فتحت حادثة الحريق المأساوية في مركز احتجاز مهاجرين في العاصمة صنعاء، ثقب بسيط للنظر في المعاناة والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون في اليمن.
واندلع حريق هائل (الاحد) الماضي في مركز احتجاز يضم نحو 600 مهاجر أفريقي في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.
تصاعد الوفيات
تصاعدت أعداد وفيات المهاجرين الذين قضوا في مركز احتجاز تابع لمصلحة الهجرة والجوازات في العاصمة صنعاء إلى نحو 60 شخصا وأكثر من 150 مصابا وفقا لمصادر طبية.
وأكدت المصادر لشبكة الصحافة اليمنية (يزن) أن عدد الوفيات ارتفع الى 60 حالة وفاة من المهاجرين بينهم موظفين من مركز الاحتجاز، فيما لا يزال نحو 150 مصابا يتلقون العلاجات في عدد من مشافي العاصمة صنعاء.
وبحسب المصادر، فان عدد من المصابين يعانون من جراح خطيرة، الامر الذي يرشح عدد الوفيات للارتفاع.
لجنة تحقيق في الحادثة
وقال مصدر أمني مسؤول في العاصمة صنعاء (خاضعة لسيطرة جماعة الحوثي) إن حريقا وقع (الأحد) في مركز احتجاز لمهاجرين أفارقة في مبنى الجوازات شرق العاصمة صنعاء.. مؤكدا أن الحريق، تسبب في مصرع أكثر من 60 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين، من المهاجرين الأفارقة والموظفين العاملين في المركز وذلك في حصيلة مبدئية.
وأوضح المصدر، أن حالة اكتظاظ وازدحام وفوضى شهدها مركز الاحتجاز وأن حريق شب في المكان تسبب بسقوط العدد الكبير من الضحايا.
وعن أسباب الحريق، أكد المصدر، أنه تم تشكيل لجنة تحقيق في الحادثة برئاسة العميد الركن عبد الحميد المؤيد، المفتش العام بوزارة الداخلية (تابعة لجماعة الحوثي بصنعاء وغير معترف بها دوليا) وأن التحقيق لا يزال مستمرا. حسبما ذكر لوكالة (شينخوا) الصينية.
وبحسب المصدر، فان المهاجرين كانوا محتجزين على ذمة أنهم "مهاجرين غير شرعيين"، وذلك ضمن إجراءات تمهيدية لإعادة ترحيلهم.
ولفت المصدر إلى أن "المركز الذي تعرض للحريق غير مؤهل وكان يضم أكثر من 600 مهاجر معظمهم من إثيوبيا والصومال".
وتابع قائلا : "خاطبنا بشكل متكرر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية من أجل تحسين وضع المهاجرين وإعادة ترحيلهم ولكن دون جدوى".
وأشار المصدر إلى أن هناك تدفقا كبيرا للاجئين الأفارقة إلى العاصمة صنعاء والمحافظات الأخرى (الخاضعة لسيطرة الحوثيين) وهو أمر لم يكن معهودا قبل العدوان (في إشارة لعمليات التحالف).. لافتا إلى أن العملية وكأنها "عملية منظمة" لإغراق البلاد بالمهاجرين غير الشرعيين.
تحديات أمنية تمنع الوصول للجرحى
قالت منظمة الهجرة الدولية ، أن العديد من المهاجرين المصابين في حالة حرجة، ويجب أن تكون تلبية احتياجاتهم الصحية أولوية عاجلة.
واضافت "نحن نواجه تحديات في الوصول إلى الجرحى بسبب التواجد الأمني المكثف في المستشفيات".
وتابعت "كما يجب منح العاملين في المجال الإنساني والصحي إمكانية الوصول لدعم المصابين من الحريق وغيرهم ممن يتلقون رعاية صحية على المدى الطويل من المنظمة الدولية للهجرة وشركائها."
وقالت كارميلا غودو، المدير الإقليمي لمكتب المنظمة الدولية للهجرة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "في حين أن سبب الحريق ما يزال غير مؤكد، إلا أن تأثيره مرعب بشكل واضح".
وأضافت: " نُعَبِّر عن تضامننا مع أسر المتضررين والمجتمع بأكمله. الآن، يحتاج مجتمع المهاجرين في صنعاء إلى أن يُتَاح لهم مجالاً لرثاء مفقوديهم بشكل لائق ودفنهم بطريقة كريمة. كما أن المنظمة الدولية للهجرة وشركاءها على استعداد لتقديم المزيد من المساعدات الطبية ودعم جهود تعقب أُسَر الموتى والمصابين."
ودعت المنظمة الدولية إلى إطلاق سراح جميع المهاجرين المحتجزين في البلاد، وتجديد الالتزام بتوفير خيارات تنقل آمنة ومُنظَّمة للمهاجرين.
ملاحقات للترحيل
ويعاني المهاجرون في صنعاء تحديدا من حصار خانق بدأ بملاحقتهم وترحيلهم إلى مناطق الشرعية في المحافظات الجنوبية.
وقالت مصادر في صنعاء لـ شبكة الصحافة اليمنية (يزن) إن الحوثيين فرضوا على كل مهاجر مبلغ 125 ألف ريال مقابل تصريح إقامة مؤقت أو 70 ألف ريال لإيصالهم إلى المناطق التابعة للشرعية في القبيطة والضالع وغيرها، وماعدا ذلك فيتم تخييرهم بين القتال في الجبهات أو احتجازهم.
وفي فبراير الماضي أصدرت مصلحة الهجرة والجوازات تكليفا لثلاثة أشخاص بتنفيذ خطة لضبط العرب والأجانب المخالفين لقانون الدخول والإقامة.
وحصلت شبكة الصحافة اليمنية (يزن) على نسخة من التكليف الموجه بناء على توجيهات وزير الداخلية في مناطق سيطرة الحوثي وذلك لتنفيذ ما أسموها بـ الخطة المرفوعة من مصلحة الهجرة والجوازات بخصوص ضبط العرب والأجانب المخالفين لنظام الدخول والإقامة.
لا طلبات لجوء جديدة
ألغت جماعة الحوثي تسجيل أي طلبات لجوء جديدة، كما رفضت تجديد من اوشكت اقاماتهم على الانتهاء، في حين ذهب بعض اللاجئين الى عدن لتجديد الإقامات الا ان الحوثيين رفضوا تلك الاقامات وقاموا باعتقالهم، وطلبوا منهم دفع مبالغ مالية او المغادرة إلى عدن.
وأكدت المصادر إن جماعة الحوثي طالبت من مفوضية شؤون اللاجئين بدفع المساعدات المخصصة للاجئين عبرها، لكن المفوضية رفضت، ما دفع الجماعة لاتخاذ قرار ترحيلهم.
يقول المسئول السابق للحماية القانونية في المفوضية جمال الجعبي، لشبكة الصحافة اليمنية (يزن) إن دور المنظمة الدولية، يقتصر على مطالبة السلطات بإعادة ترحيل المهاجرين إلى بلادهم باعتبار أنهم غير شرعيين، بالإضافة إلى مطالبة المنظمات بحق الوصول إلى أماكن الاحتجاز والتأكد من توافر معايير الحد الأدنى من شروط الاحتجاز".
من الجحيم إلى الجحيم
على الرغم من الحرب الكارثية الدائرة منذ سنوات، وما خلفته من تداعيات على مختلف المستويات، بما فيها تلك المرتبطة بسلامة الهجرة، ما تزال اليمن وجهة الآلاف من المهاجرين القادمين من القرن الافريقي بحثا عن حياة أفضل.
ويقطع العشرات واحياناً المئات يومياً المسافات الطويلة، عبر قوارب متهالكة تقذف بعضهم في مياه البحر فيلقون حتفهم، أو تصلهم إلى شواطئ اليمن، فتتحطم أحلامهم في جبالها وصحاريها.
ويتصور المهاجرون، لأنفسهم حياة وردية في بلد يظنونها ملاذا آمنا، أو ممر سهل للوصول الى دول الخليج الغنية بالنفط، لكنهم يكتشفون العكس حين ترمي بهم الرحلة في الموت أو في مراكز الاحتجاز.
وتشير التقديرات الى أن حوالي 138000 مهاجر شرعوا في رحلة شاقة من القرن الأفريقي إلى اليمن عام 2019 ، لكن هذا العدد انخفض بشكل كبير إلى 37000 العام الماضي بسبب وباء كورونا.
كما وصل أكثر من 2500 مهاجر إلى اليمن من جيبوتي في يناير الماضي، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
وتفيد المنظمة، بأن معظم المهاجرين الذين يصلون إلى اليمن هم من الإثيوبيين ويغادرون القرن الأفريقي من الصومال وجيبوتي.
رأس العارة.. مركز للاستقبال والاتجار
تعد "رأس العارة" و"خور عميرة" في محافظة لحج أكثر المناطق استقبالا، لموجات المهاجرين المتدفقة الى اليمن، لكنها مناطق ملغومة بالعصابات المسلحة، وتجار البشر.
وسبق أن وثقت وكالات دولية ومنظمات العديد من الانتهاكات البشعة التي يتعرض لها المهاجرون في تلك المناطق، وسط تجاهل السلطات اليمنية.
وقال مسؤول الحماية القانونية في المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين جمال الجعبي، إنه حتى الآن لم يثبت وجود إقرار من السلطات لأي حالات انتهاك لحقوق الإنسان تجاه المهاجرين المنتشرين في البلد أو المحتجزين منهم.
وتقول الهجرة الدولية إنها تطالب باستمرار بتحسن معاملة المهاجرين مع السلطات القائمة في شمال اليمن وجنوبه، لكن المطالبات لم تسفر عن تحسن كبير في أوضاعهم.
وفي حين يختار البعض التوجه إلى مدينة عدن، للإستقرار فيها، يواصل آخرون الرحلة الى صنعاء أو البيضاء، بحثا عن عمل يدر عليهم بعض المال، بما في ذلك العمل في المزارع، أو أعمال بناء ونقل حمولات، وصولاً إلى غسل السيارات في شوارع مدن رئيسية.
كما يتجه الغالبية صوب المحافظات الحدودية بحثا عن منافذ للدخول الى السعودية او دولة خليجية أخرى، لكن هذه الرحلة قد تمتد لشهور بسبب تشديد الإجراءات على خلفية الحرب المتصاعدة، وفيروس كورونا.
ويتعرض المئات من المهاجرين للاستقطاب من قبل الجماعات المسلحة، كما زج المئات في السجون والمعتقلات.