ظهر على سطح صنعاء احتدام الخلاف بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام -جناح صنعاء- في تحوّل جديد بين الحليفين الرئيسين منذ ما قبل اجتياح العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م.
يتزامن تصاعد الخلافات في ظل تزايد الاحتقان الشعبي ضد سلطة الحوثيين وحلفائهم في المؤتمر بسبب زيادة الجبايات ورفض الحوثيين تسليم مرتبات الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتهم. كما يتزامن مع عودة الوساطة العُمانية للعمل من جديد بناء على طلب من زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي.
ويدير الحوثيون وحلفائهم في مؤتمر صنعاء تحالفهم عبر المجلس السياسي الأعلى والحكومة. فالقيادي الحوثي “مهدي المشاط” -المدير السابق لمكتب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي- هو رئيس المجلس السياسي الأعلى ورئيس المؤتمر في صنعاء “صادق أمين أبو راس” هو نائب رئيس المجلس. فيما يرأس حكومة صنعاء -غير المعترف بها دوليا- عبدالعزيز بن حبتور وهو عضو اللجنة الدائمة بحزب المؤتمر.
تبادل المشاط ونائبه الاتهامات عبر شاشات التلفزيون. قال أبو راس إن الحكومة فاشلة لا تدفع مرتبات ولا تقدم شفافية ولا خدمات للناس. رد المشاط “أنتم حمقى، فالحماقة تعتبر خدمة للعدو أيضاً، لذلك لا مناص لكم”.
فما أسباب الخلافات؟
تحدثت مصادر في صنعاء من الحوثيين وحزب المؤتمر لـ”يمن مونيتور” حول الوضع بين قيادة الحوثيين وقيادة حزب المؤتمر الشعبي العام والذي يبدو كفصل جديد من صراع الحلفاء المتشاكسون!
أولا: تداول رئاسة المجلس السياسي الأعلى
يتولى المجلس السياسي الأعلى مهام رئيس الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين، وتأسس في 2016، ووفق نظامه الداخلي فيفترض تداول رئاسة المجلس كل ستة أشهر. لكن ذلك لم يحدث، يسيطر الحوثيون على رئاسة المجلس منذ تأسيسه. تحكم الحوثيون بهذا المجلس بعد قتلهم حليفهم رئيس اليمن الأسبق علي عبدالله صالح في 2017 وأعلن “أبو راس” رئيسا للمؤتمر بدلا من “صالح”، ومنذ إعلان مهدي المشاط رئيساً للمجلس السياسي الأعلى يتم تعيينه مرة كل ثلاث ولايات 18 شهراً.
في عام 2021 تم الإعلان عن تمديد مهدي المشاط ثلاث ولايات ونائبه “أبو راس” كان يفترض أن تنتهي في فبراير/شباط الماضي، ثم يعلن عن انتخابات بين أعضاء المجلس الرئاسي التسعة، كان أبو راس يريد أن يصبح رئيس المجلس السياسي.
وحسب مصدر في جماعة الحوثي مطلع على التفاصيل فإن “أبو راس كان قد اقنع غالبية أعضاء المجلس السياسي بالعودة إلى النظام الأساسي ما يعني تدوير المنصب”.
في الاجتماع الأخير بين المشاط وأبوراس في يناير/كانون الثاني الماضي كان الوضع متوترًا، استمر الاجتماع عدة ساعات وتناول الشراكة بين الطرفين. “لم يلتق الرجلين منذ ذلك الحين” حسب المصادر من الحوثيين وحزب المؤتمر.
. أخبر أبو راس مقربين منه حول تداول الرئاسة والعودة للنظام الأساسي، وقال المصدر في حزب المؤتمر: رد المشاط بعنجهية “امسكنا الأمور وهي ضايقه، ما وقت الحلول والكلام عن اتفاق قدك يا ابوراس تدورها”.
في اجتماعات الحوثيين والمؤتمر “اجتماع الشراكة السنوي” في فبراير/شباط رفضت جماعة الحوثي فتح المِلَفّ على الرغْم أن المؤتمر كان وضعه في أجندة الأعمال “فض الاجتماع دون أي ملفات تم مناقشتها”.
في يونيو/حَزِيران الماضي أعلن المجلس السياسي الأعلى التمديد ثلاث ولايات جديدة “المشاط رئيسًا وأبو راس نائبًا”.
“علم أبو راس وأعضاء المجلس السياسي الآخرين من وسائل الإعلام، كان الأمر صادما للجميع”- قال مسؤول في حزب المؤتمر.
ثانيًا، لقاء الوساطة
يعود مِلَفّ الخلاف الثاني إلى رفض جماعة الحوثي أي لقاء بين الوساطة العُمانية وقيادات حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء.
في يناير/كانون الثاني حصل “أبو راس” على تحديث “جهود الوساطة العُمانية من المشاط، لم يكن أمام أبو راس إلا منفذ واحد لما يحدث رغم ان أبو راس نائب رئيس المجلس السياسي”، قال المسؤول في المؤتمر.
حسب المصادر، قال أبو راس لـمهدي المشاط: يفترض أن تلتقي الوساطة قادة الأحزاب وأعضاء مجلس النواب ليتأكدوا أن رؤيتنا مع رؤيتكم. رد المشاط: رؤيتكم هي رؤية أنصار الله، وما نريد مندسين يفككوا صفنا أمام الوسطاء.
وفي أبزيل/نيسان الماضي رفضت الجماعة طلبا من المؤتمر للقاء السفير السعودي محمد آل جابر، والوفد العماني.
وفي الشهر الماضي أغسطس/آب رفضوا طلبا من المؤتمر وأعضاء في برلمان صنعاء للقاء الوساطة العمانية.
ثالثًا، استهداف المؤتمر وموظفيه
في العامين الماضيين 2021 و2022 رفض الحوثيون منح “صادق أمين أبوراس” ومؤتمر صنعاء ترخيص الاحتفاء بتأسيس الحزب. هذا العام شهر أغسطس/آب الماضي سمح الحوثيون للحزب بتنظيم فاعلية ذكرى التأسيس.
مع ذلك قال أعضاء في اللجنة الدائمة في الحزب لـ”يمن مونيتور”: جرى حظر تعليق لافتات وشعارات الحزب في الشوارع القريبة، كما منعوا رفع صور علي عبدالله صالح -الرئيس السابق للحزب- وأمين عام الحزب عارف الزوكا اللذان قُتلا معًا نهاية 2017 على يد الحوثيين.
إلى جانب التهميش في أعلى سلطة سياسية للطرفين يستهدف الحوثيون أعضاء المؤتمر في الوظيفة العامة منذ سنوات: تم طرد آلاف الموظفين الحكوميين -من الأعضاء والموالين للمؤتمر- واستبدالهم بحوثيين، أو تقليص صلاحياتهم من مؤسسات الدولة. حسب عضو في اللجنة الدائمة تحدث لـ”يمن مونيتور”.
معظم أعضاء حزب المؤتمر الذين تحدثنا إليهم في صنعاء قالوا لـ”يمن مونيتور” يبدون ناقمين من “أبو راس” وعبدالعزيز بن حبتور تجاه تحكم الحوثيين “بكل شيء فيما لم تتحرك قيادة الحزب لردعهم”.
ويشير العضو في اللجنة الدائمة إلى أن “سلوك الصمت وعدم التفاعل مع الشكاوى أفقدنا الكثير من الأنصار، بدأ المؤتمر يتسرب من بين أيدينا دون فعل شيء”. يزيد ذلك من انقسام الحزب الذي ترأسه صالح منذ 1982 وحتى 2017.
اعترف أبو راس أن جناح الحزب الذي يترأسه لديه نصف الحكومة ومعه قيادات بأعلى هرم في مجلسها السياسي الأعلى، لكنهم ليسوا سوى أشخاص مهمشين يعجزون عن القيام بأي خطوة، نظرًا لتحكم الأجهزة الحوثية بإدارة كافة الوزارات والمؤسسات في صنعاء وغيرها، وتولي مهام إصدار القرارات والتوجيهات.
وقال أحد أعضاء الحزب: ليس هذا فقط فقد تم تشويه صورة الحزب وتخوينه عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام الجماعة، ودائمًا ما يتعمد الحوثيين ابراز الحزب على انه حزب بتيارات ثلاثة بصنعاء وابوظبي والرياض قائم على الارتزاق والخيانات وبيع الوطن.
رابعًا: معالجة أزمة الرواتب والموازنة
رفض الحوثيون مرارًا مطالبات حزب المؤتمر وأعضاءه في البرلمان بتقديم الموازنة العامة للدولة، كما رفضت الجماعة حلولًا بشأن حل أزمة رواتب الموظفين الحكوميين.
وقال أبو راس في كلمته في ذكرى تأسيس المؤتمر: “للمواطنين الحق أن يتكلمون عن مرتباتهم لأنه حق، أي واحد يتكلم عن المرتب حقه يجب أن ننظر إليها بعين الرحمة والشفقة بأن نوفر لهم ما نستطيع”.
ورد مهدي المشاط في كلمة متلفزة بعد أيام أن الذين يطالبون بالرواتب “أعداء”، مضيفًا: “إخواني جميع الموظفين في الجمهورية اليمنية، قولوا للمزايدين للحمقى كفى بالمزايدة بمعاناتكم”.
وطالب أبو راس بالشفافية وعرض ميزانية الحكومة وإيراداتها بما في ذلك الإنفاق على الجيش والأمن.
ورفض المشاط كلام أبو راس واتهمه بتنفيذ خُطَّة السفارة الأمريكية: “البرنامَج الموجود في خِطَّة السفارة الأمريكية بالرياض، من شهر يوليو 2023، عنوانه “الشفافية”، كل الكتابات وكل الهرطقات وكل الدعايات تأتي تحت هذا العنوان؛ شئتم أم أبيتم”.
وكان المؤتمر قد عرض أن تسلم رواتب الموظفين الحكوميين بشكل شيكات آجله “كالتزام من قبلها حال توافر الأموال أن تصرف لهم جميع مرتباتهم دون نقصان”.-حسب ما أفاد “أبو راس”
ورد المشاط: “ما ينقصنا التنظير هذا، إحنَا درسناه بعناية، ودققنا عليه بعناية، وسيصبح مشكلة، يعني لو آتي أصرف لكل موظف شيكا كما نسمع هذا يعني السحب على المكشوف، السحب على المكشوف يساوي طباعة العملة لدى المُرْتَزِقَة”.
في كلمته 2020 شكا “أبو راس” من سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة، ودعاهم لتشكيل حكومة خاصة بهم، وقال: إن وضع” “خمس جنابي (مفرده الجنبية: الخنجر اليمني المعروف) في جفل (غَمد) واحد ما يركبش”. في إشارة إلى مزاحمة الحوثيين وسيطرتهم على مؤسسات الدولة والمسؤولين.
واتهم أبو راس “اللجان الشعبية” التابعة للحوثيين بالسيطرة على المحاكم والقضاء و ”إحلال أنفسهم بدلاً من الهيئات الأمنية والقضائية في البلاد”.
تحالف متشاكس
حسب المسؤولين الحوثيين والسياسيين في المؤتمر، فإن مستقبل تحالف الطرفين سيستمر فالخيارات الأخرى تكاد تكون “مقفلة” مع أفضلية للحوثيين.
وقال مسؤول في جماعة الحوثي مطلع: لا خيار إلا البقاء في تحالف مع صادق أمين أبوراس، هم غطاء سياسي والحليف السياسي الوحيد الموجود في صنعاء.
أما بالنسبة للمؤتمر فيقول العضو في اللجنة الدائمة: أن البديل هو الخروج من صنعاء، وسنفقد شعبيتنا أكثر، سنستمر في النضال من داخل الحكومة وسنحوز الفرصة للإثبات أننا ما زلنا أكثر قوة وتأثير في أي اتفاق سلام قادم.
وتحدثت المصادر لـ”يمن مونيتور” في هذا التقرير شريطة عدم الكشف عن هويتها لأنها غير مخولة بالحديث لوسائل الإعلام.