الحوثي

أمريكا : كيف ينظر الغرب لمفاوضات السعودية مع الحوثيين وإيران؟

قبل سنة 1 | الأخبار | اخبار الوطن

في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية تحركاً أممياً وأمريكياً لإحياء مفاوضات التسوية السياسية في اليمن، أعلنت جماعة الحوثيين الثلاثاء، عن جولة جديدة من المفاوضات بينها وبين المملكة العربية السعودية بوساطة عمانية، وهي المفاوضات التي تعثرت على إثر الاشتراطات الحوثية المتصاعدة طيلة مسار التفاوض في الشهور الماضية.

إعلان الجماعة الحوثية عن هذه الجولة الجديدة من المفاوضات تزامن مع زيارة وفد الوساطة العماني مع رئيس وأعضاء فريق التفاوض الحوثي إلى صنعاء، وهي الزيارة التي لم تعلن الجماعة أو الطرف العماني نتائجها. كما تزامنت هذه الزيارة مع زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى الرياض مطلع الأسبوع الجاري، في ظل أنباء عن زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى طهران، بحسب تعليق نشرته مجلة "نيوزويك" الأمريكية قالت فيه إن الأمير محمد وافق على تلبية الدعوة الإيرانية.

ونشرت مجلة "نيوزويك" في عددها الصادر الخميس 24 أغسطس الجاري، مقالاً تحليلياً للصحفي توم أوكونر، نائب رئيس تحرير المجلة لشؤون الشرق الأوسط والصين وروسيا وكوريا الشمالية، بعنوان "بمساعدة إيران، ولي العهد السعودي يسعى إلى إنهاء الحرب وتغيير المملكة".

وفي ما يلي ترجمة خاصة بـ"نيوزيمن" للمقال:

في الوقت الذي يمضي فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بمجموعة طموحة من الإصلاحات التي تهدف إلى ترسيخ دور المملكة كلاعب دولي رائد، يقوم الأمير الطموح والقوي أيضًا بتجديد سياسته الخارجية للانخراط دبلوماسيًا مع أكبر منافسيه، إيران، في محاولة لتحقيق الاستقرار الإقليمي اللازم لتنفيذ خطته: "رؤية 2030".

ولكن حتى مع استمرار الاتفاق الذي توسطت فيه الصين في الجمع بين الرياض وطهران بطرق جديدة، لا تزال هناك تحديات خطيرة في طريق الطرفين. إن المهمة الأكثر صعوبة التي تواجه الرجل الذي يمكن أن يحكم المملكة العربية السعودية لعقود من الزمن هي انتشال بلاده من حرب أهلية شرسة عبر الحدود في اليمن، مع إيجاد حل للتهديدات الأمنية العالقة التي يمكن أن تكون مدمرة لأجندته وإرثه السياسي.

علي الشهابي، الخبير السياسي السعودي الذي ترأس سابقًا المؤسسة العربية للأبحاث ويعمل الآن في المجلس الاستشاري لمشروع "نيوم"، أحد المشاريع المستقبلية العملاقة التي يجري تنفيذها بما يتماشى مع رؤية 2030، قال لمجلة نيوزويك، إن "السعودية تعمل على إخراج نفسها من اليمن ودعم أي اتفاق يتوصل إليه اليمنيون فيما بينهم". 

وأضاف الشهابي إن "المملكة ليس لديها أي أوهام فيما يتعلق بسهولة إنجاز ذلك، وسيتعين عليها أن تراقب بحذر حدودها الجنوبية إذا ما تجاوزها المزيد من تهديدات عدم الاستقرار في اليمن". ولتحقيق هذه الغاية، قال الشهابي إن الرياض تسعى إلى خفض التصعيد مع طهران باعتباره "مصلحة استراتيجية"، وهو مسعى يعززه الآن دور بكين كدولة مشاركة في التوقيع على اتفاقهما رفيع المستوى في مارس الماضي لإعادة العلاقات الدبلوماسية.

وأضاف: "الوقت سيحدد ذلك". "ستعمل السعودية على إقامة علاقات تجارية واستثمارية مع إيران لمنح إيران حصة أكبر في الاستقرار الإقليمي، لكنها ستستمر في مراقبة إيران بعناية شديدة لمعرفة ما إذا كانت تحترم التزاماتها بشأن الاستقرار أم لا".

إن العامل الاقتصادي مهم لكلا الجانبين، حيث أثبت انعدام الأمن أنه مكلف لإيران ولآمال المملكة العربية السعودية في زيادة نفوذها على المسرح العالمي.

محمد علي شعباني، رئيس تحرير موقع أمواج ميديا، وهو موقع إخباري مقره لندن ويركز على إيران والعراق ودول شبه الجزيرة العربية، قال لمجلة نيوزويك: "إن نقاط الضعف واضحة، وكذلك المخاطر". إذ "يحتاج محمد بن سلمان إلى الأمن لجذب الاستثمارات، وتريد إيران المكاسب الاقتصادية من توفيرها للأمن".

شعباني، الذي تابعت منصته الإعلامية عن كثب الأعمال الداخلية للتقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية الذي استغرق سنوات عديدة، أشار إلى كيف شعرت المملكة بالآثار التخريبية للصراع القريب والمباشر، مشيراً إلى استهداف المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة بصواريخ أطلقتها جماعة الحوثيين- ذراع إيران، والضربة المدمرة بشكل خاص بطائرة بدون طيار ضد منشآت أبقيق وخريصة النفطية في سبتمبر 2019، وهي العملية التي نسبت مباشرة إلى إيران رغم نفي طهران.

وفي حين أن التنافس الإقليمي بين الرياض وطهران قد امتد إلى عدد من البلدان، بما في ذلك لبنان والعراق وسوريا، فقد أثبتت الحرب في اليمن أنها جبهة متقلبة بشكل خاص. فبمجرد أن بدأ نائب ولي العهد آنذاك، الأمير محمد بن سلمان، صعوده إلى السلطة بتعيينه وزيراً للدفاع، أطلقت المملكة العربية السعودية تدخلاً مباشراً في مارس 2015 في محاولة لإنهاء سيطرة الحوثيين على صنعاء. ومع ذلك، ما زالوا يسيطرون بقوة على العاصمة اليمنية حتى يومنا هذا.

وبعد ثلاثة أشهر فقط من التدخل الذي قادته الرياض، والذي دعمته واشنطن وعدد من الدول العربية، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، عن اتفاق نووي تاريخي مع إيران إلى جانب القوى العالمية الأخرى. انهار الاتفاق بعد ثلاث سنوات عندما انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعاد فرض عقوبات شديدة على طهران، وهو الإجراء الذي أثار موجة جديدة من الاضطرابات الإقليمية المرتبطة بإيران.

وبينما سعى الرئيس جو بايدن للعودة عن طريق التفاوض إلى الاتفاق النووي، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، انهار الحوار الرسمي منذ ذلك الحين، وقال البيت الأبيض، إن تلك الجهود لم تعد أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية. 

قال شعباني: "جزء من الصعوبات التي تواجهها إيران والمملكة العربية السعودية يتعلق بمدى قدرة إيران على تقديم الدعم على الجبهة الأمنية، مع الأخذ في الاعتبار بشكل خاص عدم استجابة الحوثيين، وعلى الجانب الآخر، ما الذي يمكن أن تقدمه المملكة العربية السعودية بالفعل على الجبهة الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار نظام العقوبات الأمريكية واسعة النطاق والانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة".

تفتقر المملكة العربية السعودية أيضًا إلى "النفوذ الحقيقي" لدى الحوثيين، وفقًا لعمر كريم، وهو زميل مشارك في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض وباحث دكتوراه في قسم العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة برمنغهام.

ومع ذلك، قال لمجلة نيوزويك، إنه "من الجدير بالذكر أنه منذ الاختراق السعودي الإيراني، لم يكن هناك أي هجوم صاروخي أو هجوم بطائرات بدون طيار من قبل الحوثيين على المملكة العربية السعودية، وهذا أمر أساسي من وجهة النظر السعودية التي تحرص على أن الصراع في اليمن يبقى في اليمن".

وللتخفيف من مخاطر تفاقم الصراع، يتصور كريم مسارًا محتملاً للمضي قدمًا، وهو مسار يستلزم اتفاقًا لتقاسم السلطة بحيث تظل جماعة الحوثي مهيمنة، خاصة في شمال اليمن، لكن مع احتفاظ حلفاء السعودية بالنفوذ.

لكن أي اتفاق يجب أن يضمن موافقة مختلف الفصائل اليمنية، التي شكلت تحالفات وتنافسات متغيرة طوال فترة الصراع، وكذلك كل من الرياض وطهران، اللتين قد يتوقف الانفراج الوليد في علاقتيهما على مصير الصراع. وهذا أمر له أهمية خاصة بالنسبة لولي العهد الأمير محمد.

وقال كريم: "بالنسبة لولي العهد السعودي، من الواضح أنه من أجل اتباع هذا المسار من التحول الاقتصادي والاجتماعي، لا تستطيع المملكة العربية السعودية تحمل أي صراع كبير وطويل الأمد مع إيران".

وأضاف: "على الرغم من أن المملكة العربية السعودية بدأت في تنويع مصادر الإيرادات، إلا أن ميزانيتها الإجمالية لا تزال تعتمد على الإيرادات المتولدة من قطاع الطاقة، مما يدل على أن هذه الإيرادات لا تزال العمود الفقري للاقتصاد السعودي، وأي تكرار لهجوم من قبيل ما حدث في أبقيق أو خريصة الذي أدى إلى توقف إنتاج النفط السعودي، سيكون أمراً لا يمكن الدفاع عنه".

هذه النقطة رددتها أيضاً ياسمين فاروق، الباحثة في برنامج الشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي. وتجادل ياسمين بأن الهجومين اللذين وقعا في عام 2019 أظهرا كيف أن مثل هذه التوترات مع إيران "يمكن أن تعرقل تحقيق أهداف رؤية 2030 من خلال خفض وحتى انقطاع عائدات المملكة العربية السعودية من النفط وزيادة المخاطر التي يواجهها المستثمرون الأجانب في مشاريع رؤية 2030، مثل "نيوم" والسياحة والنقل البحري، ومشاريع البنية التحتية والطاقة والخدمات اللوجستية."

وأشارت أيضًا إلى "التحول الكامل" في السياسة الخارجية السعودية الذي بدأ قبل عام كاستجابة لتداعيات اغتيال الصحفي السعودي المنفي جمال خاشقجي، الذي ربطت الولايات المتحدة ولي العهد الأمير محمد مباشرة بها، وهو الأمر الذي دائماً ما نفاه الأمير والحكومة السعودية.

وقالت فاروق: "لقد قام القصر الملكي بتعديلات في الفريق الذي يقدم المشورة بشأن السياسة الخارجية، وبدأ مرحلة من التهدئة الإقليمية، بما في ذلك مع إيران"، مشيرة إلى أن نهج المملكة العربية السعودية تجاه الحرب في اليمن "تطور بشكل كبير"، حيث لم تعد الرياض "تخفي أن هدفها الحالي هو إيجاد مخرج مستدام" من هذا الصراع. وقالت إن "الرياض اليوم سترضى بالتأكيد بأقل من ذلك، لكنها لا تستطيع السماح للحوثيين بإعلان نصر واضح أو أن تلبّي مجمل مطالبهم المالية والسياسية".

وقالت سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة تشاتام هاوس في لندن، إنه حتى في الوقت الذي يعطي فيه ولي العهد "أولوية لتجنب الصراع في اليمن"، فإن الجهود الرامية إلى "وقف إطلاق النار وإحلال السلام الشامل سوف يستغرقان وقتًا أطول مما كان متصورًا لتحقيقهما". وقالت فاكيل: "هذا يُظهر أن الطريق نحو ذلك سيكون صعبًا بالنسبة للمملكة"، إذ "سيكون اليمن دائمًا مصدر خطر لتصعيد طويل المدى بالنسبة للمملكة، الأمر الذي سيتطلب منها إدارة ومحاباة مستمرتين، ليس فقط مع صنعاء وطهران، ولكن أيضًا مع القبائل في جميع أنحاء اليمن".

وأضافت إن "هدف الرياض على المدى المتوسط والطويل هو فصل الحوثيين عن طهران، ولكن لتحقيق ذلك، فإن عليها أولاً ضمان وقف إطلاق النار وبناء علاقات مستدامة مع الحوثيين وفي جميع أنحاء البلاد". وهذا، بحسب الباحثة، يستلزم أيضًا الحفاظ على تواصل المملكة المستمر مع القوة ذاتها التي طالما صورتها على أنها المصدر الرئيسي لمصائبها الأمنية.

وقالت فاكيل: "بعد تعرضها لهجمات إيرانية من اليمن وعلى منشآتها النفطية، أدركت القيادة السعودية العلاقة بين الأمن الإقليمي والازدهار الاقتصادي"، مشيرة إلى أن المملكة تحتاج إلى إنهاء الحرب في اليمن ووقف أي صواريخ ومسيّرات تحلّق في سمائها، لكي تنجح رؤية 2030، وأن كلا الأمرين "يتطلبان الحوار والوساطة مع طهران".

من المرجح أن تكون الخطوات التالية للاستفادة من روح الدبلوماسية النادرة وحسن النية بين إيران والمملكة العربية السعودية التي ظهرت منذ إعادة العلاقات، حاسمة بالنسبة لجهود ولي العهد الأمير محمد لإعادة تعريف صورته الدولية، والتي ارتبطت حتى الآن بشكل وثيق بالصراع في اليمن.

وبينما قال مدير برامج الشرق الأوسط في المعهد الأمريكي للسلام، سرهانج حماسعيد، إن ذلك "سيكون الأمر صعبًا" على الأمير محمد، فقد حدد مساراً للأمير الشاب لانتزاع نصر من تجربته في اليمن.

وقال حماسعيد: "إذا بدا أن إيران، من خلال المشاركة الدبلوماسية، تعمل على الأقل على إبطاء تقدمها الإقليمي، وإذا توقفت الهجمات على المملكة العربية السعودية من اليمن، وإذا تمكنت المملكة من المضي قدمًا في أجندتها الطموحة للاستثمارات والتحديث والقيادة الإقليمية، وعلى الجانب اليمني إذا لم يهيمن الحوثيون بشكل كامل ونجحوا في خلق مساحة للقوى اليمنية الأخرى لتكون جزءًا من الحكومة، قد تكون هذه نقاط إيجابية يمكن أن تقدمها المملكة العربية السعودية وولي العهد، محليًا وإقليميًا ودوليًا".

وأضاف إن المملكة العربية السعودية اضطرت إلى استخلاص الدروس من تأثير الصراع في الشرق الأوسط بعد قرابة عقدين من الغزو الأمريكي للعراق والانسحاب اللاحق الذي بدأ في عام 2011، العام الذي تعرضت فيه المنطقة لمزيد من الهزات بسبب حركة احتجاجات الربيع العربي وبدايات ما سيصبح تنظيم الدولة الإسلامية المسلحة (داعش).

وبما أن الحلول العسكرية لم تنجح، فإن المملكة العربية السعودية، في عهد ولي العهد الأمير محمد، تراهن على المسار الدبلوماسي "لحماية حدودها الجنوبية ووقف الهجمات، لأن تطلعات التحديث ورؤية 2030 وكل هذه المشاريع العملاقة التي تتطلب استثمارات ضخمة من المملكة نفسها ومن المستثمرين الخارجيين، فإن الأمر يتطلب وجود سعودية مستقرة، وشرق أوسط مستقر لا يتعرض لتهديد الطائرات بدون طيار والصواريخ"، وفقًا لحماسعيد الذي يرى أيضاً أن الحل في اليمن والمنطقة العربية يتطلب "مزيجاً من الحوافز الإيجابية لعدم استنزاف الموارد وللمساعدة في تحقيق الاستقرار، مع الاعتراف بدرجة ما من حقيقة أن المواجهة لم تساعد، وأن المشاركة الدبلوماسية ربما تؤدي إلى نتيجة مختلفة".