فكرت في يوم معرفة أفكار الآخرين وما يدور في أذهانهم؟، أو حاولت تفكر في شخص حتى تقابله من خلال التخاطر؟، إذا شغل تفكيرك كل ذلك فأنت موهوم!، هذه هي حقيقة التخاطر، الذي أصبح منتشرا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال فيديوهات اليوتيوب، حيث يحاول البعض النصب على الشباب بإيهامهم بقدرتهم على تعليمهم التخاطر وأفضل الطرق التي تضمن لهم نجاح تلك العملية، ويزعمون أن التخاطر يجعل الشخص قادرا على التأثير في أشخاص بعيدة عنه، من خلال التأثير على أفكارهم وحالتهم النفسية، حتى لو فكرت فتاة في الارتباط بشخص فتستطيع أن تفعل ذلك من خلال التخاطر، من خلال الترويج لإعلان جلب الحبيب بالتخاطر، ولكن كل ذلك أوهام وغش وليس له علاقة بالعقل أو الدين..
وهذا ما نكشفه في التحقيق التالي.. هوس التخاطر حب أحد الأشخاص هو الذي دفع أمنية أحمد- 23 عاما- لتعلم التخاطر، حيث تقول: تعرفت على التخاطر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح لديّ فضول لتجربته، خاصة أن هناك شخصا أحبه، وأتمنى أن يتقدم لخطبتي، فاتبعت خطوات التخاطر من إحدى الفيديوهات على اليوتيوب، وتفاجأت بأنه تحدث معي في اليوم التالي، فأعتقد أني بذلك استطعت أن أوصل له رسالة بعقلي من خلال التخاطر.
أما عن السبب الذي دفع آية وليد- 22 عاما- لتعلم التخاطر، فتقول: كنت أستخدم التخاطر في البداية بشكل غير مقصود، حيث إنه كلما أفكر في صديقة لي أجدها تتصل بي في ذات الوقت أو أقابلها في اليوم التالي بالصدفة، ولكن عندما أدركت الأمر أصبحت أستخدم التخاطر بشكل متعمد، وكأنه لعبة، فأفكر في إحدى صديقاتي وأجدها تتصل بي فورا، فضلا عن أني أستخدمه حين أريد التواصل مع شخص وليس لديّ رصيد في هاتفي مثلا!، وفي كل مرة أفاجأ بأن الأمر ينجح معي.
كذب وخداع موضوع التخاطر له أبعاد نفسية كثيرة، ويقول د. وليد هندي- استشاري الصحة النفسية-: من قديم الأزل، وهناك محاولات حثيثة لفهم النفس البشرية، وفصل الروح عن الجسد، وظهر ذلك في الحضارة الفرعونية، حينما قسموا الجسم لسبع طاقات، وغيرها من الحضارات، ومن ضمن هذه المحاولات نذكر محاولة الفيلسوف الألماني"ماكس ديسوار" في التعمق لفهم النفس البشرية باستخدام "البار سيكولوجي" أي علم ما وراء النفس، ودرس الإدراك فوق الحسي، والتحريك الروحي للظواهر والتنويم المغناطيسي وغيرها، والتخاطر يعد من أهم ركائز علم البار سيكولوجي، والذي يعني قراءة أفكار أشخاص آخرين لا تتواجد في نفس المكان، بل والتأثير على أفكارهم أيضا، ولكنه اكتشف أن جميع التجارب التي أجراها في هذا المجال ليست إلا كذب وغش وخداع و تدليس.
ويضيف قائلا: في عام ١٨٨٢ قامت جمعية " str" للأبحاث النفسية العلمية في لندن، والتي كانت تجمع علماء نفس واجتماع وغيرها من المجالات، وكان ضمنهم عالمان حاصلان على جائزة نوبل، بتجارب عديدة على ١٧ ألف شخص، وأثبتت التجارب فشلها، فوثقوها في كتاب "أوهام الأحياء"، وفي عام ١٩١١ كانت جامعة "ستانفورد" أول جامعة علمية في أمريكا تدرس الإدراك خارج الحواس في بيئة مختبرية ، وفي نهاية تجاربهم وأبحاثهم استنتجوا فشل المعاملات الإحصائية وعدم مصداقية التجارب إلا من خلال الصدفة، وفي عام ١٩٣٠ جامعة "دوك" ثاني أكبر جامعة في أمريكا كان لها محاولات في هذا المجال ولكن تجاربها أيضا باءت بالفشل.
ويؤكد د. وليد هندي أن هذه الخرافات طلت علينا بوجهها القبيح مع تجار الرؤية الشرعية والطاقة ومروجي الخرافة والسحرة والمشعوذين ومفسري الأحلام وقارئي الفنجان، فكل ذلك ليس له أي أساس من الصحة، وللأسف يتم ربطه بالدين، والمراهقون وأصحاب الشخصية الهستيرية والشخصية سهلة الانقياد هم الأكثر انسياقا وراء هذه البدع، كما أن المرأة أكثر انجذابا عن الرجل، خاصة إذا كانت مطلقة أو تريد الزواج، فضلا عن الأشخاص الذين يبحثون عن الثراء السريع، وهذا الطريق يؤدي إلى مشاكل نفسية كالعزلة والإحباط أو حتى الانتحار. خطورة
أما د. محمد فتحي- أستاذ علم النفس- فيقول: التخاطر هو أمر شديد الخطورة، ولا يجب الخوض فيه بشكل كبير، لما له من توابع وخيمة، وقد يفتح الباب للشعوذة والدجل، حيث لا يتمركز التخاطر فقط حول إرسال رسائل التخاطر بين الأشخاص، بل إن رغبة البعض قد تتعدى إلى الرغبة في معرفة التفاصيل وعلم الغيب، ولكن هذا غير صحيح بالمرة، فلو امتلك الجميع هذه القدرة وهذه الميّزة لما بقى هناك سر مخبأ، ولتشكلت عداوات لا يمكن حلها، لمجرد تفكيرهم بفكرة ما، وانتهت العديد من المشاريع والتخطيطات والأفكار قبل بدئها، ولسُرقت كثير من الأفكار الإبداعيّة والحقوق الفكريّة، ولضاعت الكثير من الحقوق والمصالح والأسرار والعلوم، والإبداعات والاختراعات وغيرها.
ويضيف قائلا: أغلب المشتغلين والمهتمين بهذا الأمر لا يصلون إلى أي نتائج ملموسة، لذلك يصابون بالإحباط والاكتئاب والانفصال التام عن الواقع والأزمات والمشاكل النفسية، حيث يبقى الشخص لساعات طويلة مع التركيز، ومحاولة نقل الأفكار كما يزعم، لكن في النهاية لا يحقق شيء، يصبح الشخص الممارس للتخاطر الذهني منتبها للتواصل غير الحسي، مع إهمال الجانب المحسوس من المعاملات مع الآخرين. رأى الدين أما عن رأي الدين فتقول د. آمنة نصير- أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر
-: الإنسان يجب أن يتعلم القول السديد الصادق النافع، وليس هذا الهوس والهراء الذي يسمى بالتخاطر، وعلى الشباب أن يلجأ إلى اللغة الموجودة في المجتمع والتفاهم بها بالقول الحسن، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة"، والشاب الذي يريد أمرا ويتمنى تحقيقه عليه بالسعي، فالصلاة والدعاء تقربه إلى الله، فحتى إن لم تُجب دعوته فستكون ثواب له، ولكن انتشار ظاهرة التخاطر مرفوض تماما، ويعد سيكولوجية مجنونة لا طائل من ورائها إلا الهذيان.
كما يقول د. سالم محمد- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: التخاطر ليس له أي أساس في الدين إطلاقا، فهو تضييع للوقت وقريب من الشعوذة والدجل، والشباب الذي يعتقد بهذا الأمر مغيّب عن الواقع ويعيش في الأحلام، فهذا الأمر حرام، لأنه يضيع الوقت ويشتت الأفكار والذهن، ولاشك أن هناك خطورة على الشباب الذي يقوم بهذه الأفعال فهو يقلل من عقله ونفسه وهذا نوع قريب جدا من الشيطان، والسبب في انتشار هذه الظاهرة هو البعد عن الدين وعن جادة الطريق والفراغ، فعلى الشباب أن يلجأ لله وكتابه الكريم، وأن ينشغلوا بعمل مفيد، وقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال"، وإن هذا العمل يؤدي إلى كثرة القيل والقال فيما لا يفيد، والى ضياع العمر والمال، فهذا شيء مبغوض عند الله سبحانه وتعالي.