أكدت مصادر سياسية يمنية خضوع الجانب الحكومي لمطالب مليشيات الحوثي الإرهابية، المدعومة من إيران، خلال مشاورات سلطنة عمان التي ترعاها الأمم المتحدة وتدعمها أطراف دولية وإقليمية، مشيرة إلى التصريحات الأخيرة لمسؤولين حكوميين بشأن الموافقة على أي مخرجات يتوصل إليها في مسقط.
وأوضحت المصادر أن تصريحات مجلس القيادة الرئاسي، عبر رئيسه العليمي، في الاجتماع الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، مع اللجنة السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، تكشف حجم التنازلات الجديدة التي يلتزم بها الجانب الحكومي لصالح المليشيات الحوثية.
دعم بلا مطالب
وأكد العليمي، خلال الاجتماع، التزام المجلس والحكومة بنهج السلام الشامل والعادل، ودعم كافة الجهود الرامية لتخفيف المعاناة الإنسانية الأسوأ في العالم، معربا عن تطلع المجلس والحكومة اليمنية أن تقود الجهود الجارية من قبل الأشقاء واأصدقاء، إلى استعادة العملية السياسية التي تضمن مشاركة جميع اليمنيين نساء ورجالا في السلطة والثروة، وبناء دولة المواطنة المتساوية، وسيادة القانون.
وأفادت المصادر بأن موافقة المجلس لأول مرة على عملية سياسية بمشاركة جميع اليمنيين في السلطة والثروة، وعدم ذكر المرجعيات الثلاث التي تشكل مرجعا لأي اتفاق سلام، يشير إلى تنازلات جديدة سيتم الكشف عنها في أي اعلان لاتفاق هدنة جديد، وهو ما تم الكشف عنه في تصريحات وزير خارجية حكومة معين عبدالملك.
وأكد وزير الخارجية أحمد بن مبارك، في نفس الاجتماع أن الحكومة اليمنية تنظر بإيجابية للجهود الإقليمية والدولية المنسقة مع الأمم المتحدة لإنهاء الحرب المستمرة لسنوات في البلاد، مشيرا إلى وجود "فرص وتحولات سياسية إيجابية قد تحدثها تلك الجهود".
وأشار الوزير إلى أهمية التركيز في خطة السلام على حل جذور وأسباب الصراع، بما في ذلك إنهاء انقلاب الحوثيين على الدولة ومعالجة آثاره الكارثية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا.
تصريحات العليمي وبن مبارك لم تتطرق إلى ما سيتم الالتزام به من قبل مليشيات الحوثي في أي اتفاق مرتقب، خاصة فيما يتعلق بموارد صرف المرتبات، وفتح الطرق بما فيها الطرق الرئيسية المؤدية إلى محافظة تعز المحاصرة منذ ثمان سنوات.
إشادة أمريكية
وكان المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركنج، خلال لقائه مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة عبدالله السعدي، الثلاثاء، أشاد بالتنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية، من أجل التخفيف من معاناة اليمنيين في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية، في إشارة إلى ما تم مناقشته خلال الفترة الماضية مع الحكومة اليمنية حول إنجاح مشاورات عمان.
وجددت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها جهود التوصل إلى تسوية سياسية للصراع في اليمن، تمسكها بخيار السلام وضبط النفس.
فتح ميناء الحديدة
سبق الإشادة الأمريكية لقاءات عقدها المبعوث الأمريكي وسفيرها في اليمن مع العديد من المسؤولين اليمنيين نتج عنها الضغط على الحكومة للسماح بتوسيع الملاحة في ميناء الحديدة، كبادرة حسن نية لتحقيق تقدم في مشاورات عمان، والتي تعد إحدى النقاط المطروحة على طاولة المحادثات.
وأشارت مصادر ملاحية يمنية إلى وجود تغاض من قبل الجهات الحكومية المعنية حول تحويل مسارها سفن تجارية من ميناء عدن إلى ميناء الحديدة، ودخول العديد من السلع دون تفتيش، ما أحدث ردود فعل ساخطة في الشارع اليمني والمكونات المختلفة.
حالة الغضب والسخط التي شهدها الشارع اليمني، دفعت حكومة عدن إلى محاولة التنصل عن ذلك، من خلال عقد اجتماع مشترك لوزارتي النقل والصناعة والتجارة في عدن، ليصدر عنه بيان مشترك، حول ما يدور من معلومات في الاوساط اليمنية المختلفة "عن دخول سفن إلى موانئ الحديدة بما فيها ميناء رأس عيسى، ورفع التفتيش عنها".
البيان وفقا لوكالة سبأ الرسمية، التابعة لحكومة عدن، حمل توعدات الوزارتين باتخاذ إجراءات رادعة بحق السفن التي تنتهك القرارات والإجراءات الحكومية، وكذا التجار ووكلاء الملاحة المخالفين لتلك القرارات والإجراءات.
ونبه البيان "التجار بأنه لا يوجد أي تعديل في إجراءات دخول البضائع إلى موانئ البلاد المختلفة بما في ذلك ميناء الحديدة، وأن الشائعات المنتشرة هي محض كذب ومحاولة للالتفاف على القانون وعلى الآليات المتفق عليها مع كل من الحكومة اليمنية الشرعية وقيادة تحالف دعم الشرعية والأمم المتحدة".
وحذر البيان من الانجرار وراء إشاعات الجماعة الحوثية الهادفة للتملص من الالتزام بتطبيق الإجراءات القانونية المعمول بها وتحت أي مبرر،، كون ذلك سيعرض المخالفين للعقوبات القانونية وصولاً إلى الإدراج بالقائمة السوداء.
انهيار منظومة
وسبق بيان النقل والتجارة، محاولة الحكومة الكشف عن حجم الخسائر التي تكبدتها من فقدان تصدير النفط جراء الهجمات الحوثية على شبوة وحضرموت، حيث تحدث معين عبدالملك رئيس الحكومة، خلال مشاركته في القمة العالمية للحكومات المنعقدة في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، عن انهيار المنظومة المالية والأمن والمؤسسات، جراء تلك الهجمات.
وطالب بدعم دولي للدولة كي تتمكن من التوصل إلى سلام، مشيرا إلى أن الاقتصاد تكبّد خسائر بنحو مليار دولار من جراء استهداف المليشيات لموانئ نفطية في حضرموت وشبوة، لافتا إلى أن "اليمن حاليا يمر بمرحلة صعبة ودقيقة نتيجة استمرار الحرب منذ ثماني سنوات، ومخزون قدرة اليمن على الصمود يُستنزف، حيث انكمش الاقتصاد الوطني إلى النصف، ومع الهجمات الإرهابية الحوثية الأخيرة على المنشآت والموانئ النفطية خسرت البلاد حوالي 800 مليون إلى مليار دولار، وذلك وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية.
تساؤلات مشروعة
تلك الخسائر التي تحدث عنها معين عبدالملك خلال ثلاثة أشهر من هجمات الحوثيين، تفتح الباب واسعا امام طرق تساؤلات مشروعة وجدية عن حجم الاموال التي كانت تحققها تلك الموانئ فقط منذ 2015، ولم كانت تورد ومن المستفيد منها.
وتحدثت منشورات عدة ليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، عن تلك الأموال النفطية اليمنية خلال 7 سنوات مضت، وكم المبالغ التي وردت والجهات التي استفادة منها، وقالت إن معين عبدالملك أقر بفساد حكومته والحكومات السابقة في هذا القطاع.
ووفقا لتصريحات معين في دبي، فإن اليمن ينتج حاليا 60 ألف برميل يوميا بعد أن كان قبل الحرب يتراوح ما بين 150 و200 ألف برميل يوميا، في حين كان يزيد الإنتاج على 450 ألف برميل يوميا في عام 2007 بحسب البيانات الرسمية.
ويعدّ قطاع النفط والغاز أهم مصدر لإيرادات الحكومة في اليمن. وتعتمد البلاد على صادرات النفط الخام في تمويل 70% من الموازنة.
وأشار عبد الملك إلى أن "إنقاذ اليمن وشعبه يتحقق عبر استمرار الدعم والحفاظ على مؤسسات الدولة، والمضي قدماً بجهود تحقيق سلام عادل لإنهاء الحرب المستمرة منذ 8 سنوات".
تنازلات لبناء الثقة
وكانت مصادر سياسة يمنية أشارت إلى بدء مرحلة بناء الثقة بين الأطراف اليمنية المتحاورة في سلطنة عمان برعاية الأمم المتحدة، ودعم المجتمع الدولي والإقليمي، من أجل التواصل لاتفاق تهدئة جديد، مشيرة إلى أن الجانب الحكومي وافق على توسيع الملاحة في ميناء الحديدة.
وأوضحت المصادر أن مشاورات مسقط، تحدثت عن فتح 6 خطوط ملاحة دولية باتجاه ميناء الحديدة، و6 خطوط ملاحة جوية من مطار صنعاء، وأن الايام المقبلة ستشهد تنفيذ ذلك كبادرة حسن نية من أجل التوصل إلى اتفاق هدنة موسعة، فيما لم يتم الحديث عن فتح طرق أو صرف مرتبات، وكلها بنود مطروحة في إطار ما يسمى "الملف الإنساني" الذي فرضته المليشيات على الوسطاء.
ما يتم تداوله من قبل الإعلام، خلال الايام القليلة الماضية، حول تنازلات بناء الثقة، لم تنفه أو تؤكده الحكومة اليمنية، لكن معالمه بدأت تتضح من خلال الحديث عن سفن الحديدة، وتصريحات مسؤولين دوليين.
المرحلة الانتقالية
وتحدثت مصادر يمنية حول العراقيل الفنية التي تقف أمام إعلان الهدنة الجديدة، والمتعلقة بملف المرتبات، ومنها الخلافات حول الوظائف التي تم اعتمادها خلال الفترة الانتقالية بين 2012 و2014، والبالغة أكثر من 85 الف وظيفة جلها ذهب لمكون حزب الإصلاح، في الجوانب العسكرية والمدنية.
كما تحدثت التفاصيل عن 25 ألف ترقية وقرار صدرت من مؤسسات الرئاسة والمؤسسة الحكومية المختلفة لعناصر تم إلحاقها بالوظيفة العامة حينها، وأخرى لعناصر كانت في الوظيفة، منها 8 آلاف قرار لصالح عناصر الإصلاح وجنوبيين، وأن المليشيات الحوثية تطالب بإسقاط تلك الأسماء والقرارات والترقيات، أو اعتماد أعداد مماثلة من عناصرها في الجانب المدني والعسكري.
يذكر أن الحكومة كانت قدمت تنازلات للمشروع الإيراني في اليمن من خلال الهدنة الأممية التي بدأت في 2 أبريل من العام 2022، والتي سمحت بعودة الملاحة من مطار صنعاء وفقا لجوازات حوثية، فضلا عن فتح ميناء الحديدة أمام سفن نفطية وتجارية، حققت عوائد مالية بلغت 142 مليار ريال يمني، كلها ذهبت لصالح الحوثيين، فيما تم وقف الغارات والعمليات القتالية، ما جعل المليشيات تعيد ترتيب صفوفها وقامت بعمليات حشد ونشر أسلحة هربت خلال فترة الهدنة من ايران، في جبهات استراتيجية بمحيط مأرب والساحل الغربي وتعز والضالع والجوف.
هدنة المكاسب
وخلال فترة الهدنة، لم تلتزم المليشيات بأي من بنود الاتفاقية السابقة، خاصة فيما يتعلق بفتح الطرق وعلى رأسها الطرق الرئيسية في تعز، وتنصلت عن ذلك أمام المجتمع الدولي، ورفضت تمديد الهدنة بحجج واهية، فيما تم إعادة التشاور والحوار معها وفقا لشروطها، المتمثلة بصرف المرتبات من عوائد النفط والغاز دون عوائد ميناء الحديدة ، وفتح ميناء الحديدة بالكامل، وفتح مطار صنعاء بالكامل، وإسقاط ملف الاسرى من المشاورات، وتجزئة عملية التفاوض إلى ملفات إنسانية وسياسية وعسكرية.
وخلال الهدنة السابقة، عمدت الميليشيات إلى قصف المنشآت الموانئ النفطية في شبوة وحضرموت، ومنعت أي ملاحة نفطية منهما، للضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة للحصول على عوائد نفطية لصالح عناصرها، وهددت بشكل علني وواضح باستخدام الأسلحة الإيرانية المتطورة في قصف الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي، فضلا عن استمرار تدفق الأسلحة الإيرانية اليها عبر المياه الدولية والمجاهرة بذلك من قبل النظام الإيراني، كل ذلك يعد مكاسب كبيرة للمليشيات تحت بند الهدنة الاممية والسلام الدائم، فيما لم يتم تحقيق أي مكسب واحد لصالح الشعب اليمني نتيجة خضوع وتنازلات الجانب الحكومي.