اتخذت جمهورية مصر العربية قرارا هاما وشجاعا بشأن اليمن، ابهج عشرات اليمنيين في الداخل والخارج على حد سواء، على اختلاف مساقط رؤوسهم ومحافظاتهم وتوجهاتهم السياسية والفكرية، لكون القرار جدد تاكيد دعم مصر صون وحدة اليمن وسيادته وامنه واستقراره، وانهاء الحرب واحلال السلام.
جاء هذا برفض الوفد العسكري المصري الذي يزور اليمن منذ ايام، رفع رايات علم الانفصال الشطري الذي يرفعه "المجلس الانتقالي الجنوبي"، لدى لقائه مع رئيس "المجلس الانتقالي"، عيدروس الزبيدي، حسب ما اظهرت الصور التي نشرها الموقع الالكتروني للمجلس ووسائل الاعلام المحلية.
وذكرت مصادر سياسية مطلعة إن الوفد العسكري المصري رفض رفع علم التشطير خلال لقائه عيدروس الزبيدي رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيا، في العاصمة المؤقتة عدن، واشترط ان يكون اللقاء بصفة الزُبيدي الحكومية، عضوا بمجلس القيادة الرئاسي اليمني.
حسب الموقع الالكتروني للمجلس الانتقالي، فإن الزُبيدي التقى بالوفد العسكري المصري، ومعه وزير الدفاع في الحكومية اليمنية المعترف بها دوليا، الفريق الركن محسن الداعري، وبحث اللقاء "سُبل التنسيق والتعاون المشترك بين اليمن وجمهورية مصر العربية، في عدد من الجوانب العسكرية".
موضحا أن اللقاء الذي عقد بمكتب الزُبيدي في عدن، بحث التعاون اليمني المصري في مجالات عسكرية عدة "أهمها التأمين الفني، وإعادة تأهيل ورش الصيانة التابعة لوزارة الدفاع، وجانب التدريب والتأهيل للأفراد والضباط، وما يمكن أن تقدمه القوات المسلحة المصرية لليمن في هذا الجانب".
ولفت الموقع الالكتروني للمجلس الانتقالي إلى أن "اللقاء تطرق إلى الدور الذي تضطلع به مصر ضمن التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ودور القوات البحرية المصرية ضمن القوات الدولية المشتركة لتأمين باب المندب وخليج عدن، لحماية أمن وسلامة المياه الإقليمية والدولية وخطوط الملاحة الدولية".
يأتي هذا الموقف المصري، عقب كشف رئاسة الجمهورية المصرية عن حقيقة وضع المجلس والحكومة الشرعية اليمنية في العاصمة المؤقتة عدن، وأنهما تخضعان للأسر من جانب "المجلس الانتقالي" التابع للامارات ومليشياته المسيطرة على عدن منذ انقلابها في اغسطس 2019م بدعم واسناد الطيران الحربي الاماراتي.
وصرح متحدث الرئاسة المصرية، أن السيسي أكد للعليمي "قوة العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين الشقيقين والموقف المصري الثابت ازاء دعم وحدة وسيادة الدولة اليمنية وسلامة مؤسساتها الوطنية وتشجيع كافة الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي شامل ومستدام بما يحافظ على وحدة البلاد وتماسك مؤسساتها الشرعية".
لكن هذا التصريح الذي نشرته وسائل الاعلام المصرية، وكانت وكالة الانباء اليمنية الحكومية (سبأ) نشرته حرفيا، سرعان ما جرى تحريفه واستبدال نصه بصيغة اخرى محرفة على موقع وكالة "سبأ" وتبعا في جميع القنوات التلفزيونية والاذاعات والصحف والمواقع الاخبارية وصفحات التواصل اليمنية التابعة للحكومة الشرعية.
وأجبر "المجلس الانتقالي الجنوبي" رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي والحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، ووكالة الانباء اليمنية (سبأ) الناطقة باسمهما، والخاضع مبنها في عدن لسيطرة مليشيا "الانتقالي" وما يسمى "هيئة الاعلام الجنوبي"، على حذف ما يتعلق بدعم مصر وحدة اليمن، وتحريف النص.
جرى تحريف فقرة السيسي في خبر وكالة "سبأ" والاعلام الحكومي لتكون: "من جانبه اكد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، متانة العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وموقف مصر الثابت الى جانب اليمن وشعبه، وقيادته السياسية ومؤسساته الشرعية، وكافة الجهود الرامية لاستعادة الامن والاستقرار والسلام في البلاد".
وغاب عن المجلس الانتقالي" ومليشياته وهيئاته أن ارغام وكالة الانباء الحكومية (سبأ) على تحريف الخبر واخضاع اخبارها لرقابة هيئته الاعلامية، لا يلغي الموقف المصري الرسمي الثابت في دعم وحدة اليمن وسيادة اراضيه واستعادة دولته، ولا يحجب هذا الموقف، الذي عممه المركز الاعلامي لرئاسة الجمهورية المصرية.
لكن المثير لدهشة وقلق المراقبين للشأن اليمني في الداخل والخارج، أن تحريف موقف مصر وتفاصيل اللقاء الرسمي، لم يقتصر على خبر وكالة الانباء اليمنية الحكومية (سبأ) ووسائل الاعلام اليمنية الحكومية المقروءة والمسموعة والمرئية، بل امتد إلى الحسابات الرسمية لكل من رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئاسة الوزراء.
واعتبر مراقبون وسياسيون، أن هذا الخضوع الكامل من جانب مجلس القيادة الرئاسي ومكتب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وباقي مؤسسات الدولة، لهيمنة "المجلس الانتقالي"، وبخاصة في "حذف كل ما يأتي على ذكر الجمهورية اليمنية ووحدة اليمن وحظر رفع علمها، يؤكد أن السلطة اليمنية الشرعية اسيرة مليشيات الانتقالي".
يتزامن هذا الكشف الصادم لعشرات الملايين من اليمنيين، مع اتهامات وجهها وزير الاعلام وسفير اليمن لدى الاردن سابقا، على أحمد العمراني، لقيادات الدولة بما فيهم رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بالخيانة العظمى، لتحاشيهم الحديث عن وحدة اليمن والجمهورية اليمنية، وتبني دعاوى "الانتقالي" الانفصالية.
يُعد تصعيد رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" عيدروس الزُبيدي الجديد لخطاب الانفصال في كلمتيه بمناسبتي ذكرى تحرير عدن وعيد الفطر، بنظر مراقبين تحديا جديدا لعزم السعودية على انهاء تمرد "الانتقالي" واعاقته عمل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة منذ انقلابه ومليشياته على الشرعية في اغسطس 2019م بدعم واسناد عسكري اماراتي ضد قوات الجيش الوطني.
ويصر "المجلس الانتقالي" بدعم مباشر من الامارات، عبر مليشياته على فرض انفصال جنوب البلاد تحت مسمى "استعادة دولة الجنوب" لتكون تابعة لأبوظبي وأجندة اطماعها في موقع اليمن وثرواته، وسواحله وموانئه وجزره الاستراتيجية، وبسط هيمنتها على الملاحة الدولية عبر البحرين الاحمر والعربي مرورا بخليج عدن وباب المندب.
يشار إلى أن تمرد "الانتقالي" المستمر على الشرعية اليمنية، ورفضه دمج مليشياته بقوات الامن والجيش، تسبب في تدهور الاوضاع الاقتصادية والخدمية والمعيشية في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة، واستمرار انفلات امني تصاعدت معه جرائم الاعتداءات على الممتلكات الخاصة والعامة والاغتيالات دون ضبط الجناة.