في تاريخ الأوطان "يوم أسود" تتهاوى فيه الحدود الفاصلة بين "الدولة" و"الفوضى"، وتكتب فصلا قاتما تخسر فيه الدولة الوطنية مكانتها قسرا.
اليمن ليس استثناء من هذه القاعدة، ففي مثل هذا اليوم 21 سبتمبر اجتاح الحوثيون صنعاء، ليدخل اليمن في نفق مظلم ويعيش البلد أعواما حالكة السواد، لا صوت فيها إلا للجور والظلم والإجرام.
في 21 سبتمبر 2014 انقلبت مليشيات الحوثي على السلطة الشرعية المعترف بها دوليا، لتتضاعف معاناة اليمنيين مع تلك "النكبة"، ليوصف هذا اليوم بـ"اليوم الأسود" في تاريخ البلد، الذي تحول من"اليمن السعيد" إلى "تعيس".
و رصد يمنيون آثار انقلاب الحوثي ابتداء من اتساع رقعة الفقر، حتى تدمير اقتصاد البلد ومصادرة أموال الدولة، وتهجير وقصف وقتل واختطاف الآلاف من المدنيين من الأبرياء.
وقالت إن "المليشيات الحوثية اتخذت من اجتياحها العاصمة صنعاء وانقلابها على الدولة والعبث في مؤسساتها، مصدرا لتمويل حربها ضد أبناء الدولة أنفسهم، وتنفيذ أجندتها الطائفية الإيرانية".
وطبقا لرئيس مركز جهود للدراسات باليمن عبدالستار الشميري، فإن الفكرة الحوثية، تقوم على 4 مرتكزات، وهي الجباية والنهب كاقتصاد غنيمة، والخرافة والولاية كمنهج ومرجعية، والقتل والدم كسلوك وممارسة، وأخيرا العنصرية أو السلالة كرؤية تتخذها في ممارسة أعمالها الطائفية.
وأضاف السياسي الشميري، أنه "من خلال هذه المحددات السيكولوجية المستقرة لدى مليشيات الحوثي، يمكن القول إن المليشيات تؤسس مع سبق إصرار وترصد لقطيع يؤمن بالخلافة والخرافة والولاية ويستثمرونه في جبهات القتال، لتحقيق مصالح أجندتها الخارجية وقياداتها".
وأوضح أن انقلاب الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر جعل البعض يقرأ الظاهرة الحوثية من نافذة القبيلة والمذهب أو من زاوية السلالة السياسية، ويحاول تفسير كيف انتقلت المليشيات من سوق القات إلى الكراهية والحرب وقفزت إلى الدولة، دون الحفر عميقا في الجذور والتأثر بالخمينية (نسبة إلى مؤسس النظام الإيراني).
وحول التخلص من آثار نكبة الـ21 من سبتمبر، أشار الشميري إلى أنه "من خلال التفسير التاريخي، يمكن الوصول إلى خلاصة أن هذه السمات التاريخية قد تمنح المليشيات الحوثية شيئا من الاستمرار لعقود من الزمن، لكنها لن تمنحها الاستقرار، أسوة بأسلافها، الهادوية والجارودية وحتى الخمينية، حيث يرفضهم المجتمع عبر موجات رفض أفضت في النهاية إلى الخلاص".
وأضاف أنه "ربما فرصة الحوثيين في البقاء لفترة أطول كونها هذه المرة وجدت آليات دولة جاهزة بعد انقلابها وشنها حربا ظالمة مكنتها من إدارة شيء من الحكم بطريقتها عن طريق الاستحواذ على السلطة وممارسة وظائف الهيمنة الأيديولوجية".
وفيما نبه إلى أن "ذلك كله يسقط بتراكم نقاط غضب الناس في اليمن والسخط الذي يبدأ قطرات حتى يفيض السيل على كل شيء"، قال إنه "لن يستطيع النهر الآسن الذي حفر مجراه على الصمود، مهما رفع شعار (صامدون)، أو حاول اختراق بنية المجتمع وتأسيس هويات قاتلة جديدة".
ما قاله الشميري أكد عليه عضو اللجنة المركزية في الحزب الاشتراكي اليمني الدكتور السياسي عبدالرحمن الأزرقي، مشيرًا إلى أن تاريخ نكبة 21 سبتمبر "هو يوم أسود ويوم كئيب على مستوى كل اليمنيين".
واضاف السياسي الدكتور عبدالرحمن، أن دخول مليشيات الحوثي صنعاء وانقلابها على الدولة بقوة السلاح كان بداية عودة لمرحلة الإمامة وعودة مفاهيم القرون الوسطى بالحق الإلهي في الحكم، وتقييد الحريات والمساواة في المجتمع والديمقراطية.
وعلى البعد الاجتماعي شكّلت الحركة الحوثية ارتدادا حقيقيا إلى ما قبل الثورة اليمنية؛ ثورة 26 سبتمبر، بفكرة التقسيم لطبقات السادة كما كان يطلق على حكام سابقين كانوا يدعون أنهم من آل البيت، باعتبارهم يتميزون عن غيرهم، ويدعون بأحقية دينية وطائفية في الحكم وإدارة البلد.
وأشار الأزرقي إلى أن المليشيات عملت على تمزيق اليمن.
واعتمدت المليشيات الحوثية على الركائز القبلية عبر إغرائها بالمال من جهة، وبقوة السلاح من جهة ثانية، ما ترك أثرا سلبيا عند كل اليمنيين، بحسب السياسي اليمني.
واعتبر الأزرقي أن يوم 21 سبتمبر هو اليوم المناقض لثورة 26 سبتمبر/أيلول، من خلال عودة مليشيات الحوثي للحكم تحت قوة السلاح وإرهاب المواطنين وإجبار الناس بالعنف على تنفيذ مطالبها.
وتقوم المليشيات على الحكم بقوة السلاح، وترهيب المجتمعات الواقعة في مناطق سيطرتها، والجبايات الهائلة التي تفرضها على المواطنين والتجار والقطاع الخاص والانتهاكات والمظالم بحق المواطنين، لكن هذه التصرفات ستكون هي العامل الحاسم في إنهاء دور المليشيات.
كما أن النظام عند مليشيات الحوثي هو نظام قائم على جبايات وجمع أموال بطرق غير قانونية ونهب مدخرات المواطنين، حيث تفرض على المواطن أعباء لا يقدر على حملها، وبعد أن عمدت إلى تدمير الاقتصاد في البلد.
ويعتبر اليمنيون أن يوم 21 سبتمبر هو من الأيام الكالحة السوداء في حياة أبناء الشعب اليمني، خاصة أنه لا يزال المواطن اليمني إلى الآن يتجرع ويلات وأعباء النكبة الحوثية.
ويعتبر المواطن اليمني فيصل الحاج (54 عاما) أن حرب المليشيات طالت مختلف حياة اليمنيين، كما حدث معه من تهجير قسري من منطقة الجراحي غربي محافظة الحديدة، وخطف أحد أبنائه دون أية أسباب.
ويشير إلى أنه مثل الآلاف من اليمنيين تعرضوا للتهجير القسري والنزوح، واصفا المرحلة الحالية بأنها من أسوأ المراحل التي قد يمر بها الشخص.
ويوضح المواطن اليمني أن حرب المليشيات الحوثية أثرت على كل مجالات الحياة، خاصة انهيار الاقتصاد، والقصف العشوائي في صفوف المدنيين والنازحين، والاختطاف التعسفي، والإخفاءات القسرية والحصار كما هو الحال في مدينة حيس جنوب الحديدة، ومدينة تعز جنوب اليمن.