يمني

الرياض وإعادة مشهد «ظهران الجنوب».. بين إقصاء الحلفاء وإنقاذ الحوثي!

قبل سنة 1 | الأخبار | اخبار الوطن

على متن طائرة عمانية وبرفقة وفد من مسقط .. يعود اليوم ناطق جماعة الحوثي محمد عبدالسلام بعد 7 سنوات لزيارة السعودية في محاولة جديدة لصناعة السلام وانهاء الحرب في اليمن.   ورغم الفارق الزمني بين الزيارة الأولى التي جرت في مارس عام 2016م والثانية التي ستبدأ اليوم ، الا أن التطابق بين ظروف الزيارتين قد يعكس مؤشراً سلبياً بفشل المحاولة الجديدة كما فشلت سابقتها.   بل ان سقف التفاؤل في المحاولة السابقة كان أعلى بكثير عن ما هو عليه اليوم ، بالنظر الى مخرجات مفاوضات "ظهران الجنوب" وهي المنطقة التي شهدت المفاوضات بين الرياض وناطق الحوثي ، واثمرت اتفاقات سرعان ما تم تطبيقها على الأرض.   حيث تمخض مشاورات ظهران الجنوب عن تشكيل لجان تنسيق بين الجماعة والحكومة والسعودية للإشراف على تطبيق الهدنة الأممية التي أعلنت حينها ، وكان لافتاً مشهد أعضاء من هذه اللجان وهم يقومون بنزع  ألغام زرعها الحوثيون على الحدود مع السعودية .   بل وصل منسوب التفاؤل حداً غير مبسوق بعد التصريحات اللافتة التي أدلى بها ناطق الجماعة تجاه الرياض في حوار اجراه مع صحف سعودية ، وصل الى حد ادعاءه بإن الحرب ضد السعودية كان بسبب "تجار الحروب" و "طرف ثالث يريد أن تستمر الوقيعة لاستفادته من الحرب".    تغزل ناطق الحوثي بالسعودية جاء من داخل العاصمة الكويتية وقبل أيام من انطلاقا لمفاوضات بين الجماعة والحكومة الشرعية برعاية أممية ، وكانت هذه المفاوضات احدى التفاهمات التي جرت بين الجماعة والسعودية في ظهران الجنوب ، ما رفع السقف عالياً حينها بأسدال الستار على مشهد الحرب في اليمن.   لم يدم هذا التفاؤل لأكثر من 3 أشهر وهي المدة التي استغرقتها مفاوضات الكويت ، لكنها فشلت في التوصل الى أي نتيجة جراء تعنت جماعة الحوثي بعد ان وصلت المفاوضات للقضايا الرئيسية كتشكيل الحكومة الانتقالية وتسليم الأسلحة الثقيلة ، ليمثل فشل المفاوضات إعلاناً بانهيار تفاهمات ظهران الجنوب مع السعودية ولتعود الحرب من جديد وبوتيرة أشد.   تبخر مشهد السلام الذي صنعه سراب "ظهران الجنوب" سريعا ، أعاد المشهد الحقيقي للصراع في اليمن واسبابه الحقيقة المتمثلة في وجود جماعة لا تؤمن الا بلغة الحرب ولا يمكن لها ان تعيش من دونها، وان السلام يعني فناءً لها من الوجود ، وان رفع راية السلام لم ولن تكن الا في لحظة ضعف وهزيمة تبحث فيها عن استراحة محارب لالتقاط أنفاسها.   فلم يهرع الحوثي مطلع عام 2016م نحو ظهران الجنوب الا فراراً من سلسلة الهزائم العسكرية الساحقة خلال الأشهر الأولى من الحرب وانهيار مليشياته وطردتها من محافظات الجنوب بالكامل وانتقال مقاومة تعز ومأرب نحو الهجوم وتحرير مساحات واسعة من المحافظتين ، ووصول قوات الجيش الوطني الى مشارف صنعاء بسقوط فرضة نهم.   وهو ذات المشهد الذي تكرر عام 2022م بقبول الحوثي للهدنة الأممية عقب الهزيمة العسكرية على يد قوات العمالقة في شبوة والتي قضت على أحلامه بالوصول الى حقول النفط في شبوة ومأرب وعجزه عن المواصلة عسكرياً بعد الفاتورة الباهظة التي دفعها لتحقيق هذا الحلم والتي تجاوزت الـ 50 الف قتيل وجريح وفق تقديرات محلية.   وفي حين مثلت الهدنة طوق نجاة للحوثي وحفظ لماء وجه من الهزيمة المذلة عسكرياً، الا انها تحولت اليوم الى تهديد بهزيمته الأخيرة على يد اليمنيين في مناطق سيطرته ، بسبب تصاعد المطالب بصرف المرتبات ، وسقوط ذريعة الحرب من يد الحوثي مع استمرار الهدنة للعام الثاني.   يدرك الحوثي صعوبة مواجهة هذه المطالب بسقوط ذريعة الحرب لنهب الإيرادات والجبايات التي يفرضها بمناطق سيطرتها ، وفي نفس الوقت يدرك ايضاً عجزه حالياً عن اتخاذ قرار العودة للحرب ونسف الهدنة ، فلا تزال الظروف غير مهيأة بالنسبة له لتدشين جولة جديدة من الحرب.   لذا يهرع الحوثي من جديد نحو الرياض باحثاً عن اتفاق تحت لافتة السلام يضمن له استمرار اتفاق التهدئة مع الحصول على امتيازات جديدة على رأسها ملف المرتبات من عائدات النفط والغاز بالمناطق المحررة ، ما يضمن له استمرار نهب الإيرادات وفرض الجبايات لتمويل جولته القادمة من الحرب.   يظهر الحوثي واضحاً بنواياه وأهدافه من خلال سلوكه المعتاد بالأمس واليوم ، تبقى الغرابة فقط في التفاؤل الوهمي من أن مشهد السلام اليوم معه لن يكون مشابهاً لمشهد الأمس ، وان مشهد الرياض اليوم سيكون مختلفاً عن مشهد ظهران الجنوب بالأمس.   وبعيداً عن محاكمة نوايا الجانب السعودي ، الا أن المثير هو عدم تداركه لخطأ تجربة ظهران الجنوب المتمثل في فتح نافذة تفاوض مباشر مع الحوثي بعيداً عن حلفاءه على الأرض والاقتناع بان ذلك هو اقصر الطرق للسلام او حتى للخروج من المشهد اليمني باقل الخسائر ، كما هو حاصل اليوم بالمفاوضات الجانبية منذ عام بين الرياض والحوثي برعاية

عُمانية بعيداً عن قوى على الأرض المنضوية في مجلس القيادة الرئاسي بل وحتى عن الحليف الآخر المتمثلة بالأمارات.   فإلى جانب خطورة ان هذا الاتجاه يثبت اكذوبة الحوثي بان الحرب في اليمن هي حرب مع الخارج او ما يسميه "العدوان" ، فأنها تعد محاولة القفز على حقيقة ان الحرب في اليمن هي بالأساس صراع داخلي قائم بين عصابة مسلحة تدعي الحق الإلهي بالحكم وبين باقي اليمنيين ، والقفز على ذلك لا يعني سوى السقوط السريع والفشل كما حصل في تجربة ظهران الجنوب التي تبخرت مع اول امتحان حقيقي لبحث حل للصراع والمتمثل بمفاوضات الكويت.    كما ان الخطورة الحقيقة تتمثل اليوم وكما حصل بالأمس ، في مد يد الإنقاذ للحوثي تحت وهمش السلام في لحظة حرجة تكون فيها هذه العصابة مذعورة من مشهد الهزيمة وعاجزة عن الوقوف ، لتلجأ الى السلام كـ "تقية" سياسية تنقذها من الهلاك.