مع دخول النزاع في اليمن عامه التاسع، إلا أن لا مؤشرات حقيقية على انحساره، ولا يزال المدنيون في جميع أنحاء البلاد يتحملون وطأة الأعمال القتالية والعسكرية والممارسات غير القانونية.
وفي السياق، ارتفعت وتيرة التحركات الأمنية والعسكرية الأمريكية والبريطانية شرقي وجنوبي اليمن، خلال شهر أغسطس الحالي، بشكل ملحوظ، وسط انتشار لقوات من الوحدات العسكرية الخاصة في محافظات شبوة وحضرموت والمهرة، كان آخرها وصول السفير الأمريكي لدى اليمن، ستيفن فاجن، أمس الأربعاء، مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، في زيارة هي الأولى للمدينة، والثالثة لمحافظة حضرموت.
يرى مراقبون أن تكرار مثل هذه التحرّكات والزيارات واللقاءات الأمريكية والبريطانية، التي تأتي دون تنسيق مسبق مع قيادات الدولة، وبلا ترتيبات وحجز بروتكولي معهود، وبالتزامن مع الإعلان عن توجّه جديد في كيفية إدارة المحافظات لذاتها، كل ذلك يُوحي بوجود مشروع أمريكي في المنطقة، خصوصا في محافظة حضرموت.
- تحقيق مصالح
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء، الدكتور ناصر الطويل: "من خلال دراسة أعددتها منذ العام 2019م، وحتى فترة قريبة، فإن هناك ما يربو عن 15 زيارة لوفود أمريكية وبريطانية عسكرية وسياسية وأمنية، للمحافظات اليمنية الشرقية، وهو حضور أكبر من حضور قيادات الدولة، في الوقت الذي كانت فيه قيادات الدولة غائبة عن تلك المحافظات، باستثناء الزيارتين الأخيرتين اللتين قام بهما الرئيس العليمي لكل من حضرموت والمهرة".
وأوضح: "كان هناك فراغ وغياب كامل لقيادات الدولة في المحافظات الشرقية، لا سيما في حضرموت والمهرة، وفي المقابل كان هناك حضور مستمر للوفود الأمريكية العسكرية والسياسية لهذه المحافظات".
وأضاف: "التحركات الأمريكية والبريطانية تشير إلى أهمية هذه المحافظات بالنسبة للأمن الدولي، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والدول الأوروبية، كما تشير إلى أن هذه الدول تسعى لتحقيق مصالحها تحت أي ظروف".
وبيّن "حالة الحرب، التي تشهدها اليمن، لم تكن عائقا أمام السفير الأمريكي لتمنعه عن زيارة سيئون والمكلا والغيضة وعتق، والتجول في هذه المدن، في سبيل تحقيق أهداف ومصالح دولته".
ويرى أن "هناك دوافع ومصالح دولية كبيرة في هذه المنطقة، أهمها الجانب الأمني، الذي يعد الدافع والمحرُك الأساسي للاهتمام الأوروبي، وتحديدا الاهتمام الأمريكي".
واعتبر أن "هذه المناطق كانت محل اهتمام، سواء أثناء حكم الرئيس علي عبدالله صالح، أو في المرحلة الانتقالية التي قادها الرئيس عبدربه منصور هادي، أو في مرحلة الحرب، أو في ظل قيادة المجلس الرئاسي الحالي".
وقال: "الأمريكان لم يغيبوا عن هذه المناطق الشرقية لليمن، ولا من المتوقع أن يغيبوا عنها، لأن لديهم منظور يغلب عليه المخاوف الأمنية، التي جعلتهم ينظرون إلى أن هذه المناطق قابلة لأن تكون منطقة خصبة لتنظيم القاعدة والتنظيمات المتشددة".
- أبعاد اقتصادية
يقول الباحث العسكري والإستراتيجي، الدكتور علي الذهب: "تحركات الأمريكان، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، في المناطق الشرقية لليمن، تأتي في إطار تقاسم مكاسب الحرب، وهذا الاصطلاح يقال قبيل الإعلان عن مبادرة السلام، أو في خضمها، أو في النهايات القريبة من طي صفحة الحرب".
وأوضح: "هذه التحرّكات في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد تأتي وفق تقاسم منح لمليشيا الحوثي، وفقا لاتفاق ستوكهولم، بمحافظة الحديدة، ثم مرحلة إعادة تموضع القوات، التي حصلت في 2021م، وإزاحتها من المناطق الهضبية والجبلية، وتفرغها للمناطق ذات الأهمية الجيوسياسية بالنسبة للنفط، وجوار دول النفط، وحركة تدفق النقل البحري، وسلاسل الإمداد للمسطح المائي قبالة الشواطئ الجنوبية، وجنوبي البحر الأحمر وباب المندب".
وأضاف: "المسألة تتعلق بأبعاد اقتصادية، وربما من مفهوم الأمن الاقتصادي والأمن السياسي، وأمن الطاقة، وهي بمجملها تتعرض لتهديدات؛ منها التهديدات التي تثيرها إيران في خليج عُمان، وبحر العرب، وتهديدات القاعدة، وهي صناعة أمريكية أوروبية غايتها الوصول إلى الدول".
واعتبر أن "المسألة تتعلق أيضا بسياقات الحرب الراهنة، وسياقات التنافس الدولي والإقليمي على المنطقة، وتمثل حضرموت وامتداداتها شرقا وغربا إلى محافظتي شبوة والمهرة، هي الجائزة الكبرى في هذا الصراع".
وأشار إلى أن "هناك تحركا نشطا للاتحاد الأوروبي في المناطق الشرقية لليمن، إلى جانب التحرك النشط العسكري والأمني لبريطانيا وأمريكا، الأمر الذي يظهر تماما أن هذا التقاسم يملي نفسه بقوة، وهو داعم لمشروع غير معلن للمملكة العربية السعودية، بوصفها الجار الذي يتطلع لأن تكون له مصالح إستراتيجية ذات ارتباط عميق ووثيق مع هذه الدول".