قبل 5 سنوات قدم يحيى الحوثي، لأعضاء مجلس النواب الموالين للجماعة في صنعاء، مشروع قانون "صندوق دعم المعلم"، كحل سحري لحالة العوز والفاقة والمجاعة التي صنعتها عائلته بانقلابها وحرمانها للمعلمين وموظفي الدولة من مرتباتهم.
وبعد النجاح في تقمص دور "المعلم المحروم من الحياة"، وأخذ ورد ونقاشات، أقر برلمان الراعي (غير شرعي) في 9 ديسمبر/أيلول 2019 "قانون دعم المعلم"، وصادق عليه مرة أخرى كما قدمه الحوثي، دون الأخذ بتعديلات وتوصيات اللجنة المعنية، وبعد أسبوع فقط صُرف أول حافز (30 ألف ريال) للمعلمين المحرومين من مرتباتهم.
استبشر المعلمون خيرا بالقليل الذي قدم لهم من جماعة لا تعرف إلا الأخذ والنهب، لكن حافز "السيد يحيى" اختفى وانقطع كالمرتبات، وغاب نحو عامين ليظهر الرجل ذاته في أغسطس 2021، زافاً للمعلمين نبأ سعيدا "سنواصل صرف الحافز شهرياً وحينما تتحسن حالة الصندوق المالية سيتم رفع المبلغ إلى أكثر، ولن نبخل عليهم".
وكمنّة من الانقلابيين، صرفت حكومة المليشيا حافز (30 ألفا) مرة أخرى عام 2022م، وقبل أسبوع بدأت وزارة الحوثي صرف الحافز للمرة الثالثة خلال 4 سنوات، لكن معاليه لم يحتمل الخسارة، فسارع وأعلن في مؤتمر عقد يوم الاثنين، وصُرف لمن حضره من الصحفيين بدل نقل (30 ألفا) لينقلوا اعتراف الوزير الخطير "إيرادات صندوق المعلم لا تكفي إلا لصرف حافز واحد كل عام".
ومنذ عام 2016، يعمل مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية دون رواتب. ووفقاً لتقرير منظمة اليونيسيف، فإن ثلث العاملين في العملية التعليمية في اليمن، والمقدر عددهم بـ171.6 ألفاً، لم يتقاضوا رواتبهم منذ 5 سنوات على الأقل.
لماذا الآن؟
الحوثي يحيى، زاد على مدى الأيام القليلة الماضية مراكز المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة، ودشن فيها بدء العام الدراسي كما نشر إعلام المليشيا، إلا أن المهمة الرئيسية هي محاولة امتصاص حنق وغضب المعلمين وكسر الإضراب الذي دشن بصورة واسعة ودخل اسبوعه الثاني.
وتدرك مليشيا الحوثي إنها في ورطة حقيقية، وفي مواجهة أول حراك جماعي منظم، حيث عجزت سلطات المليشيا عن كسر الإضراب الذي دعا إليه "نادي المعلمين" وهو كيان مستحدث يمثل المعلمين المطالبين بمرتباتهم ومستحقاتهم المحرومين منها منذ سنوات.
ويؤكد النادي الذي ينشر بيانته على مواقع التواصل الاجتماعي ويشاركها العديد من القيادات والنشطاء الموالين للحوثي حتى وقت قريب، حيث تشهد مدارس صنعاء والمحافظات الخاضعة للمليشيا إضرابا ناجحا تجاوزت نسبته الـ80% وفقا للنادي.
وهذا ما لمسه يحيى الحوثي خلال زياراته لتعز والحديدة وحجة وذمار ولقائه مع إدارات التربية ومشرفيها المحسوبين على الجماعة في تلك المحافظات، حيث مثل الإضراب هاجزا مزعجا لجميع سلطات المليشيا وقياداتها التي تمارس كل أنواع التهديد والتخويف والترغيب ضد المعلمين لكنها فشلت في إجبارهم على كسر الإضراب، ما دفعها للذهاب نحو التهديد بالفصل الجماعي ونقل المضربين للعمل في المناطق الريفية.
ماذا قال الحوثي في المؤتمر؟
وكرر الوزير الحوثي ترديد مزاعم جماعته بـ"أهمية التعليم وضرورة جعل التعليم في أعلى سلم أولويات" الجماعة، وقال إن إجمالي إيرادات صندوق المعلم السنوية بلغت سبعة مليارات ريال تغطي ما نسبته واحد بالمئة فقط من الاحتياجات التعليمية، ويبلغ إجمالي حافز العاملين في المدارس 81 مليار ريال سنوياً بمعنى أن إيرادات الصندوق السنوية تغطي صرف حافز شهر واحد فقط".
هذا أهم فقرة أوردتها وكالة سبأ بنسختها الحوثية يوم الاثنين الماضي، فيما نُشرت معلومات أخرى في إعلام الحوثي كقناة المسيرة التي ٱوردت على لسان يحيى الحوثي قوله: "وجهنا بصرف حافز لثلاثة أشهر تباعا وقد بدأ الصرف للمعلمين والمعلمات والمتطوعين".
بهذا كشفت المليشيا عن كذبها أولاً بأن إيرادات الصندوق لا تكفي إلا لصرف حافز واحد سنويا، فمن أين ستصرف ثلاثة حوافز إذا كانت صادقة، وكشفت ثانياً عن محاولتها كسر إضراب المعلمين من خلال إغرائهم بحافز ثلاثة أشهر، وهذا سيدفع الكثير منهم للدوام، أملا في الحصول على 90 ألفاً خلال الثلاثة الأشهر القادمة.
لكن الإضراب الذي دشنه المعلمين قبل نحو أسبوعين، يطالبون فيه بالمرتبات ويرفضون حافزا لا يصرف إلا مرة في العام ولا يتجاوز مصروف أكل وشرب لأسرة من شخصين لمدة أسبوع.
ومدى نجاح الحوثيين في كسر الإضراب، بحافز ثلاثة أشهر، وثبات المعلمين أمام التهديدات والوعيد وإخطارات الفصل والنقل ستكشفه الأيام القادمة، لكن النقطة المهمة هي صندوق المعلم وإيراداته.
تجميد عمل الصندوق
في 19 مارس 2023، وجه البرلمان غير المعترف به، سلطات مليشيا الحوثي بتجميد عمل صندوق دعم المعلم والتعليم، لوجود مخالفات تم فيها صرف إيرادات الصندوق "خارج إطار أغراض الصندوق التي أنشئ من أجلها، ومنها طباعة الكتاب المدرسي الذي تتحمله وزارة المالية".
وأقر مجلس الراعي "حكومة الإنقاذ (الحوثية) بتجميد عمل الصندوق حتى يتم تقديم إيضاح حول صرفيات الصندوق خلال الفترة الماضية"، وفقا للوكالة الخاضعة للحوثيين.
في الجلسة ذاتها (لم يتم بثها) تحدث يحيى الراعي قائلا "جاء وزير التربية والتعليم في البداية وقال لنا: (اعملوا صندوقا للمعلم.. المعلم ما لقي حق المواصلات.. كيف يعلم جهالنا وما يحصل ما يأكل)، عملنا الصندوق، فرّحنا وزير التربية أنه بيصرف 30 ألفا لكل معلم شهرياً، صرف الشهر الأول، وغطست.. نزلت البحر مع الغاطسات ..ولما ذلحين لنا 3سنين ولا صرف فلس".
وبحسب مصادر برلمانية، وجه النواب اتهامات للوزير يحيى الحوثي بالفساد ونهب إيرادات الصندوق، واستثمار المدارس وتحويل بعضها إلى مدارس خاصة، وإنشاء محالّ تجارية في أحواش المدارس وأسوارها، بحجة صرف الحافز، ورغم ذلك لم يصرف أي حافز للمعلمين.
إيرادات الصندوق
صندوق المعلم الذي صادق على انشائه برلمان المليشيا قبل سنوات، تضمن في لائحته المالية مخصصات وضرائب ضخمة على كل شاردة وواردة من المنتجات.
ومن ضمن الإيرادات المفترضة للصندوق مخصصات سنوية تعتمدها حكومة المليشيا لدعم التعليم، إضافة إلى المساعدات والتبرعات والهبات المقدمة للصندوق من المنظمات والجهات المحلية، و 2% تضاف لصالح الصندوق على ضريبة مبيعات القات، و1% تضاف إلى الرسوم الجمركية للسلع والبضائع في المنافذ الرئيسية، و1% تضاف إلى قيمة تذاكر السفر البرية و الجوية و البحرية الداخلية و الخارجية، و 0,5% تضاف إلى قيمة كل كيس اسمنت محلي أو مستورد وزنه “50” كجم معبأ أو سائب، و2% تضاف إلى قيمة كل عروسة سجائر محلية أو مستوردة، و1% تضاف إلى قيمة كل فاتورة اتصال هاتفي (الثابت أو النقال) و خدمات الانترنت، و0,10% تضاف إلى قيمة كل كرتون مياه معدنية و جميع العصائر و المرطبات و المشروبات الغازية المحلية و المستوردة، و200 ريال عند منح أو تجديد رخص الاقامة و تأشيرة الدخول و الخروج و تصاريح العمل للأفراد غير اليمنيين، و الاستقطاعات و الجزاءات الشهرية على موظفي وزارة التربية و التعليم، وريال واحد تضاف على كل لتر من البترول و الديزل و الغاز المحلي أو المستورد، و50% من قيمة الرسوم المدرسية السنوية، وما يخصص من مبالغ في الميزانية العامة لأغراض ترميم و صيانة المباني و التجهيزات المدرسية.
وإضافة إلى ذلك، فإن أصولاً وممتلكات صندوق صيانة المباني والتجهيزات المدرسية والضرائب المفروضة لصالحه، وايضا 10% من إيرادات السلطات المحلية تضاف لإيرادات صندوق المعلم، وهي إيرادات ضخمة.
إيرادات أخرى
وتؤكد مصادر مطلعة لـ"الصحوة نت"، إن إيرادات الصندوق كبيرة جدا، حيث تزيد عن نحو 100 مليار ريال سنوياً، بخلاف مزاعم وأكاذيب الوزير الحوثي الذي تحدث عن 7 مليار فقط.
وقالت المصادر مشترطة عدم الكشف عن هويتها، أن المليشيا خلال السنوات الأربعة الماضية، انشأت واستحدثت محالا تجارية في أسوار وأحواش نحو 600 مدرسة حكومية في صنعاء وحدها، وتأجيرها بالعملة الصعبة بحجة أنها ستساهم في صرف حوافز المعلمين.
وأضافت المصادر، أن نحو 50 مدرسة حكومية في صنعاء، حولتها المليشيا إلى مدارس خاصة، بذريعة أن إيراداتها ستذهب لصالح حساب صندوق المعلم ودعم صرف الحافز شهرياً، ورغم جمع مبالغ ضخمة إيرادات من هذه المدارس إلا أن الجماعة لم تصرف حافزا شهريا للمعلمين.
وأشارت المصادر إلى فرض وزارة التربية الحوثية ضرائب على مرتبات المعلمين في المدارس الخاصة، إضافة إلى تخصيص نسبة من رسوم كل طالب لصالح الوزارة، وقد فرضت هذه الضرائب والاستقطاعات بالقوة على المدارس الخاصة والأهلية، وقبل بها الكثير، لأنها -حسب زعم المليشيا- ستساهم في صرف الحافز الشهري.
المصادر ذاتها أشارت إلى رسوم تسجيل أو ما تسمى بالمشاركة المجتمعية والتي فرضتها المليشيا على كل طالب وطالبة يسجل في المدارس الحكومية، وتبلغ كحد أدنى 8 آلاف ريال على كل طالب وطالبة، ولو فرضنا أن عدد الطلاب في المدارس الحكومية في صنعاء وحدها نحو 800 ألف طالب، فإن ما جمعته المليشيا خلال الأسبوعين الماضية يبلغ 6 مليارات و400 مليون ريال، ويفترض أن هذه ضمن إيرادات صندوق المعلم، لكنها تذهب لصالح مشاريع وفعاليات طائفية.
وأكد مصدران، أن المليشيا تجمع مشاركات مجتمعية شهرية، من الطلاب كمساهمة في دفع الحافز، لكن تلك الأموال التي تكون ما بين 200 ريال إلى الفين، لكن تلك المبالغ والتي تجمع بمسميات عدة مجهود مجتمعي أو مجلس أباء، أو دعم للتعليم والمعلم، يفترض إيرادات لصالح صرف الحافز.
وبحسب المصادر فإن يحيى الحوثي وقيادات الوزارة الموالون له، أنشأوا عشرات المدارس الخاصة كاستثمارات لصالح صندوق المعلم، ومنحت هذه المدارس إعفاءات من الضرائب والتصاريح، لكنها تحولت إلى مدارس خاصة تابعة لقيادات الوزارة وليس لها شأن من صندوق المعلم.
أين تذهب الإيرادات؟
طرح أحد الصحفيين هذا السؤال على يحيى الحوثي في المؤتمر الصحفي، لكنه تجاهل سؤاله، وأعطى المجال لمدير مؤسسة الكتاب ليجيب ويشير إلى طباعة الكتب الدراسية والمناهج وغيرها، وهي الحجة التي برر بها الحوثي في رسالة للبرلمان أن إيرادات الصندوق صرفت معظمها لطباعة المناهج.
الحوثي ذاته قال في المؤتمر الصحفي إن إيرادات الصندوق خلال عام، لا تكفي لصرف حافز شهر واحد فقط، ومع ذلك قال أيضا أنه وجه بصرف ثلاثة حوافز تباعاً، سأله أحد الصحفيين "من اين بتصرف حوافز ثلاثة أشهر"؟، ولم يجد أي إجابة من الوزير ومرافقيه.
وقبل أسبوع، قال الحوثي إنه تمت طباعة 23 مليونا و513 ألفا و707 كتب مدرسي بتمويل 50% من صندوق دعم المعلم والتعليم، وحسب مذكرة نشرها النائب احمد سيف حاشد موجهة من الوزير الحوثي للبرلمان تتضمن خطة مقترحة لتمويل طباعة الكتب المدرسية، فإن طباعة 23 مليون كتاب بتغطية 50 بالمئة، تكلف 10 مليارات و746 مليون ريال.
فإذا كانت إيرادات الصندوق فقط 7 مليارات، من أين اتى الحوثي 10 مليارات لطباعة المناهج الدراسية، والتي في الغالب لا تصرف وتباع على قارعة الطرقات وبمبالغ كبيرة، يقول النشطاء إنها تحولت إلى سوق سوداء تدر على قيادات المليشيا نحو 20 مليار ريال في كل موسم.
وفي مثال أخر، زعم الوزير الحوثي لدى تدشينه العام الدراسي الجديد أنه تم "ترميم المدارس وملحقاتها ومنها بناء 22 مدرسة جديدة و ترميم ألف و 562 مدرسة"، وهي أرقام وهمية سردها لتبرير عدم صرف حوافز المعلمين، وأضاف إليها أرقام أخرى منها مزاعم "فتح الفين و 199 مركز محو أمية"، وقال إن عدد المدرسين فيها بلغ 94 ألفا.
المزاعم الأخيرة المتعلقة بمحو الأمية، أعترف الحوثي بأنها أرقام وهمية بطريقة غير مباشرة يوم الثلاثاء، إذ قال يحيى الحوثي خلال اجتماعه بقيادة جهاز محو الأمية، إنه "اعتماد نفقات تشغيلية لمركز تدريب محو الأمية بالمحافظات بالإضافة إلى بدل تنقلات للمعلمين والمعلمات والمدربين والمدربات بفصول ومراكز محو الأمية"، ما يعني أن الوزير كذب حين قال إنه "فتح ألفين 199 مركزا لمحو الأمية" في 18 يوليو الفائت.
خلاصة
تؤكد مصادر عدة، أن إيرادات صندوق المعلم وغيرها من الجبايات والإتاوات والضرائب التي يتم جمعها باسم دعم العملية التعليمية تذهب كلها لصالح المراكز الصيفية التي تديرها المليشيا خلال كل صيف كمعسكرات للتجنيد وتطييف صغار السن، ومحاولة غسل أفكارهم وغرس العقائد الشيعية المتمحورة حول أحقية الحوثي والسلالة في الحكم.
وهذا ما يؤكده النائب في برلمان المليشيا احمد حاشد، بطرحه بضعة أسئلة من ضمنها "كل سنة يريدون طباعة الكتاب المدرسي مرتين ويلحق هذا إدخالا وتعديلا للمنهج المدرسي، وهو الهدف.. والسؤال إلى اين؟".
ويضيف حاشد "المراكز الصيفية من اين لها أموالا ومتى تم إدخالها في الموازنة ومن أين جرى تمويلها.. نحن في مجلس نواب صنعاء لا نعرف شيئا عن هذا التمويل ومصدره؟؟!! ما علاقة المراكز بوزارة التربية والتعليم وموازنتها؟! كيف نجد تمويل هنا ولا نجد تمويلا هناك؟! ".
ويجزم حاشد والكثير ممن هم متواجدون في مناطق سيطرة المليشيا، أن الهدف الأساسي هو تدمير العملية التعليمية وإفراغ المدارس من الطلاب واستقطابهم لصالح مراكز طائفية إضافة للتجنيد والزج بهم في الحرب التي تحرص المليشيا على استمرارها إلى ما لا نهاية، فهي الفزاعة التي تعلق عليها كل الفساد والمظالم والنهب والسرقة التي تقوم به.
ويبقى السؤال.. كم استطاع يحيى الحوثي توفيره من إيرادات صندوق المعلم بعد تمويل المراكز الصيفية في الأشهر الماضية؟