كيف تغيرت حياة خمسة يمنيين إلى الأبد بسبب الحرب في اليمن
بعد خمس سنوات من الصراع في اليمن، يوضح لنا خمسة يمنيين ما يعنيه الصراع بالنسبة لهم ولأسرهم، حيث تسلط قصصهم الضوء على ما يتكبده الناس من خسائر نتيجة للحرب في اليمن، ولكن في الوقت نفسه تظهر قصصهم القدرة المذهلة للشعب اليمني على الصمود والحفاظ على كرامتهم وعدم اليأس.
” برنامج الغذاء العالمي”:
منذ بداية الصراع في اليمن وفي غضون خمس سنوات، ارتفع عدد المستفيدين من المساعدات الغذائية المقدمة لبرنامج الأغذية العالمي من مليون شخص في الشهر ليصل إلى 12 مليون شخص في الشهر. ولا يزال خطر المجاعة الذي تم تفاديه حتى الآن يخيم على البلاد رغم عملية الاستجابة الإنسانية الضخمة. فقد نزح ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص وفقد ملايين آخرون سبل كسب عيشهم والذي يترافق مع انهيار اقتصاد البلاد نتيجة الحرب الدائرة.
وفيما يلي نستعرض ما قاله خمسة من اليمنيين عما فعلته السنوات الخمس الماضية بهم وبأسرهم.
نوال، قابلة من محافظة الحديدة )نازحة في محافظة لحج(
كانت نوال في سن المراهقة عندما رأت والدتها تكابد مخاضاً صعباً. تلك هي اللحظة التي قررت فيها أن تصبح قابلة. أنهت نوال دراستها والتحقت بالجامعة. وبعد بضع سنوات كانت تعمل قابلة في مستشفى بمحافظة الحديدة.
“أحب عملي كثيراً وأشعر بالسعادة عندما أحمل طفلاً بين يدي”. هكذا قالت نوال وهي تصف عملها.
وباندلاع الحرب في مدينة الحديدة، مسقط رأس نوال، شهدت المدينة أشرس المعارك في حرب اليمن التي استمرت خمس سنوات. وفي عام 2018، أجبر الصراع نوال وعائلتها على الفرار خوفاً على حياتهم.
تقول نوال: “لقد بعنا الدراجة النارية الخاصة بوالدي. كنا نظن أننا سوف ينتهي بنا الحال لنعيش في الشارع، حيث لم نكن نعرف إلى أين نذهب. أتينا إلى عدن. بفضل الله، التقينا امرأة في الحافلة والتي أخبرتنا عن هذا المخيم للنازحين الذي وصلنا إليه بعد منتصف الليل. والحمد لله، تلقينا مراتب وبطانيات وبدأنا نشعر بالراحة”.
وقد تم تسجيل نوال ووالديها وشقيقيها وابنتها الرضيعة لدى برنامج الأغذية العالمي لتلقي المساعدات النقدية الشهرية من أجل تغطية احتياجاتهم الغذائية والاحتياجات الأساسية الأخرى. ومن خلال هذه المساعدات النقدية، تمكنت نوال أيضاً من العودة إلى مزاولة ما تحبه من مساعدة النساء على الولادة.
في معظم الأحيان، يكون هناك امرأة ما خارج خيمة نوال في حاجة إلى مساعدتها. وقد ساعدت نوال في ولادة عدد لا يحصى من الأطفال في المخيم، مما أكسبها لقب “الدكتورة نوال”.
تقول نوال: “أشعر بالحرج لطلب المال ممن أساعدهن، خاصة إذا كانت الأسرة فقيرة للغاية. بعد أن أنهي عملي، لا أطلب ريالاً واحداً”. “في الحديدة، كنت أكسب المال من عملي. ولكن هنا هم جميعاً نازحين. إنهم يعيشون في أوضاع صعبة ولا يستطيعون تحمل أي تكاليف. ولأنني امرأة، أعرف كيف تعاني النساء أثناء الولادة. هذا هو السبب في شغفي بمساعدة النساء وقت الولادة”.
“إنني أمشي معهن (أثناء المخاض) وأغسل وجوههن بالماء. وعندما تكون المرأة متعبة، أساعدها على الاستلقاء على الفراش وأعطيها التمر لتجديد طاقتها كما أقوم بتدليك بطنها. لذا، فالنساء هنا يحبنني وأنا أحب هذا العمل”.
أحمد من محافظة تعز يعمل كإسكافي (نازح في إب)
أحمد من محافظة تعز يعمل إسكافياً وهو الآن نازح في محافظة إب ويعتمد على المساعدات الغذائية الشهرية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي لإطعام أطفاله الستة.
يحكي أحمد قائلاً: “كنت أصنع الصنادل الجلدية وأبيعها للناس مقابل 200 إلى 300 ريال”. كانت عائلة أحمد فقيرة ولكن كان لديه ما يكفيه لإطعام أطفاله.
عندما بدأت الحرب، دمرت غارة جوية منزله في تعز. وتنقل هو وعائلته مرات عديدة بحثاً عن مأوى قبل أن ينتهي به المطاف في محافظة إب ليسكن في مبنى غير مستخدم أصبح منزلاً للعديد من الأسر النازحة.
يقول أحمد: “لا أستطيع العثور على أي عمل هنا. في بعض الأحيان يعمل أطفالي في الشوارع لجمع الزجاجات الفارغة. أحلم بمنزل لي ولأطفالي. وأريد وظيفة أيضاً، أريد أن أعمل وأدعم عائلتي”.
رانيا، معلمة من محافظة الحديدة (نازحة في محافظة لحج)
تقول رانيا: “عندما كنت طفلة، كان زملائي يسألونني إذا أحد منهم واجه مشكلة أو لم يستطع فهم شيء ما. في وقت الاستراحة، كنت دائماً أعيد شرح الرياضيات أو تمارين العلوم لزملائي.”
عملت رانيا في مدرسة محلية في الحديدة، مسقط رأسها. لقد أحبت عملها ولكن في يوم من الأيام دخلت الدبابات إلى ملعب المدرسة وتم تحويل فصلها الدراسي بين عشية وضحاها إلى ثكنة عسكرية. أدركت رانيا حينها أن الوقت قد حان للمغادرة.
فرت رانيا وأطفالها الخمسة إلى المناطق الجنوبية ولجأوا إلى مخيم للنازحين في محافظة لحج، حيث يتلقون مساعدات نقدية شهرية من برنامج الأغذية العالمي.
تقول رانيا: “عندما نزحنا لأول مرة، تذكرنا حياتنا القديمة بحزن.
لكنها لم تنس شغفها بالتدريس، وسرعان ما وجدت هدفاً جديداً لحياتها في المخيم.
وتحكي قائلةً: “لاحظت أن جميع الأطفال النازحين لديهم الكثير من وقت الفراغ. “كانوا يتشاجرون طوال الوقت ويخلقون مشاكل لأسرهم. لذا، بدأت بتعليمهم. في الصباح كنت أعلمهم القراءة والكتابة، وبعد الظهر، بدأت بجلسات لتحفيظ القرآن الكريم”.
غالباً ما يروي طلاب رانيا قصصهم لها عما حدث لهم خلال الحرب والتي في الغالب تصف حكايات مرعبة عن العنف والتجنيد القسري.
تقول رانيا: “لقد أثرت الحرب وألحقت الضرر بالعديد من الأطفال نفسياً. ما أحاول القيام به الآن هو ضمان السلامة لأطفالي وغيرهم من الأطفال هنا في هذا المخيم.”
“أريد أن يتعلم أطفالنا. أريدهم أن يسعوا إلى تحقيق طموحاتهم بغض النظر عن الظروف التي نعيش فيها. أريد أن تكون ابنتي طبيبة وابني ضابط شرطة، لأن أطفالنا هم قوى التغيير في اليمن”.
روضة، خيّاطة من محافظة تعز (نازحة في محافظة إب)
روضة تعمل في مهنة الخياطة، حيث كانت معروفة في مجتمعها بصنع الملابس الجميلة.
وتتذكر قائلةً: ” أفضل الملابس التي صنعتها كانت للنساء والأطفال. “كان العمل جيداً والحياة هادئة. وكنت أخيط الملابس وأبيعها في المتاجر المحلية. كنا مرتاحين وكان لدينا دخل جيد.”
عندما بدأت الحرب، تغير كل شيء. تقول روضة: “لم يكن معنا سوى الملابس التي كنا نرتديها عندما هربنا من تعز.
كان عليها أن تترك وراءها آلة الخياطة التي تمثل مصدر دخلها الوحيد.
تعيش روضة، الحامل بطفلها الثالث، الآن في مخيم في محافظة إب، حيث تتلقى مساعدات غذائية شهرية من برنامج الأغذية العالمي.
“أرغب في ماكينة خياطة جديدة وأود أن استخدمها كثيراً، ولكنني لا أريد ذلك لابنتي بل أريدها أن تتعلم وتجد وظيفة. أريدها أن تصبح معلمة أو طبيبة. أريدها أن تنهي تعليمها وأن تكون مختلفة عني بل أفضل مني.”
أحمد، صاحب مطعم وطباخ من محافظة الحديدة (نازح في محافظة إب)
كان أحمد يملك مطعماً مزدحماً ومشهوراً في محافظة الحديدة، حيث اعتاد الناس السفر لأميال لتذوق وجبة “المخلوطة” التي كان مطعمه يعدها، وهي وجبة محلية خاصة تُصنع من الدقيق والخميرة والبصل والماء والملح وملون طعام.
ويتذكر أحمد قائلاً: “عندما كنت أُعد طبق “المخلوطة”، كنت ابيعها بسرعة كبيرة. ثم جاءت هذه الحرب التي دمرت كل شيء.”
وبسبب النقص في وقود الغاز والمواد الغذائية الناجم عن الصراع، اضطر أحمد إلى إغلاق مطعمه. وعندما اندلع القتال في الحي الذي يقطن فيه، لاذ أحمد بالفرار مع أسرته.
يعيش أحمد وزوجته وابنته في مبنى لم يتم استكماله في مدينة إب والذي يضم عشرات الأسر النازحة.
يقول أحمد: “جئت إلى محافظة إب بسبب الحرب والغارات الجوية في الحديدة. “الحياة هنا أفضل ولكن صعبة، فالجو بارد والمطر يتساقط علينا عبر الشقوق.”
يحلم أحمد بفتح مطعم آخر، حيث لا يزال يصنع وجبة “المخلوطة” ويبيعها من كشك صغير مؤقت يقيمه في الشارع.
ويحكي أحمد قائلاً: “المخلوطة لذيذة جداً ومشهورة جداً في الحديدة. لكن الناس غير معتادين على ذلك في محافظة إب، لذا يكافح أحمد لكسب المال من خلال وجبته الشهية.
وتتلقى أسرة أحمد مساعدات غذائية شهرية من برنامج الأغذية العالمي.
يقول أحمد أخيراً: ” في كثير من الأحيان لا يوجد ما يكفي من الطعام. إنني أقدر هذه المساعدة، لكني أتمنى المزيد: أتمنى الحصول على عمل وراتب، فليس لدينا حالياً سوى هذه المساعدة التي تسمح لنا بالبقاء على قيد الحياة”.
نبذة عن برنامج الأغذية العالمي في اليمن:
تعتبر العملية الإنسانية التي يضطلع بها البرنامج في اليمن الأكبر على مستوى العالم، حيث يقدم من خلالها المساعدات لنحو 12.5 مليون شخص -أي أكثر من ثلث عدد السكان – وذلك من خلال المساعدات الغذائية الشهرية العينية أو عبر قسائم السلع أو التحويلات النقدية. كما يقدم برنامج في اليمن المساعدات التغذوية للنساء والأطفال، ويدير مشروع الوجبات المدرسية في أكثر من 1500 مدرسة إلى جانب تقديمه الدعم للمجتمعات المحلية في إعادة بناء الأصول الرئيسية مثل الطرق والمدارس وشبكات الري التي تمكن السكان من الاعتماد على أنفسهم.
وقد أدت الاستجابة الإنسانية التي ينفذها البرنامج لمواجهة الأزمة في اليمن إلى تفادي المجاعة حتى الآن. وهذا المستوى من الاستجابة لم يكن ممكناًه لولا الدعم الذي تقدمه الجهات المانحة التالية: النمسا وأستراليا وبلغاريا وكندا وكرواتيا والجمهورية التشيكية والدانمرك وإستونيا والاتحاد الأوروبي وفنلندا وفرنسا وألمانيا، والوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية بألمانيا، وأيسلندا وإيطاليا واليابان ومركز الملك سلمان للإغاثة، والكويت، ولوكسمبورغ، والنرويج، وقطر، وجمهورية كوريا، وروسيا، وسلوفينيا، والسويد، وسويسرا، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، وصندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.