ابلغ سفير المملكة العربية السعودية لدى اليمن، محمد آل جابر، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد محمد العليمي، بقرار صادم للمملكة، حيال ترتيبات التسوية السياسية للحرب في اليمن وانهاء الاخيرة واحلال السلام، وأنها ترتكز على ترتيبات خاصة بجنوب اليمن، تتضمن حكما مستقلا أو انفصالا بدولة مستقلة.
جاء هذا لدى لقاء الرئيس العليمي في العاصمة المؤقتة عدن، مع السفير السعودي آل جابر والوفد السعودي المرافق له والمعني بالمفاوضات مع جماعة الحوثي، اليوم الثلاثاء، وعقب 24 ساعة على اعلان "المجلس الانتقالي" انفصال جنوب اليمن في ما سماه "الدولة الجنوبية الفيدرالية" و"الاصطفاف الجنوبي ضد الاحتلال اليمني".
وذكرت وكالة الانباء اليمنية (سبأ) أن السفير السعودي في اللقاء الذي جرى في قصر معاشيق الرئاسي وحضره عيدروس الزُبيدي "نقل له ولاعضاء المجلس تحيات اخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز".
موضحة أن "اللقاء ناقش جهود الوساطة السعودية لتجديد الهدنة، وتخفيف المعاناة الانسانية، ووقف إطلاق النار، وفرص التوصل الى حل سياسي شامل في اليمن برعاية الامم المتحدة، وتطرق الى الوضع على الساحة اليمنية، والاصلاحات الاقتصادية والخدمية التي يقودها مجلس القيادة والحكومة بدعم من التحالف".
لكن مصادر رئاسية، أوضحت أن اللقاء شهد ايضا تعبير السفير السعودي محمد سعيد آل جابر، عن مباركة المملكة العربية السعودية ما وصفه "توحيد صف المكونات الجنوبية"، وتأييدها الضمني ما ورد في الاعلان الصادر ضمن البيان الختامي للقاء "الانتقالي" الذي زعم أنه "للمكونات الجنوبية" رغم مقاطعة معظمها له.
وصدم رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد محمد العليمي، ملايين اليمنيين بموقف غير متوقع، خيب آمالا كبيرة واثار مخاوف اكبر، لدى معظم اليمنيين في داخل البلاد وخارجها، لكونه يعلن موافقته على اجراءات "المجلس الانتقالي" التابع للامارات، واعلانه الاثنين انفصال جنوب اليمن بما وصفه "الدولة الجنوبية الفيدرالية".
جاء هذا بالتزام الرئيس رشاد العليمي الصمت حيال اعلان البيان الختامي للقاء "الانتقالي" الذي زعم انه "تشاوري للمكونات الجنوبية" رغم اعلان معظمها وابرزها مقاطعتها له، ما سماه "الدولة الجنوبية الفيدرالية" وإقرار وثيقة أسس بنائها، وانضمام البحسني والمحرمي عضوي مجلس القيادة الرئاسي الى المجلس الانتقالي نائبين للزُبيدي.
وأثار هذا الموقف غير المتوقع من الرئيس العليمي، حفيظة السياسيين اليمنيين والمراقبين للشأن اليمني، وموجة استياء واسعة على منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، معتبرين في تناولاتهم التصعيد الجديد من جانب "الانتقالي" وصمت الرئيس العليمي "تأكيدا على موافقة رئيس مجلس القيادة الرئاسي والتحالف على انفصال الجنوب".
تصدر للتعبير عن هذا الاستياء والاستنكار، وزير الاعلام وسفير اليمن لدى الاردن سابقا، السفير علي العمراني، بتوجيه انتقاد مباشر لمجلس القيادة الرئاسي، متهما رئيس وأعضاء المجلس بدعم وتمويل الانفصاليين والتواطؤ معهم، وإعلانهم مساء الاثنين من العاصمة المؤقتة عدن "اقرار وثيقة اسس بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية".
وقال السفير العمراني، في تغريدة على منصة التدوين المصغر "تويتر"، الثلاثاء: "الخطر على اليمن ليس كبيراً الا بقدر تخاذل وصمت من يعنيهم أمر الدفاع عنه، وأولهم مجلس الرئاسة، ورئيسه؛ تعقد بجوارهم في عدن؛ اللقاءات والمشاورات التي تعلن عزمها ونيتها في تقسيم اليمن؛ ومن يعنيهم الأمر من القادة صامتون".
مضيفا: "وكأن الأمر لا يخصهم، وخارج إطار مسؤولياتهم، وكأنه يحدث في بلد آخر بعيد!. بل كأن دورهم مقتصر على دعم وتمويل نشاط الإنفصاليين وجيوشهم؛ وفعالياتهم، وأهدافهم. الدعم والتمويل الذي يقدم للإنفصاليين من خرينة الدولة خيانة؛ أما الدعم والتمويل الذي يقدم لهم من الخارج فهو عدوان صارخ على اليمن؛ لا يجوز الصمت تجاهه أبداً".
يأتي هذا بعدما استدعى اعلان "المجلس الانتقالي" التابع للامارات، مساء الاثنين، وباسم ما سماها "المكونات الجنوبية" انفصال جنوب اليمن بدولة جنوبية فيدرالية، والاصطفاف الجنوبي ضد ما وصفه "الاحتلال اليمني"، استحضار ناشطين كلمة قوية للرئيس عبدربه منصور هادي تحدث فيها عن المتاجرين بالقضية الجنوبية، ودعاة التجزئة والانفصال، من الجنوبيين.
جاءت كلمة هادي ردا على انسحاب رئيس مكون الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار الوطني المنعقد بصنعاء (2013-2014م)، محمد علي احمد، رئيس ما يسمى الان "مؤتمر شعب الجنوب"، والداعي إلى انفصال جنوب البلاد، بغطاء قيام دولة اتحادية من اقليمين شمالي وجنوبي لمدة عشر سنوات، ثم اجراء استفتاء لتقرير مصير الجنوب، في الاستمرار في الدولة الاتحادية أو اعلان الانفصال عنها بدولة مستقلة.
وشهد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، مشاركة 565 عضوا مناصفة بين الشمال والجنوب، توزعوا على 8 فرق رئيسة لابرز قضايا مؤتمر الحوار، وفي مقدمها القضية الجنوبية، وصدرت توصيات بحلول لمعالجتها وجبر الضرر عن حرب صيف العام 1994م، بلغ عددها 31 توصية، بينها اعادة الموظفين الجنوبيين المبعدين عن وظائفهم وتعويض من فقدوا اراضيهم في الجنوب، وانشاء صندوق حكومي لمعالجات اثار حرب 1994م.
مع ذلك ظلت عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية الجنوبية، التي اقامت خارج اليمن، تصر بدعم مالي خارجي، وبخاصة من الامارات، على طرح مطالب انفصال جنوب البلاد، قبل أن تمول الامارات انشاء ما يزيد عن 50 لواء عسكريا وتجهيزه بالاسلحة، ليكون ادارة فرض انفصال جنوب اليمن، بدولة تابعة لأبوظبي ومكرسة لخدمة اجندة اطماع الامارات في الهيمنة على خطوط الملاحة الدولية فضلا عن نهب ثروات اليمن.
وأعلن عضوان جنوبيان بمجلس القيادة الرئاسي، من اصل اربعة، حتى الان، هما عبدالرحمن المحرمي (ابو زرعة) قائد قوات "العمالقة الجنوبية" الممولة من الامارات، واللواء فرج سالمين البحسني، محافظ حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الاولى، سابقا، تأييدهما اعلان "الانتقالي" الصادر مساء الاثنين في البيان الختامي للقائه التشاوري، انفصال جنوب اليمن بدولة جنوبية فيدرالية، قبل انضمامهما للمجلس وتعيينهما نائبا للزُبيدي.
جاء هذا عقب ساعات على إعلان "المجلس الانتقالي"، باسم من سماها "المكونات الجنوبية"، انفصال جنوب البلاد في ما سماه "الدولة الجنوبية الفيدرالية" و"الاصطفاف الجنوبي" ضد ما وصفه "الاحتلال اليمني"، رغم إعلان معظم هذه المكونات مقاطعة الحوار، داعيا "الدول العربية الشقيقة والمجتمعين الإقليمي والدولي الى احترام تطلعات شعب الجنوب وحقّه في نيل حريته واستقلاله واستعادة دولته الجنوبية المستقلة". حسب تعبيره.
وأكدت مخرجات حوار "الانتقالي" مع نفسه، ما ذهب اليه مراقبون للشأن اليمني في أنه تفوق على نظام الرئيس الاسبق علي صالح عفاش، في اعمال نهج الاخير وكلوساته لإنشاء المؤتمر الشعبي". وأن "الانتقالي في مساعيه لتنصيب نفسه ممثلا وحاكما وحيدا لجنوب اليمن، يطبق حرفيا نهج عفاش في الاستحواذ على القرار والسلطة واحتواء ثم اقصاء منافسيه ومعارضيه، عبر شق صفوف المكونات الجنوبية ودعم كيانات منشقة عنها".
سعى "المجلس الانتقالي" من تنظيم "لقائه التشاوري" في عدن، إلى فرض "ميثاق جنوبي" و"رؤية جنوبية" كان صاغها ما يسمى "فريق الحوار الجنوبي" داخل المجلس الانتقالي، واضفاء طابع شرعي شكلي على الميثاق والرؤية التي سيصدرها عن اللقا، تثبت تقديم نفسه منذ انشائه بتمويل اماراتي في العام 2017م، الممثل الوحيد لجنوب البلاد والحاكم السياسي والعسكري له، وهو ما حدث باعلانه ادماج مكوني الحراك الثوري والحراك الجنوبي.
وبدأت المليشيا الانقلابية والمتمردة، التابعة لما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الممول من الامارات، فور إعلان البيان الختامي للقاء "الانتقالي" التشاوري الذي زعم انه مع "المكونات الجنوبية" رغم اعلان معظم وأبرز هذه المكونات مقاطعتها له؛ أول اجراءات تنفيذ اعلان انفصال جنوب اليمن الصادر في البيان الختامي لهذا اللقاء وإقرار مضامين ما سماه "الميثاق الجنوبي" و"وثيقة "اسس الدولة الجنوبية الفيدرالية". حسب تعبيره.
وكان عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء الركن فرج سالمين البحسني، وقبل انضمامه إلى "المجلس الانتقالي"؛ أعلن باسم مجلس القيادة الرئاسي، أول رد فعلي ورسمي على عقد "المجلس الانتقالي الجنوبي" التابع للامارات ما سماه "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية" رغم اعلان معظم هذه المكونات وأكبرها وأبرزها على الساحة، مقاطعة اللقاء "رفضا لهيمنة الانتقالي وسعيه لفرض وصايته على الجنوب بقوة السلاح والمليشيات".
كما سجلت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، أول تعليق رسمي لها، على "اللقاء التشاوري" الذي اطلقه الخميس "المجلس الانتقالي" في العاصمة المؤقتة عدن، رغم اعلان معظم وأكبر المكونات الجنوبية، الفاعلة، مقاطعته رفضا "لهيمنة الانتقالي ووصايته"؛ وكشفت اهداف "اللقاء" وتكلفة تنظيمه، وكذا جهة تمويله. مؤكدة أن اللقاء يسعى إلى اصباغ صفة شرعية مزيفة على مساعي "الانتقالي" وتوجهاته بشأن جنوب البلاد بدعم اماراتي.
وأعلن 25 مكونا جنوبيا، سياسيا ومدنيا وقبليا، رسميا، مقاطعة حوار "المجلس الانتقالي" التابع للامارات، واتفقت في رفض "ادعاء الانتقالي تمثيل الجنوب" وفي اعتبار حواره "حوارا مع اعضاء المجلس الانتقالي لتنصيب نفسه وصيا على الجنوب بقوة السلاح والمليشيا". حسب ما رصده "العربي نيوز" وأكده المتحدث الرسمي باسم "المجلس الثوري الاعلى للحراك الثوري الجنوبي".
ووضعت المكونات السياسية والمدنية والمجتمعية لجنوب البلاد، "المجلس الانتقالي" التابع للامارات، في موقف محرج جدا، بإعلان معظم هذه المكونات رفضها تلبية دعوته إلى المشاركة في حواره أو ما سماه "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية"، وحدد موعدا لانعقاده يجسد هيمنته باختياره يوم ذكرى زعم "تفويضه الشعبي"، مرجعة مقاطعتها إلى "رفض وصاية الانتقالي على الجنوب".
وكشفت صور ومقاطع فيديو، خاصة، من داخل قاعة ما سمي "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية" المنعقد الخميس في العاصمة المؤقتة عدن؛ مشاهد مخزية احرجت "المجلس الانتقالي الجنوبي" التابع للامارات، أظهرت حقيقة تضاؤل حجم "الانتقالي" والقبول الشعبي له في جنوب البلاد، ورفض الجنوب له وهيمنته لولا ترسانة مليشياته المسلحة، الممولة من التحالف وبخاصة الامارات.
في المقابل، أعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي" استغناءه عن مكونات الجنوب الرافضة المشاركة في حواره، وأكد في وقت سابق لبدء انعقاد حواره الخميس، مضيه في ما سماه "الحوار الجنوبي" وعقد "اللقاء التشاوري للمكونات الجنوبية" مستخدما حيلة اقصائية حاذقة، للتحايل على إعلان معظم هذه المكونات مقاطعتها الحوار، لأسباب عزتها إلى "رفض الالحاق والضم والالتفاف على حق المشاركة والندية".
يشار إلى أن "المجلس الانتقالي" ينتهج نهجا شموليا مستبدا بالقرار، على غرار نهج الحزب الاشتراكي اليمني، إبان حكمه لجنوب اليمن، ويعمد إلى قمع كل المعارضين وتصفية المنافسين عبر دمجهم وتذويب كياناتهم دون اشراكهم بالسلطة والقرار، أو عبر الاعتقالات والاغتيالات الدموية التي شهدها الجنوب منذ إنشاء الامارات "المجلس الانتقالي" في جنوب اليمن.