عدن

كيف يفترض أن تؤثر وحدة الجنوب على الشمال؟

قبل سنة 1 | الأخبار | اخبار الوطن

ما زال زخم اللقاء التشاوري الذي انعقد في عدن (4-8 مايو 2023) للقوى والمكونات السياسية الجنوبية، يدفع بالمزيد من المستجدات السياسية على امتداد الجغرافيا اليمنية، بما في ذلك ردود الأفعال على مخرجات اللقاء التشاوري/ مؤتمر الحوار الوطني الجنوبي.

 

ما حدث في حوار عدن للقوى الجنوبية بعث الأمل في إمكانية عودة اليمنيين إلى السلوك الوحدوي بناءً على مبادئ: الحوار، التصالح والتسامح، وإعطاء الأولوية للمستقبل أكثر من الحاضر المتشظي الذي يتطلب تقديم تنازلات شجاعة، وفي الوقت نفسه، التسامي على آلام الماضي.

 

بعد أيام قليلة من اختتام فعاليات الحوار الجنوبي، شهد المجلس الانتقالي- صاحب المبادرة في هذا الحوار، تغييرات في هيكله الإداري على المستوى القيادي بتعيين نائبين لرئيس المجلس وكلاهما عضو في مجلس القيادة الرئاسي المخول بإدارة شؤون الجمهورية اليمنية منذ 7 أبريل 2022. بهذه التغييرات أصبح المجلس الانتقالي يضم ثلاثة من الأعضاء الأربعة الذين يمثلون الجنوب في مجلس القيادة الرئاسي: عيدروس الزبيدي، عبدالرحمن المحرمي وفرج البحسني، فكيف سيؤثر ذلك على أداء المجلس الرئاسي الذي رعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نقل صلاحيات رئاسة الدولة اليمنية إليه، في خطوة هدفت في الأساس إلى توحيد الأطراف الوطنية المناهضة لجماعة الحوثيين من أجل كسر شوكتها وفصلها عن إيران، ومن ثم إجبارها على القبول بالشراكة الوطنية في السلطة ووقف اعتداءاتها على الداخل اليمني ودول الجوار؟

 

 

غالباً ما تضمنت تقارير المنظمات الدولية المختصة بالشأن اليمني، توصيات للمجتمع الدولي والإقليمي بالعمل على تقوية مجلس القيادة الرئاسي، سواءً من حيث الموارد الاقتصادية التي تمكنه من إدارة البلاد، أو من حيث تقريب وجهات النظر بين أعضائه في أي قضايا خلافية أو تباين في التقديرات. لكن السمة الغالبة على أداء مجلس القيادة الرئاسي منذ عام مضى، تدل على افتقاره للحيوية السياسية في حلحلة القضايا التي تعني بالنسبة للأطراف المحلية مسألة مصير، لكنها في الوقت نفسه ليست ذات أولوية بالنسبة للدول المنخرطة في النزاع والراعية لجهود التسوية السياسية. فالعنوان العريض لاهتمام دول الإقليم كان في بداية الحرب يتمثل في دعم حلفائها في القتال الذي بدأته جماعة الحوثي بإسقاط معسكرات الجيش وصولاً إلى إسقاط العاصمة صنعاء والانقلاب على السلطة بقوة السلاح. قادت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة التحالف العربي لدعم الشرعية، ودعمت إيران وأذرعها في المنطقة العربية مليشيا الحوثي. واليوم يتمثل العنوان العريض لدول التحالف العربي بإنهاء الحرب وتجاريها في ذلك إيران على مستوى التصريحات المعلنة، لكن إيران لا تزال تدعم الحوثيين بالسلاح والتدريب والتصنيع الحربي، بينما تحاول دول التحالف العربي كبح جماح حلفائها من القوى الوطنية لأسباب قد لا تكون مقنعة أحياناً.

 

الدعم الإيراني المتنوع لمليشيا الحوثي مكّنها من بناء موقف دولي وإقليمي متعاطف معها، وفي الداخل مكّنها من بناء ترسانة من الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة التي لا تتردد في إطلاقها على خصومها المحليين أو على دول الجوار، وهي تستخدم هذه الأسلحة الهجومية دون اعتبار للقوانين الدولية والأعراف الدينية والإنسانية، وبلا اعتبار أيضاً لما يمثّله التصعيد من تهديد على جهود التسوية السياسية. في المقابل، وخلال ثمان سنوات من الدعم العسكري والسياسي للحكومة الشرعية والقوى الوطنية، تحولت توجهات دول التحالف العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، إلى المفاوضات المباشرة مع مليشيا الحوثي ومحاولة إقناع الأطراف المنضوية تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي بقبول نتائج هذه المفاوضات، بالرغم من التفاوت الواضح بين مصالح وأهداف هذه الأطراف، وبين مصالح وأهداف الدول الراعية لجهود السلام. عملياً الرغبة بإحلال السلام في البلاد موجودة لدى جميع الأطراف، وهو ما صرّح به مؤخراً السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، لكن إضافة إلى اختلاف تصورات الأطراف لهذا السلام، فلدى كل طرف قضايا جوهرية يجب أن يشمل أي اتفاق سلام حلولاً جذرية لها. 

 

أبرز هذه القضايا الجوهرية هي القضية الجنوبية بالنسبة للمجلس الانتقالي والقوى الجنوبية التي تشكل الحراك الجنوبي السلمي، وبالنسبة للأطراف الوطنية الشمالية التي تحارب جماعة الحوثي، فقضيتها الأساسية هي النظام الجمهوري ورفض مبدأ "الولاية" في الحكم الذي تعمل مليشيا الحوثي على تكريسه منذ انقلابها على السلطة. وفي طيّات هاتين القضيتين الرئيسيتين، تكمن مئات التفاصيل التي اعتاد الشيطان على الاختباء في تلافيفها، وهي التفاصيل التي يبدو أن القوى الجنوبية أحرزت مؤخراً تقدّماً لافتاً للنظر في طرد الشيطان منها وإحلال مبدأ الحوار محله.

 

 

على اختلاف رؤى وتصورات القوى والمكونات السياسية الجنوبية، أصبح هناك رابط يجمعها وهو "استعادة الدولة" أو في أخف الاحتمالات "تقرير المصير". نص "الميثاق الوطني الجنوبي" على كلا الخيارين مشترطاً إجراء استفتاء شعبي في كل محافظات ومناطق الجنوب على أي حلول مقترحة في حالة الخيار الثاني، الأمر الذي يضع القوى القوى الشمالية المنضوية في إطار الحكومة الشرعية أمام تحديات حاسمة حول استحقاقات القضية الجنوبية من جهة، وحول مصير محافظات ومناطق الشمال الواقعة في قبضة المليشيا الحوثية من جهة أخرى.

 

في الشمال يبدو الوضع السياسي في أسوأ مظاهر الشتات، حيث تسيطر مليشيا الحوثي على معظم جغرافيته، وخلال سنوات الحرب استفردت بهذه المناطق وأحدثت تغييرات في بنية مؤسسات الدولة وما زالت مستمرة في طمس ملامح الهوية الاجتماعية والثقافية التي تشكلت عقب ثورة 26 سبتمبر، وإعادة رسم ملامح الهوية الوطنية وفقاً لسياسات وتوجهات نظام الحكم الإمامي الذي عبث بالتركيبة السكانية والثقافية للشمال على امتداد ألف سنة. ومع ذلك، بمجرد أن ساد الإجماع مؤخراً في الجنوب على أن "استعادة الدولة" السابقة للوحدة هو خيار رئيسي للقوى الجنوبية، غفلت غالبية النخب الشمالية عن الخطر الذي تمثله مليشيا الحوثي على الهوية الوطنية سياسياً واجتماعياً وفكرياً، واهتمت بإدانة خيارات الجنوبيين ورؤيتهم الخاصة لمصيرهم.

 

بالرغم من ردة الفعل السلبية من قبل نخب الشمال على رؤية الجنوبيين لوضع اليمن الموحد، رشحت مواقف جنوبية على المستوى القيادي لتأكيد الوقوف مع الشمال في وجه الاستحواذ الحوثي على قرار مصير اليمنيين في المناطق التي يسيطر عليها. لقاء رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي بمحافظ صنعاء المعين من قبل الحكومة الشرعية، وتصريحات نائبه فرج البحسني، عكست بوضوح موقفاً جنوبياً يذكّر بمواقف قيادات الشطرين في إسناد ثورتي سبتمبر وأكتوبر مطلع ستينيات القرن الماضي. وما دام الجنوب يمثل حالياً ملاذاً آمناً للقوى الشمالية المناهضة للمد الحوثي الإمامي، وما دامت القضية الشمالية تحظى بهذا الدعم الوطني والإقليمي، فقد تحتاج قوى الشمال الوطنية أيضاً لاتخاذ خطوات أكثر جرأة في لملمة شتاتها والالتحام بالقوى الجنوبية من أجل استعادة الدولة من قبضة مليشيا الحوثي.