رغم مرور شهر ونصف على انتهاء الأزمة التي اندلعت بين محافظ العاصمة عدن والحكومة على خلفية تدهور خدمة الكهرباء بتعهد مجلس القيادة الرئاسي بتوفير الوقود، إلا أن الخدمة لم تشهد أي تحسن يذكر.
حيث لا تزال خدمة الكهرباء بالمدينة تعمل لساعتين فقط مقابل 4 ساعات انطفاء، بسبب عجز الحكومة حتى الآن عن تأمين كميات كافية من مادتي المازوت والديزل لمحطات التوليد، واستمرار تزويدها بكميات إسعافية من التجار.
عجز الحكومة في تأمين الوقود يعود إلى الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها جراء توقف تصدير النفط منذ 10 أشهر جراء هجمات مليشيات الحوثي، ما تسبب بحرمانها من أهم إيراداتها وأهم مواردها للعملة الصعبة، وهو ما دفع السعودية الثلاثاء. إلى تقديم دعم مالي بـ1.2 مليار دولار.
اللافت في التصريحات التي أدلى بها مسئولون حكوميون عقب تقديم الدعم السعودي هي الإشارة إلى استخدامه في تغطية نفقات وقود الكهرباء، في ظل غياب أي نية لدى الجانب السعودي بتجديد منحة وقود الكهرباء (بيع وقود الديزل والمازوت بسعر السوق المحلي) والتي قدمتها مرتين سابقاً.
توجه الحكومة في استخدام الدعم السعودي لتغطية نفقات وقود الكهرباء سيمثل هدراً كبيراً للدعم، بالنظر إلى ما تقوله الحكومة بأن فاتورة هذا الوقود تصل إلى 100 مليون دولار شهرياً، وهو رقم ضخم ناتج عن استمرارها في الاعتماد على مادة الديزل الأعلى تكلفة في توليد الكهرباء بالمناطق المحررة.
ففي بيانها الذي أصدرته خلال الأزمة مع محافظ عدن، اعترفت الحكومة بأن كلفة توليد الكهرباء بالعاصمة عدن لوحدها تبلغ 55 مليون دولار شهرياً، موضحة أن الانفاق اليومي لتوليد الكهرباء ليوم واحد في وضعها الحالي بالعاصمة لثماني ساعات يبلغ قرابة 1,8 مليون دولار، وتشمل 1,2 مليون دولار قيمة مشتقات نفطية مازوت وديزل بالإضافة إلى النفط الخام المخصص لتشغيل محطة بترومسيلة في عدن، والذي يقدر قيمته ما بين 400 – 600 ألف دولار يوميا بحسب أسعار النفط الخام عالميا.
لجوء حكومات الشرعية إلى الاعتماد على مادة الديزل أو النفط الخام في توليد الكهرباء يثير الاستغراب بالمقارنة مع التوجه الذي تمضي عليه أغلب دول العالم وعلى رأسها دول الخليج الغنية باحتياطيات النفط خلال السنوات الأخيرة إلى الاستغناء عن استخدام النفط ومشتقاته في توليد الكهرباء، واستبداله بالغاز الطبيعي الأرخص والأقل تلوثاً مع التوجه بالتوسع في مشاريع الطاقة المتجددة كالرياح والشمس.
هذا التوجه كانت الحكومة قد خطت فيه الخطوة الأولى عام 2018م بإنشاء شركة بترومسيلة لمحطة غازية في وادي حضرموت بقوة 50 ميجاوات بالتزامن مع توقيعها لمذكرة تفاهم مع شركة جنرال الكتريك الأمريكية لإنشاء محطة كهرباء في عدن بقدرة 264 ميجا وأخرى في ساحل حضرموت بقدرة 100 ميجا قابلتين للتوسعة، تعملان بوقود النفط الخام أو الغاز.
وعلى الرغم من إنجاز نصف المشروع بالانتهاء من محطة عدن وتعثر محطة ساحل حضرموت، إلا أن التعثر لم يتوقف عند ذلك، فلا تزال محطة عدن تعمل منذ بدء تشغيلها قبل نحو عامين بشكل جزئي 90 ميجاوات فقط من أصل 264 ميجاوات بسبب عدم استكمال مشروع تصريف الطاقة.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن التشغيل الجزئي للمحطة بوضعه الحالي بوقود النفط الخام يعد أمرا مكلفاً على الرغم من مجانية النفط القادم من حقول الإنتاج في شبوة، حيث تستهلك المحطة حالياً 2500 برميل نفط يومياً وفي حالة تشغيلها بكامل قوتها فإن الأمر يتطلب 10 الآلاف برميل يومياً، وهو رقم ضخم يجعل من فاتورة التوليد لهذه المحطة يصل إلى نحو 800 ألف دولار وفق السعر العالمي حالياً.
وهو ما يعني ضرورة أن تعمل الحكومة على تشغيل المحطة بوقود الغاز، وإنشاء المنظومة الخاصة بذلك، وهو مشروع كانت السعودية قد أعلنت عنه ضمن حزمة المشاريع التي أعلنت تقديمها لعدن في يونيو من العام الماضي، ويبدو أنها لم تلق متابعة من الجانب الحكومة لتنفيذها على أرض الواقع، رغم أهميته الاقتصادية الكبيرة في تقليل كلفة إنتاج الكهرباء الحالية بأكثر من 70%.
ففي حين تشكو الحكومة أنها تتحمل تكلفة تصل إلى 350 ريالاً لإنتاج الكيلووات الواحد بوقود الديزل، فإن الأمر لا يتجاوز الـ100 ريال باستخدام الغاز، هذا على افتراض استيراده من الخارج ولم يكن من إنتاج حقول الغاز بالمحافظات المحررة.
يضاف إلى مميزات محطة بترومسيلة وكونها تعتمد نظام "الدورة المركبة"، أي إمكانية إضافة توربينات بخارية تعمل بالبخار الناتج عن حرق الغاز، ما يعني تقليل كلفة الإنتاج ما بين 70 -80 %، في حالة وجدت الرغبة والإرادة الحكومية لحل أزمة الكهرباء في العاصمة عدن كخطوة أولى لحلها في باقي المحافظة المحررة.
والخطوة القادمة –عقب استكمال مشروع تصريف الطاقة- تتمثل في العمل على إنشاء المرحلة الثانية من مشروع المحطة لرفع قوتها إلى 500 ميجا وات، وهنا يجب الإشارة إلى أن تكلفة المرحلة الأولى من محطة بترومسيلة لم تتجاوز 140 مليون دولار باعتراف رئيس الوزراء معين عبدالملك.
وهذا الرقم يعد أقل من الرقم الذي أورده بيان الحكومة رداً على محافظ عدن في الأزمة الأخيرة، حول تكاليف شراء وقود الديزل والمازوت لمحطات الكهرباء منذ انتهاء المنحة السعودية (3 أشهر فقط) وقال بأنها بلغت 150 مليون دولار، ما يكشف حجم العبث والهدر في الموارد الشحيحة.
إنجاز المرحلة الثانية لمحطة بترومسيلة -الذي يمكن إنجازه خلال أقل من عام- مع إنجاز محطة الطاقة الشمسية المقدمة من الإمارات خلال الأشهر القادمة، سيرفع حجم التوليد في عدن إلى 620 ميجاوات وهو رقم يقارب حجم الأحمال لهذا الصيف، ما يعني انتهاء معاناة أبناء عدن مع الكهرباء والتخلص من كارثة الديزل الذي مثل الثقب الأسود للموارد خلال السنوات الماضية