فتح إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي السبت، عن اتخاذ عدد جديد من الإجراءات من بينها إعلان حالة الطوارئ وإخضاع المناطق الجنوبية للإدارة الذاتية، الباب أمام مآلات جديدة لتاريخ الصراع بين المجلس والحكومة الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، في ظل مؤشرات على حدوث مواجهة عسكرية جديدة بين الطرفين خلال الأيام القادمة في حال لم يلق التحالف العربي بكل ثقله لتنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين في أعقاب مواجهات أغسطس 2019 التي انتهت بسيطرة الانتقالي على العاصمة عدن.
واعتبرت مصادر سياسية يمنية من عدن في تصريح لـ”العرب” أن تحرك الانتقالي في حقيقته رسالة إلى التحالف العربي بقيادة السعودية للضغط على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي من أجل تنفيذ بنود اتفاق الرياض.
وجاء موقف المجلس الانتقالي بعد جولة جديدة من تبادل الاتهامات حول الطرف المسؤول عن تردي الأوضاع المعيشية والخدمية في عدن والتي تفاقمت بسبب الأمطار الغزيرة التي ألحقت أضرارا كبيرة بالبنية التحتية في المدينة.
وفيما ألقت الحكومة باللائمة على المجلس الذي قالت إنه أفشل عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، اتهم بيان صادر عن المجلس “الشرعية” بتجاهل اتفاق الرياض والاستمرار في التصعيد العسكري والإعلامي.
وفي أول رد من الحكومة على إجراءات المجلس الانتقالي التصعيدية، حمّل بيان صادر عن الحكومة، الأحد، المجلس الانتقالي وقياداته، المسؤولية الكاملة عن عدم تنفيذ بنود اتفاق الرياض، وصولًا إلى ما وصفه بـ”الانقلاب الكامل على مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن”.
وناشد بيان الحكومةأعضاء التحالف العربي “تحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه وحدة وسلامة أراضي الجمهورية اليمنية، ودعم الحكومة والشعب اليمني في حمايتها وصونها من أي مخططات أو مشاريع هدامة”.
وحشدت الحكومة كل أوراقها في مواجهة تصعيد الانتقالي من خلال التلويح مجددا بورقة ابتزاز التحالف العربي، واستحضار الصراع الجنوبي – الجنوبي عبر استصدار بيانات مناهضة للانتقالي من قبل قيادات السلطة المحلية الموالية للشرعية في محافظات شبوة وأبين والمهرة وسقطرى.
ويعتبر مراقبون للشأن اليمني أن المحافظات المحررة في جنوب اليمن بدأت مرحلة مختلفة من الصراع الذي عملت دول إقليمية مثل قطر على تأجيجه مبكرا من خلال إحياء الخلافات المناطقية في جنوب اليمن ودعم رموز هذا الصراع وإعادتهم للمشهد اليمني لتنفيذ أجندات إقليمية، إلى جانب الدور الذي تقوم به جماعة الإخوان المسلمين في اليمن التي عملت منذ وقت مبكر على استهداف أي محاولات لتنفيذ اتفاق الرياض، ونشر حالة من الفوضى السياسية والإعلامية الموجهة ضد المجلس الانتقالي والتهديد بطلب التدخل التركي وإنشاء تحالف إقليمي جديد في اليمن على غرار التحالف العربي.
وتشير المعطيات المتوفرة حول تداعيات الخلاف بين المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية إلى سعي تيار قطر النافذ في الشرعية إلى تحويل دفة الحرب من مناطق الشمال التي تم تسليم معظمها للحوثيين، إلى المحافظات الجنوبية المحررة، وحشد كل الإمكانيات والطاقات التابعة لقطر والإخوان في هذه المواجهة التي من المتوقع أن يتم الزج فيها بكامل الثقل السياسي والعسكري والإعلامي الذي شكله الإخوان خلال السنوات الخمس الماضية ولم يدخلوا به في أي مواجهة حقيقية مع الميليشيات الحوثية.
واعتبرت مصادر سياسية يمنية أن تذكير الشرعية لقيادة التحالف بمسؤولياتها تجاه دعم الحكومة، محاولة فاشلة لدفع التحالف إلى مواجهة الانتقالي، في الوقت الذي باتت فيه الصورة مكتملة لدى قيادة التحالف بشأن الطرف المعرقل لتنفيذ اتفاق الرياض والمتمثل في مراكز القوى المرتبطة بالإخوان وقطر وتركيا في الحكومة اليمنية التي جاهرت برفضها للاتفاق واستمرت في حشد قواتها على مشارف عدن طوال الفترة الماضية.
واشارت “العرب” انها كشفت في تقارير سابقة عن تصاعد الدور القطري والتركي في اليمن، وتزامن توقيت إعلان أنقرة دخولها كطرف مباشر في حرب اليمن مع سيطرة أدواتها على جنوب اليمن.
في غضون ذلك قال سكان في مدينة عدن لوكالة الصحافة الفرنسية إن المدينة شهدت “انتشارا مكثفا” لقوات أمنية وعسكرية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وأقيمت نقاط تفتيش.
وأعلن مصدر في المجلس الانتقالي الجنوبي عن “وضع حراسات أمنية على كافة المرافق الحكومية منها البنك المركزي وميناء عدن”.
وانتشرت عربات عسكرية ترفع أعلاما جنوبية عند مداخل المدينة وأيضا في الشوارع الرئيسية، بحسب المصدر نفسه.
ورأى الباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية حسام ردمان أن المجلس الانتقالي الجنوبي كان مسؤولا فعليا عن الجانبين العسكري والأمني في عدن، مشيرا إلى أن “هذا الإعلان سيجعله مسؤولا عن الجانب الإداري والسلطوي في العاصمة المؤقتة والتي شهدت ترديا غير مسبوق في الآونة الأخيرة على المستوى الاقتصادي والخدماتي”.
وقال ردمان “بحسب نص بيان المجلس الانتقالي وتصريحات قياداته، فإن هذه الخطوة لا تمثل نسفا لاتفاق الرياض بل محاولة جريئة لتحريكه ودفعه إلى الأمام والضغط على الحكومة الشرعية والسعودية”.
وأضاف “في المحصلة، من يحدد طبيعة هذه الخطوة هو الجانب السعودي الذي يبدو حتى الآن أنه لا يريد للاتفاق أن ينهار مهما كانت الظروف” مشيرا إلى أن السعودية ستحاول “احتواء” هذه الخطوة.
وأرجع بيان المجلس الانتقالي الجديد الذي صدر في وقت متأخر من مساء السبت، إجراءاته التي وصفها مراقبون بالمحورية، إلى ما وصفه بالمؤامرات والدسائس التي تستهدف القضية الجنوبية وتسعى لزيادة المعاناة في المحافظات الجنوبية عبر سلسلة من المواقف التي رصدها البيان، ومنها عدم صرف رواتب وأجور منتسبي المؤسسة العسكرية والأمنية والمتقاعدين والمدنيين منذُ عدة أشهر، والتوقف عن دعم الجبهات المشتعلة بالسلاح والذخائر والغذاء ومتطلبات المعيشة، والتوقف كذلك عن رعاية أسر الشهداء وعلاج الجرحى.
واتهم البيان الشرعية بتأجيج الخلاف بين الأطياف الجنوبية ودعم الإرهاب وقوى التطرف، والتسبب في تردي الخدمات العامة وفي مقدمتها البنية التحتية للكهرباء والمياه والطرق. وقال البيان إن ذلك، إضافة إلى كارثة السيول الأخيرة، تم استخدامه “كسلاح لتركيع الجنوبيين”.
وعلل بيان الانتقالي لجوء المجلس إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات بما اعتبره “استمرار الصلف والتعنت للحكومة اليمنية في القيام بواجباتها”، وتسخيرها الموارد والممتلكات في الجنوب، لتمويل أنشطة الفساد وتحويلها إلى حسابات الفاسدين في الخارج، بالإضافة إلى تلكؤ الحكومة وتهربها من تنفيذ ما يتعلق بها من اتفاق الرياض.
ولم يخل بيان الانتقالي من انتقاد التحالف العربي الذي قال البيان إن موقفه اتسم بالصمت غير المفهوم، إزاء تصرفات الشرعية.
وتضمنت قائمة الإجراءات التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي إعلان حالة الطوارئ العامة في عدن وعموم محافظات الجنوب، وتكليف القوات العسكرية والأمنية الجنوبية بالتنفيذ اعتبارًا من تاريخ صدور البيان.
كما أعلن المجلس الشروع في الإدارة الذاتية للجنوب اعتبارًا من منتصف ليل السبت وإسناد هذه المهمة للجنة الإدارة الذاتية وفقًا للمهام المحددة لها من قبل رئاسة المجلس، داعيا جماهيره إلى “الالتفاف حول قيادتها السياسية ودعمها ومساندتها لتنفيذ إجراءات الإدارة الذاتية للجنوب”.
واشتملت إجراءات الانتقالي على قرار بتشكيل لجان رقابة على أداء المؤسسات والمرافق العامة ومكافحة الفساد بالهيئات المركزية والمحلية بالتنسيق بين رئيس الجمعية الوطنية ورؤساء القيادات المحلية للمجلس بالمحافظات في نطاق الاختصاص الجغرافي وبما يحقق إدارة ذاتية رشيدة، إضافة إلى تكليف لجان المجلس الانتقالي الاقتصادية والقانونية والعسكرية والأمنية، بتوجيه عمل الهيئات والمؤسسات والمرافق العامة لتنفيذ الإدارة الذاتية للجنوب كلٌّ في مجال اختصاصه وفق القوانين النافذة وبما لا يتعارض مع مصالح شعب الجنوب