تراهن المليشيات الحوثية على إخضاع القبائل في البيضاء، وترى في ذلك، خطوة مهمة لإحكام القبضة على المحافظة التي طالما كانت ولاتزال مصدر قلق يهدد طموحاتها التوسعية، ومشروعها السلالي والطائفي.
وتظهر مؤشرات الاقتراب من حسم المراهنات الخائبة للمليشيا في المنطقة، من خلال التقدم ميدانيا لقوات الجيش الوطني والمقاومة التي تضم في صفوفها ابناء القبائل، في جبهة قانية، واحكام السيطرة النارية على مديرية الوهبية، آخر معاقل المليشيا، وبوابة الوصول الى مركز المحافظة "رداع"، بحسب ما قاله قائد محور البيضاء العميد الركن عبد الرب الأصبحي، امس الجمعة.
وقالت مصادر مطلعة في صنعاء، أن قيادة المليشيات الحوثية، توجهت برسائل الى قبائل طوق صنعاء، تطلب المزيد من المقاتلين دعما الجبهات دعما للجبهات.
واشارت المصادر الى أن الرسائل تركزت على جبهات البيضاء بصورة ملفتة، متضمنة تحذيرات من أن استعادة الشرعية للبيضاء، يمثل تهديدا "لصنعاء ومناطق الطوق".
وفسر مراقبون هذه التحركات، بأنها تنم عن شعور مؤكد بخسائر المليشيا في البيضاء، ومدى ما تواجهه من مقاومة عنيفة في المنطقة. وقال المراقبون: " يبدو أن المليشيا التي امعنت في استهدافها للمدنيين في مختلف قرى ومناطق البيضاء، صارت تواجه رفضا قبليا واسعا وغير مسبوق من مختلف القبائل في المحافظة، بما فيها القبائل التي حاولت المليشيا القيام بمبادرات صلح في ما بينها، وفي قضايا ثأر عالقة منذ عقود طويلة".
وتأتي تحركات قيادة المليشيا، باتجاه مستجدات الاوضاع في قرى ومديريات البيضاء، بهدف تفادي ما جرى الاعلان عنه من نفير ونكف قبلي في المحافظة، خاصة بعد التوصل الى صلح بين مشايخ ابرز قبائل المنطقة، (الطفة). عقب قيام عناصر المليشيات الحوثية قتل ابنة احمد الأصبحي، احد مواطني عزلة اصبح بمديرية الطفة خلال الايام الماضيه.
ويدعو النكف القبلي للقتال ضد المليشيات الحوثية وتحرير المحافظة من ظلم وجرائم المشرفين الحوثيين على خلفية تجاوزاتهم وجرائمهم.
وفي السياق، دعا الشيخ القبلي ياسر العواضي، مساء الأربعاء الماضي، القبائل إلى رفع الجاهزية والاستعداد لأي طارئ والجهوزية القبلية لمواجهة مليشيات الحوثي، بعد أن وصلت ممارسات عناصرها مرحلة لا يمكن تحمّلها. وجاءت دعوة الشيخ العواضي بعد فشل الوساطة القبلية في إنهاء التوتر المتصاعد بين القبائل والميليشيات الحوثية، في المديريات والمناطق الواقعة تحت سيطرتها في المنطقة، إثر تصاعد جرائم العيب الأسود بحق أبناء القبائل وتزايد الانتهاكات والممارسات المُهينة. وتعهد العواضي بقتال الحوثيين، داعيا من تبقى من "مشايخ البيضاء ورجالها من كل الأطراف للجهوزية العالية ابتداءً من مساء الأربعاء، مؤكداً أن ما حدث لأحد نساء البيضاء (بنت الأصبحي) من قبل أحد المشرفين الحوثيين يمثل انتهاك للعرض والشرف، وسيحدث مع بقية نساء قبائل البيضاء". وشدد على الاستعداد الكامل من جانب قبائل البيضاء، وعدم الركون للوساطة والمهلة التي تم تحديدها امام المليشيات بثلاثة أيام". مشيراً إلى أن قادة ومشرفي المليشيات الحوثية معروف عنهم الغدر".
وقال الشيخ العواضي في بيان له "إن مشرفي المليشيات في محافظة البيضاء قد بغوا وهتكوا الأعراض واغتصبوا الأرض وأهانوا أهلها، وهدموا بيوتهم". وقدم في بيانه سردا سريعا تضمن آخر جرائم الميليشيا بحق أبناء وقبائل محافظة البيضاء قائلا "آخر جريمة ارتكبها مشرفو الحوثي، جريمة هجم الدمن وهتك العرض في الطفة، وقتل بنت الأصبحي في هذا الشهر المبارك والحرام في رابعة النهار، جريمة يندى لها الجبين، ووصمة عار في جباه فأعلينها، ووصمة عار في جبيننا جميعا وإن سكتنا فلا بارك الله فينا".
لكن، ومع ما يظهر من تماسك في الموقف القبلي لأكبر وابرز القبائل، في وسط اليمن، والمعروف عنهم بالبأس والقوة والحسم، يتطلع مراقبون الى تفويت الفرص امام المليشيات الحوثية التي تعمل على استغلال قضايا الثأر العالقة بين عدد من القبائل الكبيرة والمؤثرة، ومنها قبيلتي اصبح واسرة العبدلي.
و يستغل الحوثيون، الثأرات التي بين القبائل الموالية لها والمقاومة لتواجدها، مستهدفة من ذلك، اضعاف وحدة للقبائل في البيضاء، وتفكيك ما يدعم تماسك مواقفها ويعزز ولاءاتها لكل ما هو وطني، ثم تجريدها من عناصر القوة التي تخشاها للمليشيات. ويقول سياسيون: " لطالما شكلت قبائل البيضاء اليمنية هاجسا تأريخيا للأنظمة الإمامية ذات النزعة الطائفية المتجسدة نسختها الحديثة في مليشيات الحوثي التي تشكل امتدادا للنزعة الطائفية المتصلة بالمشروع الإيراني". مؤكدين على انه "من شأن أي اندلاع للمواجهات بين قبائل البيضاء ومليشيات الحوثي، أن يشكل تحولا كبيرا وشاملا في المعادلة العسكرية على مستوى المعركة الكلية ضد المليشيا في عموم الجبهات العسكرية، نظرا للشراسة القتالية التي تتسم بها قبائل البيضاء وصلابتها الجغرافية، إضافة إلى أن المحافظة تشكل بوابة للعاصمة صنعاء وذمار وإب".
ومع التحشيد الذي تحاوله قيادة المليشيات لخوض معركة فاصلة وحاسمة في البيضاء، فإن القبائل هناك بما تتوافر عليه من تماسك حتى الان، قادرة على تكرار دروس مقاومتها للإمامة ومناهضة مشروعها السلالي والطائفي، غير أن الخشية في الاصغاء مجددا لدعوات التهدئة التي ستبدد حماسات القبائل، وتفتح الشهية للإغراءات المبذولة في سبيل توسيع الصدع وتجذير الخلافات.