تصاعدت الاحتجاجات النقابية والمهنية في أمانة العاصمة ومحافظات أخرى خاضعة لمليشيات الحوثي للمطالبة بالمرتبات، من قبل موظفي الدولة، وعلى رأسهم نادي المعلمين، أكبر قطاع حكومي يعاني من انقطاع المرتبات. وفي الأول من يوليو الماضي، أعلن عدد من المعلمين والتربويين في صنعاء تشكيل اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين والمعلمات اليمنيين، لانتزاع حقوقهم، بعد قطع مرتباتهم من قبل مليشيا الحوثي في سبتمبر2016، واختارت اللجنة الشيخ أبوزيد الكميم نائب مدير التربية بالسبعين بالأمانة رئيسا للنادي. وحدد النادي مبادئه بأنه يعترف بحكومة الحوثي (غير المعترف بها) وأكد أن تحركه يقتصر فقط على مطالبه المشروعة المتمثلة في الرواتب والحقوق والعلاوات وكل الحقوق المنصوص عليها قانونا، ونفى تماما أن تكون له أهداف سياسية أو مصالح أخرى غير حقوق المعلمين المشروعة. كما أكد في سلسلة من بياناته وتصريحات خاصة لـ"يمن شباب نت أن كل وسائل تحركاته مشروعة وقانونية ودستورية، وكذا انطلاقا من خطابات زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي التي كان يحث فيها على مقاومة الفساد قبل سقوط صنعاء بيده، وحق الناس في التحرك لانتزاع حقوقهم، ومرتباتهم. ورفض نادي المعلمين الأعذار الحكومية الحوثية، واتخذ موقفا صارما من مسألة ربط المرتبات بالتحالف والسعودية، وقال إنه يريد مرتباته من حيث يستلم أعضاء المجلس السياسي الأعلى ومجالس النواب والوزراء والشورى وغيرهم من الجهات مرتباتهم، وبالتحديد من البنك المركزي في صنعاء. الإضراب عن العمل في أول بيان للنادي صدر في تاريخ20 يوليو الماضي، أي قبل بدء العملية التعليمية بيومين فقط، قال إن اللجنة التحضيرية عقدت وتواصلت مع آلاف المعلمين والتربويين، في مختلف المحافظات، اجتماعات وتواصل متعدد، وخرجوا جميعا بقرار تشكيل النادي، والانضمام إليه، واعتباره تجمعا نقابيا جديدا لهم، لا يعترض على وجود نقابات أخرى سابقة. وأضاف، إن النقاشات التي أجرتها اللجنة التحضيرية مع آلاف المعلمين قرروا أن الإضراب الشامل هو الوسيلة الفعالة لانتزاع مرتباتهم، بعد أن صبروا ثمان سنوات، وأصبح حالهم لا يسر صديقا ولا عدوا، وفق بيان النادي. وندد البيان ذاته، بلجوء الحكومة (حكومة الحوثي غير المعترف بها دوليا) إلى خدعة الحافز لثني المعلمين عن الإضراب، الذي خدعت به المعملين مرات كثيرة، وتجاهلت معاناة المعلمين، رغم صرفها نفقات هائلة لجهات أخرى. واتهم البيان حكومة الحوثي بأنها لم تقدر صبر التربويين والتربويات طوال السنوات الماضية، وكما لم تقدر دورهم في الوقوف صفا واحدا بالميدان التربوي أثناء الحرب، مجددا مطالبه بصرف المرتبات كاملة ودون انقطاع، لكل الموظفين في التربية والتعليم، بما فيهم الإداريين والموجهين، وكل طاقم العملية التعليمية دون استثناء أحد. وحدد المطلب الثاني بجدولة جميع الرواتب المتأخرة للسنوات الماضية عن طريق جدولتها وفق آلية مناسبة ترضى جميع المعلمين، وتضمن حقوقهم من الضياع. (في وقت لاحق طالب النادي بصرفها دفعة واحدة.) واعتبر النادي الاستجابة لشرطيه أولا، مقدمة لعودة المعلمين للتدريس. وتركزت بيانات النادي لاحقا في توضيح أخبار الإضراب ومدى التفاعل معه، وقالت مصادر رفيعة في النادي لـ"يمن شباب نت" إن مئات المدارس لم تفتح حتى الآن في الأرياف، بعد أكثر شهر وعشرين يوما من بدء العملية التعليمية استجابة لإضراب النادي، بينما عمدت الحكومة الحوثية في صنعاء إلى خطة طوارئ خصوصا في المدارس الكبرى بأمانة العاصمة ومراكز المحافظات. تدمير العملية التعليمية اعتبرت اللجنة الإعلامية لنادي المعلمين في بيان لها مؤخرا تعليقا على صرف مليشيا الحوثي حافزا ثانيا، أن الجماعة "تهدف إلى تدمير العملية التعليمية". وقال إن صرف الحافز جاء نتيجة لإضراب المعلمين، لكنه لم يستطع كسره، وإنما دمر العملية التعليمية، ولم يعد عشرات آلاف الكوادر التعليمية إلى العمل، كما لم يلغ خطة الطوارئ الحوثية للتعليم، التي أجهزت على ما بقي من عملية تعليمية. وأوضح أن، لم تشمل جميع العاملين في الحقل التعليمي وخاصة الموجهين الذين هم صلب العملية التعليمية، ولا الإداريين. وقال رئيس النادي أبوزيد الكميم إن خطة الطوارئ الحوثية جريمة كبرى بحق التعليم لم تنه الإضراب بل دمرت أركان العملية التعليمية. وأكد بيان النادي أن مليشيا الحوثي ألحقت 15 ألف شخص من خارج الحقل التعليمي بالتدريس، لكسر الإضراب، الأمر الذي أصاب التعليم بضرر بالغ، وأدى إلى تسرب معظم الطلبة عن التعليم، لافتا إلى أن مدارس كبرى في أمانة العاصمة كانت تتسع ل4000 طالب، لم يعد يلتحق فيها مؤخرا سوى 500 طالب فقط. كما أكد ثقته بنجاحه وعزمه في تحقيق مطالبه، وقال "إن النادي الذي أجبر الحكومة على صرف هذه حافزين في فترة وجيزة سيجبرها على صرف المرتبات شهرياً وكاملة، بدون انقطاع، ولا يمكن غير ذلك ولو سلمت الحكومة ألف حافز، فمطلب الجميع هو المرتبات والإضراب من أجل المرتبات". وأشار إلى إن خطة الطوارئ تدمر العملية التعليمية وتقوم على أساس تقليص الحصص الدراسية من 20 حصة في الأسبوع للمدرس إلى ما 4 حصص فقط، في محاولة حوثية يائسة لاحتواء الإضراب. خطف واقتحامات قالت مصادر تربوية في نادي المعلمين لـ"يمن شباب نت" إن مليشيا الحوثي خطفت رئيس النادي في محافظة المحويت ناصر القعيش وأخفته خارج القانون، ولا يعرف مصيره حتى الآن. كما اقتحمت المليشيا عدة مدراس وخطفت مدرسين من مدرسة النهضة في المحويت، ومدرسين من وصاب وآخرين في إب. وحصل "يمن شباب نت" على معلومات حصرية تفيد ببدء عملية استجواب قام بها جهاز الأمن والمخابرات الحوثية لعدد من قادة نادي المعلمين في عدة محافظات الأسبوع الجاري. وتحدث عدد من التربويين في عدد من المحافظات من نادي المعلمين عن تهديدات حوثية واقتحامات وخطف في محاولة من المليشيا (يسميها المعلمون الحكومة) لإنهاء الإضراب. نجاحات نادي المعلمين استدعى مجلس النواب الموالي للحوثي في صنعا ابتداء من نهاية يوليو الماضي وزير التربية والتعليم الحوثي يحيى الحوثي ووزير المالية رشيد أبولحوم. فيما امتنع وزير التربية عن الحضور، وأحضر نائبه خالد جحادر بعد تهديد من المجلس بسحب الثقة عنه. وأسفرت التحركات التي قادها نادي المعلمين إلى سلسلة من الاجتماعات في مجلس النواب الموالي للحوثي مع الحكومة، وضغط شديد على وزرائها، أدت إلى كشف سلسلة من الجبايات والضرائب التي يجبيها الحوثي قسرا. ومن ضمن هذه الجبايات، مبلغ مليار و200 مليون دولار قيمة تراخيص اتصالات الفورجي في صنعاء كشفها أحد أعضاء المجلس، كما كشف بسام الشاطر عن سلسلة من الضرائب التي يجبونها بدون قانون من موانئ الحديدة تبلغ قيمتها عشرات المليارات. كما أسفرت عن قرار لمهدي المشاط برفع الضرائب المخصصة لصندوق المعلم الذي يرأسه يحيى الحوثي بنسبة 100%. وكان القيادي الحوثي مهدي المشاط أعلن بداية أغسطس الماضي أنه قرر ترميم وبناء 28 مدرسة في المحويت ضمن تحركات حوثية تهدف إلى إنهاء الحركة الاحتجاجية المتصاعدة من قبل نادي المعلمين.
لم يمض أيام على تشكيل نادي المعلمين حتى انتشرت مجموعات جديدة على وسائل التواصل الاجتماعي من موظفين آخرين للمطالبة بالمرتبات، مثل نقابة موظفي الكهرباء، وتجمع الموظفين المطالبين بالمرتبات، وغيرها من المجموعات في وسائل التواصل اجتذبت عشرات آلاف الموظفين. النجاح الأهم للنادي وفق تصريح واحد من اللجنة التحضيرية لـ"يمن شباب نت": "كسرنا حاجز الخوف في نفوس الناس"، وهو الأمر الذي دفع برئيس المؤتمر الشعبي العام صادق أبوراس نائب رئيس المجلس السياسي الأعلى للجوثي إلى إعلان موقفه وموقف حزبه بالتضامن مع المطالبين بالمرتبات، وأن لهم الحق في رفع أصواتهم. وقال أبورأس أوفي كلمته أواخر أغسطس الماضي بمناسبة ذكرى الحزب إنه منع كوادر الحزب من تنظيم فعالية جماهيرية له في السبعين بمناسبة الذكرى، غير أنه يؤيد مطالب الموظفين، واقترح أن تصرف لهم الحكومة شيكا بنكيا بحقوقهم خلال السنوات الماضية. الأهم من ذلك طالب حكومة الحوثي بعرض الموازنة وكشف الإيرادات والنفقات علانية وأن تكون الشفافية هي الأساس. كرامتي في راتبي اتخذ نادي المعلمين عددا من الشعارات التي تنطلق من مبادئه وأهدافه، وكان أبرز شعار اتخذه النادي كرامتي في راتبي، وسلسلة من الشعارات المرافقة: مثل من يحكمني يصرف مرتباتي. وقال المحلل السياسي سليم عبدالعزيز إن هذا الشعار "الكرامة تربط بالحرية كمبدأ والراتب بوصفه جزء في الكرامة ..الكرامة ترتبط بالسمو والرفعة بالبعد عن الألم وصولا لأنها تفضي إلى السعادة.. الكرامة" وأضاف عبدالعزيز لـ"يمن شباب نت": " كرامتي في راتبي تجسيد للمسئولية وحق من حقوقي في الحياة ..إذ يمس انعدامه مسا بحياتي/بكيانيتي، والمس بالحياة بالكيانية مسا بالعدالة والحرية. أي ان المعلم يربط كرامته بكرامة الشعب وكرامة الوطن وكرامة الجميع وليس كرامة فئة على فئة". رد الفعل الحوثي في الأيام الأولى للإضراب تجاهلت الحكومة الحوثية أن يكون هناك أي إضراب، ثم اضطر يحيى الحوثي رئيس صندوق المعلم لعقد مؤتمر صحفي نهاية يوليو الماضي يقول فيه إن إيرادات الصندوق لا تزيد عن سبعة مليارات في السنة، بينما تزيد وفق مزاعمه قيمة المرتبات السنوية للموظفين في التربية والتعليم عن 80 مليار ريال سنويا.. يتهم أعضاء مجلس النواب الموالي للحوثي بصنعاء الصندوق بمنح وزارة المالية ستة مليارات ريال من أموال الصندوق دون مبرر. قبل أيام أعلنت مليشيا الحوثي صرف حافز يبلغ 30 ألف ريال لكل معلم عامل (دون عدد من الإدارات) يساوي 50 دولارا بسعر الصرف في صنعاء لاحتواء الإضراب. قال مصدر كبير في نادي المعلمين لـ"يمن شباب نت": "قلنا للمعلمين استلموا الحافز وواصلوا الإضراب، نحن نريد انتظام المرتبات وليس حوافز وخدع". كان الرد من عبدالملك الحوثي بعد ثلاثة أسابيع من الإضراب بأن ما يقومون به فتنة ومؤامرات وقال عبدالملك الحوثي عن الإضراب بشكل غير مباشر "مؤامرات الأعداء لإثارة الفتن في الداخل تحت عناوين متعددة، عناوين ومشاكل اجتماعية، سياسية". ورفع الحوثي حدة تهديده بأن البلاد تعيش حالة حرب، وليست حتى هدنة، بل خفض التصعيد، وتوعد باستهداف السعودية والإمارات. كما يبدو أنه دخل في مرحلة من سوء العلاقات مع سلطنة عمان، بالقول إنه "منحها الوقت الكافي للوساطة"، ثم طلب زيارة وفدها إلى صنعاء استمر عدة ايام دون الخروج بنتائج، منتصف أغسطس الماضي، هدفت الزيارة لاتخاذ خطوات تفاوضية من أجل التفاوض القادم. واعترف عبدالملك الحوثي بأن الأوضاع في مؤسسات الحكومة بمناطق سيطرته تحتاج تغييرا جذريا شاملا، ومنذ شهر لم يطرأ أي شيء من وعود التغيير، بل شكك آخرون بانقسام الجماعة مثل محمد المقالح الذي كتب بأن قادة الجماعة في صنعاء مستعدون للحرب ضد عبدالملك الحوثي إن حاول إزاحتهم. أما مهدي المشاط فقد واصل الهجوم على المعلمين والموظفين، ووصفهم في سلسلة من الخطابات أبرزها نهاية الأسبوع الماضي في عمران بأنهم حمقى وغوغاء ويخدمون العدو وسيردعهم القانون وفق توصيف المشاط. كما حرض عليهم الموظفين واتهمهم بأنهم من عرقلوا صرف المرتبات بعد أن وافق التحالف حد زعمه على صرفها.
كما شن هجوما حادا على رئيس مؤتمر صنعاء صادق أبوراس وأعضاء مجلس النواب اتهمهم بالخيانة وتسريب البيانات والمعلومات، وتحريض الشارع لاستقطاب سياسي، ومازال المشاط وقادة الجماعة يتوعدون بالمزيد. وأدت حدة الاستقطاب الناتج عن الإضرابات وتحركات المعلمين وأساتذة الجماعات والنقابات المهنية إلى سلسلة من زيارات لمهدي المشاط لعدد من المحافظات بما فيها صعدة يدعو فيها الناس إلى أن يكونوا أتباعا مخلصين لعبدالملك الحوثي، وافتتاح مشاريع ممولة من المنظمات الدولية أو مبادرات أهلية للتنمية في عدة محافظات مثل صنعاء وعمران والمحويت وصعدة. أكثر من ذلك قال عبده الجندي القيادي في المؤتمر الشعبي العام في مقابلة له قبل أيام على قناة اللحظة الحوثية إن "هناك حديثا يدور بين كبار القادة الحوثيين، على أهمية إزاحة مهدي المشاط من منصبه، نتيجة فشله في الحكومة". لكن مهدي المشاط قال بعد ذلك إنه استلم دولة بعد مقتل الصماد من تحت الصفر وأعاد بناءها وإيقافها على قدميها، في مؤشر واضح للدفاع عن نفسه أمام خصومه من الجماعة نفسها.ما نقلت عدة مواقع محلية أحاديث يجري العمل عليه لإلغاء منصب رئيس الحكومة، وإزاحة بن حبتور من رئاستها وإلحاق الوزارات بمهدي المشاط على الطراز الإيراني.