أُزيح الستار لأول مرة، عن وقائع وأدلة صادمة ظلت طوال 12 عاما خافية، بشأن ملابسات حادثة "تفجير مسجد النهدين" بدار الرئاسة في العاصمة صنعاء، بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لوقوعها في اول جمعة من شهر رجب الموافقة الثالث من يونيو 2011م، تؤكد في مجملها أنها لم تكن حادثا جنائيا غايته اغتيال الرئيس الاسبق علي صالح عفاش، بل كانت "مسرحية" مدبرة من جانب نظام عفاش وأجهزته الامنية، التي يقودها افراد اسرته، جرى اخراجها بالتنسيق مع السعودية.
وكشف سياسيون يمنيون عن خفايا عدة اعترت "هالة الصدمة" التي صاحبت حادث تفجير مسجد النهدين داخل دار الرئاسة، لدى تأدية علي صالح عفاش ورؤساء مجالس الوزراء والنواب والشورى وعدد من قيادات نظامه صلاة الجمعة في المسجد، في اول جمعة من شهر رجب الموافق الثالث من شهر يونيو 2011م. كاشفين عن ملابسات عدة تطعن في الرواية الرسمية التي عممتها وسائل اعلام نظام عفاش في حينه، ومازالت ترددها كل عام واتهاماتها.
حسب الرواية الرسمية لنظام عفاش فإنه "تم تفجير مسجد النهدين بدار الرئاسة بواسطة كميات كبيرة من مواد شديدة الانفجار وضعت في محراب المسجد، وأدى التفجير إلى مقتل 14 شخصا من حراسة الرئيس وعشرات الجرحى وعلى رأسهم الرئيس ورئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني، ورئيس مجلس النواب يحيى الراعي، ورئيس الحكومة علي مجور ونائبه لشؤون الدفاع والأمن رشاد العليمي ونائبه للشؤون الداخلية صادق أبو راس وعدد من قيادات الدولة". لكن سياسيين اعادوا إلى الواجهة تفاصيل غابت حينها، ابرزها أن الموقف العام في البلاد كان قد بلغ ذروة الاحتقان شعبيا بجانب انقسام الجيش عسكريا والعاصمة امنيا، ووصول علي صالح عفاش إلى طريق مسدود، وانحصار الخيارات امامه بين اما الرحيل وتولي نائبه السلطة، أو تفجير حرب خاسرة بسبب الموقف الدولي والاقليمي الداعم للربيع العربي، وتصريح سيناتور امريكي مصور عن صدور قرار امريكي بالتخلي عن عفاش والقذافي ورميهما للكلاب، حسب وصفه".
مشيرين إلى أن "الاسبوع السابق للتفجير، سربت مواقع اخبارية تابعة للنظام ما سمته مخططا لاغتيال رئيس الجمهورية (علي صالح عفاش) في منصة ميدان السبعين لدى القائه كلمته الاسبوعية على جموع حشود حزبه الحاكم المؤيدة له وما يسمى الشرعية الدستورية، والمناهضة لثورة الشباب الشعبية السلمية، زاعمة القاء القبض على عدد من القناصة في المباني الشاهقة المطلة على المنصة، وأنهم ينتمون إلى حزب الاصلاح واللواء الركن -حينها- علي محسن صالح".
ولفتوا إلى "غياب نائب الرئيس حينها عبدربه منصور هادي وابناء علي صالح عفاش وابناء شقيقه عمار وطارق عفاش وغيرهم من قيادات مؤسسات الجهاز الامني السياسي والقومي للنظام، فضلا عن محدودية الضحايا 14 قتيلا وقرابة 25 جريحا، وتداول معلومات من مصادر امنية في رئاسة الجمهورية عن سماع اطلاق نار عقب التفجير، ما يعزز أن قائد حماية عفاش، الخطيب وجنوده أصيبوا في التفجير وجرى تصفيتهم رميا برصاص طارق عفاش لإعدام الادلة".
منوهين بأن "غياب ردود افعال قادة الجيش العائلي لعلي صالح عفاش، احمد علي وقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ويحيى صالح قوات الامن المركزي، لم يكن بسب توجيهات عفاش المزعومة وأنه قال لهم ولا طلقة، بزعم حقن الدماء وتجنيب اليمن الحرب، فقد سبق التفجير اشعال قوات عفاش حربا شعواء ومتوحشة ظلت مستمرة على حي الحصبة شمال العاصمة، ضد اسرة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر وموقفها المنحاز للشعب وثورته الشبابية السلمية".
وتوقف السياسيون أيضا عند "اسعاف عفاش الى السعودية تحديدا وليس غيرها كالاردن مثلا لفارق التفوق الطبي، رغم تصريحات النظام حينها بأنه لن يغادر البلاد وأن حالته الصحية مستقرة ولا تستدعي السفر، ومسارعة وسائل الاعلام السعودية إلى نشر تفاصيل كاملة لملابسات التفجير في المسجد ونوعية المواد المتفجرة المستخدمة وإنفرادها دون غيرها بهذه التفاصيل وحديثها عن صاروخ امريكي الصنع لاختراق الخرسانات وغير ذلك من المعلومات التفصيلية".
مشيرين في الوقت نفسه إلى "سرعة تشافي عفاش عقب وصوله السعودية من الاصابات الخطيرة والحروق الجسيمة من الدرجة الاولى التي ذكرها اعلام نظامه، وظهوره بخطاب متلفز من الرياض مرتديا ثوبا ابيضا يوم (7) يوليو، من دون اي اثار حروق جسيمة بادية، عدا تغير لون بشرته الى الاسود، والقائه الخطاب بصورة طبيعية ولوقت طويل نسبيا، في وقت يؤكد علم الطب وكبار الاطباء استحالة تعافي انسجة الجلد من الحروق الجسيمة خلال اقل من اربعة اشهر".
وذكروا بما سموه "التعافي الكامل خلال اقل من شهر ونصف، وظهور عفاش في 11 اغسطس متعافيا بالكامل ودون اي اثر لحروق على وجهه ويمشي على قدميه وهو يزور في احد مستشفيات الرياض مسؤولي نظامه الذين جرى اسعافهم معه ومنهم نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن وزير الإدارة المحلية الدكتور رشاد محمد العليمي ونائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية صادق أمين أبو راس، ما يؤكد ان الحروق كانت مساحيق تستخدم بصناعة الافلام".
لافتين إلى "تأخر الادارة الامريكية في إعلان موقفها من الحادث او التعليق عليه، حتى ظهور عفاش في الخطاب المتلفز، لتبدي اسفها وتدين اللجوء للعنف وتدعو لتسوية سياسية سلمية للازمة اليمنية، قبل ان توفد مساعد الرئيس الأمريكي لشئون مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي جون برينان الى الرياض للقاء عفاش عقب ثلاثة ايام على ظهوره الاول، وحديث عفاش عن استباب الامن في اليمن والسواحل اليمنية، في تهديد مبطن للملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب".
وتساءل السياسيون هنا عن "سر تحول الموقف الامريكي والاوروبي تجاه المبادرة التي ظل يطرحها عفاش لنقل السلطة (المبادرة الخليجية) 180 درجة، مِن رفض الرعاية والمشاركة شهودا على اتفاق يؤمن الحصانة لمتهم بانتهاكات لحقوق الانسان، الى الموافقة على المبادرة واعلان رعايتها والضغط على احزاب وقوى المعارضة اليمنية باتجاه توقيعها في الرياض والابقاء على حزب المؤتمر الشعبي العام، الحاكم حينها شريكا رئيسا في السلطة للمرحلة الانتقالية".
مؤكدين أن "هذه الملابسات والمعطيات، تقود إلى نتيجة واحدة من خيارين، إما أن الحادث كان من تدبير استخباراتي امريكي فشل في قتل عفاش وجرى احتواء نتائجه بفرض مبادرة تحفظ ماء وجه بنقل صوري للسلطة عبر استفتاء لمرشح وحيد توافقي وتؤمنه وأسرته واركان نظامه من المساءلة القانونية والملاحقة القضائية، وإما إن عفاش هو من دبر حادث التفجير واخرج المسرحية بتنسيق مع السعودية، للهدف نفسه، فرض مبادرته نفسها لنقل السلطة برؤيته ومطالبه".
وفي هذا السياق، سبق للرئيس الاسبق علي صالح عفاش، أن اعلن مرارا في لقاءات وحوارات معه تالية لنقل السلطة في فبراير 2012م، قائلا: نحن من صاغ المبادرة ودفعنا بها لمجلس التعاون الخليجي لتبنيها ويصبح اسمها المبادرة الخليجية لحل الازمة اليمنية وآليتها التنفيذية". وكذا اعلانه أنه هو من دفع ودعم نقل السلطة لنائبه الرئيس هادي"، ظنا منه أنه سيهيمن على قراراته ويستمر واركان نظامه العائلي في إدارة البلاد والسيطرة على مقدراتها وثرواتها.
يشار إلى أنه بدا لافتا صمت وتجاهل سفراء الدول العشر الراعية لمبادرة عفاش (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة) ومجلس الأمن الدولي عن قضية التفجير ومحاكمة المنفذين، وطي صفحتها كما لو لم تكن رغم ضجيج اعلام عفاش بشأنها طوال الفترة الانتقالية وحتى اليوم في ذكراها بالتقويمين الهجري (رجب) والميلادي (يونيو)، وتوجيه الاتهامات لقادة أحزاب المعارضة اليمنية وقادة الجيش الذين اعلنوا انحيازهم لثورة الشباب الشعبية السلمية ومساندتها وحمايتها.