هيئة التشاور والمصالحة

انقلاب جديد في اليمن : هل تحل هيئة المصالحة بدلاً من البرلمان المنتخب؟

قبل سنة 1 | الأخبار | اخبار الوطن

في الفترة الأخيرة شهدت الساحة السياسية اليمنية، ظهوراً لافتاً لـ"هيئة التشاور والمصالحة"، التي عقدت اجتماعات ولقاءات بقيادات في الدولة وسفراء مختلف الدول المؤثرة في الملف اليمني، في خطوة بدا أنها تأتي على حساب مجلس النواب المنتخب، والذي خفَتَ نجمه، وما زال يواجه عرقلة في انعقاد جلساته داخل البلاد، على الرغم من كونه السلطة التشريعية فيها.

وتشكلت هيئة التشاور والمصالحة بموجب إعلان نقل السلطة من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أشخاص، في إبريل/نيسان 2022، وتضم 50 عضواً، قابلين للزيادة إلى 100. وكانت مهمتها المعلنة جمع مختلف المكونات لدعم ومساندة مجلس القيادة وتوحيد القوى اليمنية، وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراع بين كافة القوى والتوصل إلى سلام.

وخلال الأسبوعين الأخيرين، ظهرت الهيئة ممثلة برئيسها القيادي في "المجلس الانتقالي الجنوبي" محمد الغيثي ونوابه الأربعة، في لقاءات شملت رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، وعضو المجلس سلطان العرادة، ورئيس الحكومة معين عبد الملك، بالإضافة إلى لقاءات مع سفراء الولايات المتحدة ستيفن فاجن، والاتحاد الأوروبي غابرييل فينالس، وفرنسا جان ماري صفا، والقائم بأعمال سفير بريطانيا تشارلز هاربر، والقائم بأعمال سفير الصين شاو تشنغ، والقائم بأعمال السفير الروسي يفغيني كودروف، وسفير الإمارات محمد الزعابي.

حضور الهيئة على حساب مجلس النواب

ويأتي حضور الهيئة النشط وفقاً لمراقبين على حساب مجلس النواب الأطول عمراً، والذي دخل قبل أشهر العقد الثالث منذ انتخاب أعضائه في إبريل 2003، والذي عجز عن الالتئام في أي من المحافظات، فيما يتفرق أعضاؤه بين مختلف العواصم العالمية، ويظهر من ينشط منهم على وسائل التواصل بعيداً عن واقع ما يجري في مؤسسات الدولة، التي من المفترض أن يكون البرلمان رقيباً على أدائها.

في الأثناء، تدور أحاديث في الأوساط السياسية اليمنية عن مساعٍ لإحلال الهيئة محل البرلمان المنتخب. ويبدو أن حُمّى التنافس هذه هي التي دفعت رئيس مجلس النواب سلطان البركاني إلى إرسال توضيح طويل لعضو المجلس محمد مقبل الحميري، رداً على رسالته التي طالب فيها بانعقاد البرلمان، أو مصارحة الشعب بأسباب عدم انعقاده.

3 تحديات تواجه المجلس الرئاسي اليمني بعد أدائه القسم

وقال البركاني إن الجهود المتواصلة لعقد جلسات المجلس وكل محاولات قيامه بدوره التشريعي والرقابي فشلت، وإن المجلس مغيّب وخارج عن إرادته، وممنوع انعقاد جلساته في مناطق معينة بالبلاد. وقال البركاني، في الرسالة المؤرخة في 20 يوليو/تموز الماضي، إن "ما قمنا به (في السنوات الماضية) من محاولات لانعقاد المجلس خلال زيارات للداخل، لمحافظات حضرموت والمهرة وعدن وتعز، لم تثمر".

وأضاف أنه في أغسطس/آب 2022، تم حجز تذاكر وسكن للنواب في عدن بغرض انعقاد المجلس هناك، لكن "بُلّغنا بضرورة التأجيل، واستجبنا لذلك على مضض، حيث لم يكن لدينا خيار آخر، ولا زالت التذاكر لدى الأعضاء حتى الآن بغرض السفر للانعقاد بأي لحظة".

وذكّر البركاني الحميري:"زيارتنا للرياض مع رؤساء الكتل وأنت منهم، بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2023، التي استغرقت أسبوعين، وقابلنا فيها رئيس مجلس القيادة، كما قابلنا أعضاء المجلس، وترجّينا واستجدينا لانعقاد المجلس... لكن كل محاولاتنا فشلت". وقال إن "الذين يتحدثون عن انعقاد المجلس في هذا الظرف لا يدركون صعوبة الانعقاد لواقع الحال الذي تمر به البلاد، كما يعلمون كل العلم أن المجلس مغيب وخارج إرادته، بل ممنوع عليه (الانعقاد) في مناطق معينة".

صعوبة انعقاد مجلس النواب

وكان المجلس عقد جلسة يتيمة في عدن في مايو/أيار 2022، هي الثانية منذ إعلان نقله من صنعاء، بعد جلسة سيئون بحضرموت عام 2019. وفيما هدفت الأولى إلى إعادة انتخاب هيئة رئاسة البرلمان بعد انقسامه وانضمام عدد كبير من أعضائه للحوثيين، وكذا التشريع المتأخر لتدخل التحالف في البلاد، هدفت الثانية إلى إقامة مراسم أداء اليمين الدستورية لرئيس وأعضاء مجلس القيادة، وهي جلسة جرت بضغط من التحالف، وغاب عنها عدد من النواب.

ومراراً، أعلن المجلس أنه سيستأنف جلساته من عدن أو من غيرها، غير أن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح لأسباب مجهولة، كانت تُعزى حيناً للأوضاع الأمنية المتردية في عدن، والتي تمنع عودة المسؤولين إليها، ولكون أعضاء البرلمان ألِفوا الراحة في فنادق العواصم في أحيان أخرى. غير أن نائب رئيس المجلس عبد العزيز جباري تحدث عن أسباب أخرى تتعلق، بحسب كلامه، بعرقلة يمارسها التحالف العربي.

وأضاف جباري على "تويتر" يوم السبت الماضي: "عندما تم طرد مليشيا الحوثي من عدن (عام 2015) عاد الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى هناك، وعدنا معه، وبدأت مؤسسات الدولة بالعمل من العاصمة المؤقتة، ولكن لم يُترك له (الرئيس) مجال ليؤدي دوره، ومُنع حتى من تشكيل معسكرات تحميه".

وتحدث جباري عن "مساعٍ من التحالف لإحلال هيئة التشاور والمصالحة بديلاً عن المؤسسة الدستورية، مجلس النواب"، معتبراً ذلك نتيجة طبيعية لتحركات المجلس الذي "ذهب إلى عدن (في مايو 2022) وقَبِل أن يتلقى اليمين (من رئيس وأعضاء مجلس القيادة)، وتمرير ما يسمى بمجلس الرئاسة وما يسمى بهيئة المصالحة، وقَبِل بعض أعضاء مجلس النواب أن يكونوا أعضاء في هذا الكيان".

وقال: "أنتم تظنون أن هذا الكلام (استبدال البرلمان بهيئة المصالحة) غير معقول، أقول لكم لا، هذا معقول وممكن، وقد رأينا في بلدنا خلال هذه الثماني سنوات تصرفات كنا نظنها غير معقولة، (مثل تعيين) من لا يعترف بالدولة (في منصب رفيع). هل سمعت عن نائب رئيس في العالم يقول أنا أريد أن أفصل بلدي، ولا أعترف بالعَلَم، ولا بالجمهورية؟".

هيئة التشاور والمصالحة كيان شرعي

من جهته، قال الصحافي اليمني نائب رئيس تحرير موقع "المصدر أونلاين" علي الفقيه إن "هيئة التشاور والمصالحة واحد من كيانات الشرعية البديلة التي أنتجت في 2022، وهناك أكثر من طرف حريص على تفعيلها باعتبارها تمثل كيانات وأطراف أبرزتها الحرب، بينما يعتبرون مجلس النواب ضمن مؤسسات الشرعية القديمة التي يريدون لها أن تموت، باعتبارها تحمل رمزية للجمهورية اليمنية، ويستمد قوته من كونه مؤسسة منتخبة، بينما الهيئات والمؤسسات البديلة تستمد وجودها من التوافق والدعم الإقليمي".

وأضاف الفقيه لـ"العربي الجديد": "هناك طرف يسيطر على الأرض، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي وداعموه، يرى أن بإمكانه استخدام هذه الهيئة كعصا للضغط على مجلس القيادة متى ما أراد، وفي القضايا التي يريدها، بينما مجلس النواب، على الرغم من ضعفه وهشاشته، لا يزال يضم تمثيلاً لجميع الأطراف، ولا يمكن لطرف بعينه أن يستخدمه ما لم يحدث توافق جمعي بين كل مكوناته".

إضعاف الشرعية كمنظومة

وعن مخاطر مثل هذه الخطوة، قال الفقيه إن "الخطورة في أن محاولة تغييب مجلس النواب تضعف الشرعية كمنظومة، بينما كان الأَوْلى أن يظلّ المجلس حاضراً ويمارس مهامه، وأن تستمر الهيئة في ترتيبات تعنى بالمصالحة وردم الفجوات التي أحدثتها الحرب بين المكونات التي صارت ممثلة في الشرعية".

وعن إعلان رئيس مجلس النواب عجز البرلمان عن الانعقاد، قال الفقيه إن ذلك "اعتراف وشكوى معلنة بعد أن فشلت كل محاولات رئاسة المجلس لانعقاده". وأضاف: "للأسف الشديد، فإن هناك من يعتقد أن الترتيب للتسوية القادمة لن يتم إلا بالقضاء على كل المؤسسات القديمة، وعلى وجه الخصوص المؤسسات المنتخبة".