من يشاهد التعليقات حول الاتفاق السعودي الإيراني خاصة محللين جدد يستغرب تماما من وعيهم وما يقررونه بنتائج يقينية..
إيران دولة ذات قومية تاريخية يطمح نظامها الراهن باستعادة حضور سياسي كان لدولتهم في زمن غابر، وهذا الوعي لدى نظام ولاية الفقيه كما هو عند الشاه سابقا الذي كان يطمح لإعادة امبراطورية سابقة، ومن ثم فالاتفاق مفيد مرحليا في بعده الأول من خلال تخفيض الضغط الدولي عليها وتجنيب بلادها عقوبات أو تدخلات خارجية تعرقل أو تضعف المسار المتصاعد في بناء مشروعها النووي، فهذا الأخير إن تحقق يشكل مصدر قوة كبيرة معها تتفوق إيران على جيرانها.. ثم أن الاتفاق لا يكلف إيران سوى إشارة صغيرة لحلفائها لتهدئة المناورات وما يرتبط بذلك من تهدئة الحملات الإعلامية بين البلدين..
إيران تدفعها أمريكا إلى الحافة من خلال عقوبات متعددة، تأخير أو تأجيل الحوار حول الاتفاق النووي سيضخم مخاوف الآخرين من إيران، والسعودية تحتاج إلى استقرار أمني في حدودها ومنع المسيرات نهائيا من سمائها، حيث أن اهتمامها ينصب نحو أولويات كثيرة اقتصاديا وسياسيا وتعزيز مشروع التغيير الذي يقوده الأمير ولي العهد وهو مشروع ايجابي بصورته العامة..
ثم أن الدول عامة تقيم علاقات مع بعضها ليس للصداقة والتحالفات فقط، بل لتخفيف التوتر والمواجهات بينها والبحث عن نقاط مشتركة.. أما عن الملف اليمني في الاتفاق وقد كتبت سابقا، لايجب أن يرتفع سقف التفاؤل تجاه متغيرات ايجابية، فهذه الأخيرة يصنعها واقع ميداني وحزمة الأوراق السياسية التي يجب استخدامها.. ناهيك عن ضغوط خارجية كبيرة متلازمة بين المستوى الدولي والإقليمي، وهذا غير متاح حاليا على الأقل، وهناك ملف لبنان وهو يرنو إلى انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة هنا يمكن للتفاهم السعودي الإيراني أن يشكل انفراجا ملموسا اضافة إلى الدور الفرنسي والأمريكي..
التنافس بين إيران والسعودية لا يقل عن التنافس بين إيران وتركيا في الحضور السياسي داخل منطقة الشرق الأوسط، وأتمنى أن يكون للسعودية رؤية استراتيجية في هذا المجال ليكون حضورها الإقليمي مواز للدور الإيراني والتركي إن لم يكن أعلى قليلا منها، وبشكل مماثل هذا الاتفاق يظهر التنافس الأمريكي الصيني وقدرة الأخيرة في اختراق منطقة كانت تعتبرها أمريكا مجال حضورها الأساسي، وهنا أظهرت الصين فاعلية في لعبة الجيو استراتيجي وامتلاكها أوراق سياسية هامة جعلت البيت الأبيض يلف حول نفسه ولايزال يلف ويفكر في رد قوي متوقع يكون في بحر الصين الجنوبي..
الدور السعودي يحتاج دعم عربي واسع كي تستفيد من الاتفاق دون أن تسلم أوراقها الإقليمية مجانا.. في الأخير على الحكومة اليمنية أن تستوعب المتغيرات الإقليمية والأدوار التنافسية بين محاور إقليمية وأخرى دولية وأن تستفيد من ذلك سياسيا واقتصاديا وتعزيز مشروع بناء الدولة والاستقرار والتنمية..!