسيرة بعنوان “الموت بتوقيت الحصار” وذلك نتيجة لعدوان أمعن بحصاره الجائر على اليمن في إغلاق المطارات والممرات والموانئ وجميع منافذ الحياة.
وعرض الفيلم الوثائقي الذي يحكي معاناة مرضى السرطان جراء العدوان والحصار على اليمن، صور ومشاهد مؤلمة من داخل المركز الوطني لعلاج الأورام في العاصمة صنعاء، تجسد كل ذلك الإجرام في حق الإنسان بكل تفاصيله البشعة، والذي تفنن تحالف العدوان بحصاره الغاشم في تدمير كل مفاصل الخدمة والرعاية فيه والتي تمس شريحة من المرضى هي الأشد ألماً والأقل أملاً من بين ملايين اليمنيين في الحياة.
ويظهر الفيلم الوثائقي عدداً من المشاهد المؤلمة داخل المركز الوطني لعلاج الأورام، ومن بين تلك المشاهد التي تعددت في ثنايا هذا المركز، معاناة الحاج “عبدالله شوعي” الذي ظهر في الفيلم من فرط مرضه لا يكاد يحسن أن يتنفس وصدره يعلو ويهبط محاولاً جر الهواء إلى أعماقه وفي جواره يقف ابنه عبدالخالق وهو يجهد في الترويح عنه لعله يزيد من كمية الهواء والأكسجين الداخل إلى رئتي أبيه المريض.
ويوثق الفيلم الوثائقي “الموت بتوقيت الحصار” الحاج المريض وقد بلغ به ضيق النفس مبلغه وهو ينظر إلى الأسطوانة بجانبه ليرى أن كان لا يزال يتوفر بها بعض الأكسجين، ثم يبلغ به العناء مداه فيرمي بكمامة الأكسجين جانباً فلم يعد ينفع معه ذلك الهواء، فالمريض تلزمه أجهزة وإجراءات أخرى لإنقاذ حياته إنعدمت ولم تعد متوفرة، وبعدها تم وضع تلك الكمامة مرة أخرى عليه بعد أن زادت حشرجة أنفاسه وأصبحت مسموعة من باب الردهة.
كما يظهر الشيخ المريض وهو يشير بيديه، ومشهد المعاناة لا يزال على أشده، وكأنه يريد أن يقول أن شيئاً ما يمزق رئتيه، ويعلن ذلك الشيخ المسكين عن غاية ما يتمناه وهو أن يغادر هذه الحياة، بعدها تحرك مُعدو الفيلم الوثائقي صوب مستشفى الثورة العام، حتى وصلهم خبر سيء من المركز الوطني لعلاج الأورام وعند وصولهم للمركز وجدوا تجمعاً لأفراد عائلة الحاج عبدالله شوعي ليخبروهم أن الحاج عبدالله قد فارق الحياة.
يشار إلى أن المريض “عبدالله شوعي” الذي سكنت أنفاسه وتحققت أمنيته في أن يغادر هذه الدنيا الكئيبة، هو واحد من الذين عانوا بسبب نقص العلاج وما وصل لهذه الحالة إلا بسبب ما هو أعظم فتكاً وأشد قتلاً من القصف والتدمير أنه “الحصار”، فالحاج عبدالله يعد نموذجاً واحداً وبسيطاً لمأساة يومية تتجدد في كل مستشفى ومركز طبي في اليمن، إنموذجاً لأبشع مشاهد القتل البطيء بالداء والألم والحرمان من أبسط متطلبات العلاج والرعاية الطبية في هذا البلد المظلوم والمنكوب، وبموته يطوى فصل من فصول معاناة شعباً ومأساة وطن.