غالب القمش

لماذا فضحت الاستخبارات الامريكية عميلها اليمني “ القمش” في هذا التوقيت؟!

قبل 2 سنة | الأخبار | اخبار الوطن

خلال الحرب على الإرهاب، اعتمدت الإستراتيجية الدولية على مسؤولي استخبارات من أنظمة متهمة بالفساد والتعذيب. وطبقا لتقرير نشره موقع “OCCRP” فقد احتفظ العديد من هؤلاء الجواسيس وعائلاتهم بمبالغ كبيرة في بنك “كريدي سويس” السويسري.

وموقع OCCRP هو اختصار لـ مشروع إبلاغ الجريمة والفساد المنظم، حيث أنتج هذه المادة، بالتعاون مع موقع درج اللبناني وعدد من المواقع الأوروبية، والمتخصصة في الصحافة الاستقصائية والشفافية.

تكشف بيانات “أسرار سويسرى” أن 15 شخصية استخباراتية من جميع أنحاء العالم، أو أفراد عائلاتهم المقربين، لديهم حسابات في كريد سويس.

وتثير الحسابات، التي كان للعديد منها أرصدة كبيرة جدًا، أسئلة بشأن العناية الواجبة للبنك.

ومن بين أصحاب الحسابات رؤساء أجهزة تجسس وأقارب لهم من الأردن واليمن والعراق ومصر وباكستان. وقد اتُهم البعض بارتكاب جرائم مالية أو التعذيب- أو كليهما.

غالب القمش: “الصندوق الأسود”

وسلط التقرير الضوء على عدة شخصيات من ضمنها الاستخباراتي اليمنية “غالب القمش” الذي وصفه بالصندوق الأسود.

 

بينما كانت وكالة الاستخبارات المركزية والجنرال أخطر يتعاونان في أفغانستان، بدأ اليمني غالب القميش صعوده المهني

وبحلول عام 1980، ترأس اللواء القمش جهاز الأمن الوطني اليمني، المعروف باسم جهاز الأمن السياسي. وكما كان يفعل الجنرال أخطر في باكستان، فقد نسق اللواء القمش عملية تجنيد اليمنيين الجهاديين في الحرب الأفغانية ضد السوفيات.

كانت شخصية اللواء القمش تطغى على جهاز الأمن اليمني لعقود، كمنفذ رئيسي للمهمات المطلوبة من الرئيس القوي علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد من عام 1978 إلى عام 2012. عندما قصفت القاعدة المدمرة الأميركية “يو أس أس كول” ميناء عدن اليمني عام 2000، كلف الرئيس السابق علي عبد الله صالح اللواء القمش الذي كان متردداً في البداية بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية في ملاحقة المشتبه بهم.

وفقاً لثلاثة ضباط عملوا تحت قيادة اللواء القمش في جهاز الأمن السياسي اليمني، كان اللواء القمش هو المسؤول الأمني الأكثر إثارة للرعب في البلاد. ووصفوه بأنه “الصندوق الأسود” للرئيس صالح. المصادر الثلاثة، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أبلغت مشروع OCCRP وشركاءه أن اللواء القمش كان يملك “ميزانية أولية تتكون من ملايين الدولارات” للتصرف بها كما يحلو له.

وبحلول الوقت الذي أصبح فيه اللواء القمش كبير رجال المخابرات في اليمن، ومساعداً للأميركيين على تفكيك الخلايا الإرهابية في أوائل القرن الحادي والعشرين، كان لديه ملايين الدولارات التي لا يمكن معرفة مصادرها مخبأة في بنك كريدي سويس.

كان أحد حساباته، الذي تم فتحه في عام 1999، أي قبل عام من الهجوم على المدمرة كول، يحوي ما يقرب من خمسة ملايين فرنك سويسري بحلول عام 2006، وهو العام الذي فر فيه بعض المشتبه بهم في حادثة “كول” من سجن يمني. وقدر راتب اللواء القمش بما يتراوح بين 4000 و5000 دولار شهرياً، بما في ذلك بدل العلاوات والمكافآت.

اتُهم القمش بانتهاكات مختلفة، بما في ذلك المشاركة في برنامج التسليم الاستثنائي الأميركي (الترحيل السري)، الذي شهد إنفاق الملايين من أموال وكالة الاستخبارات المركزية على المسؤولين في الدول الحليفة لتعذيب مشتبه بهم بالإرهاب واستنطاقهم. وتظهر الوثائق الرسمية أن مبالغ ضخمة دفعت إلى البلدان التي استضافت المواقع السود، وإلى الشركات التي قامت برحلات جوية، وأولئك الذين قاموا بالتعذيب والاستجواب.

وقالت روث بلاكلي من مشروع الترحيل السري- مشروع يضم مجموعة من الأكاديميين البريطانيين الذين حققوا في البرنامج الأميركي- “إذا كان هناك دليل على أن كبار مسؤولي الاستخبارات كانوا يتكسبون مالياً من التواطؤ في برنامج الترحيل والاعتقال والاستجواب الذي قادته وكالة الاستخبارات المركزية، فإن ذلك يستدعي إجراء تحقيق شامل”.

بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية “مواقع سوداء” في البلدان الحليفة حول العالم -سجون سرية حيث يحتجز فيها المشتبه في أنهم إرهابيون بمعزل عن العالم الخارجي. كما أسند الأمريكيون مهام الاستجوابات إلى أنظمة قمعية مثل مصر والأردن واليمن، حيث تعرض المحتجزين للتعذيب للحصول على معلومات لتعزيز الحرب على الإرهاب. كشف التحقيق التاريخي الذي أجراه مشروع الترحيل السري بقيادة الأكاديميين بالتعاون مع مكتب الصحافة الاستقصائية عام 2019، عن أدلة مستفيضة حول 60 “مسار” لطائرات الترحيل السري شملت أكثر من 120 عملية تسليم فردية.

إذا كان بنك “كريدي سويس” قد شكك في مصدر أموال اللواء القمش أو ملاءمته كعميل، فإن ذلك لم يمنع البنك من التعامل معه. استمرت حساباته لفترة طويلة بعد تورطه في برنامج التسليم السري وفي قمع المعارضين السياسيين اليمنيين.

قال أحد كبار الضباط ممن خدم مع اللواء القمش: “من خلال جهاز الأمن السياسي، كان (القمش) مسؤولاً عن اعتقال جميع العناصر التي كان يُنظر إليها على أنها معارضة لنظام صالح”، في حين أضاف آخر: “لم يكن أحد يعرف كيف أنفقت أموال جهاز الأمن السياسي”.

تراجعت علاقة اللواء القمش مع الرئيس صالح عندما بدأ الرئيس في إعداد ابنه لتولي مسؤولية البلاد. كما أنشأ صالح وحدة استخبارات محلية جديدة، هي جهاز الأمن القومي عام 2002، تحت قيادة ابن أخيه، والذي سرعان ما طغى على جهاز الأمن السياسي. ببطء، بدأ الزعيم في سحب البساط من تحت قدمي اللواء القمش. نجا اللواء القمش حين تمت الإطاحة بصالح عام 2012، ولكن يبدو أنه أدرك أن الكتابة كانت على الحائط وأنه كان في طريقه لفقدان منصبه.

كان القمش قد سحب آخر أمواله من كريديت سويس – 3,834,643 فرنك سويسري – في كانون الثاني/ يناير 2011، بينما كانت الحشود تنزل إلى شوارع عدن عشية إطلاق أول شرارة للربيع العربي. أقيل من منصبه كرئيس لجهاز الأمن السياسي في عام 2014 من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي كان قد وصل إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس على صالح. الرئيس منصور عين اللواء القمش برتبة سفيراً في الخارجية. لغاية اليوم لم يتم تعيينه رسمياً في أي مكان ، إلا أن اسمه يظهر على قائمة السفراء العاملين ، كما ذكرت مصادر ديبلوماسية يمنية لـOCCRP.

في الوقت الحاضر، يعيش القمش في اسطنبول في عقار قام بشرائه. وفي السنوات الأخيرة، بقي بعيداً من الأضواء، لكن أبناءه لا يزالون نشطين في الأعمال التجارية في اليمن والبحرين والبرازيل وتركيا.