صرح زعيم جماعة الحوثي الانقلابية، عبدالملك بدر الدين الحوثي، قبل لحظات، لأول مرة، بموقفه وجماعته من الجمهورية واستمرار النظام الجمهوري في اليمن، كاشفا عن جانب من ملامح شكل ومعايير ما سماه "التغيير الجذري" الذي سبق أن تعهد الاسبوع الفائت بأن يعلن عنه الاربعاء، ومرجئا التصريح به إلى يوم غد.
جاء هذا في خطاب متلفز، للحوثي، بمناسبة "احياء ذكرى المولد النبوي الشريف" بثتها قناة "المسيرة" الناطقة باسم الجماعة، رد فيه على خطاب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، امس الاثنين، بقوله: "أمام التوجه للتغيير تأتي أحيانًا دعايات وزرعٌ للمخاوف، فيأتي البعض ليتحدث عن خطر على الجمهورية وهذا منطق الأعداء".
مضيفا: "ليس لدينا مشكلة مع الجمهورية فنحن نريد الجمهورية ان تجسد الانتماء الاصيل للشعب اليمن وهويته الايمانية وأن تحقق تطلعات وامال هذا الشعب في الحرية والاستقلال والعدالة والعيش الكريم. وهذا ما نسعى له بالتحديد".وأردف: "مسألة التغيير الجذري ليست مسألة تعود لمستجدات أو ضرورة جديدة فالخلل قديم".
شاهد .. زعيم الحوثيين يكشف موقفه من الجمهورية (فيديو)
وتابع قائلا: "المواطن يردد على لسانه منذ زمن طويل شكواه من الروتين والخلل الكبير في مؤسسات الدولة منذ زمن". مردفا: "الحرمان في الخدمات مسألة يشكو منها المواطن في كل المحافظات، المواطن طالما شكا سواء على مستوى القضاء لأن القوانين والأنظمة تساعد على أن تأخذ القضايا مسارًا طويلًا دون نتيجة".
مبررا ما سماه "محدودية البنية الخدمية وضعفها" بقوله: "الخلل يعود للعمق وهناك الكثير من الأنظمة والقوانين واللوائح والمفاهيم السلبية المترسخة في الأداء الرسمي لمؤسسات الدولة". وإلى ما وصفه "غياب معيار الكفاءة هو من أهم أسباب المشاكل في كل مؤسسات الدولة، فلا الدستور يشترط ذلك ولا أي قانون". حسب تعبيره.
وتحدث عن مسؤولي الدولة في الانظمة السابقة لانقلابه واستحواذ جماعته على السلطة، بما فيهم مسؤولون في سلطات جماعته بصنعاء ومناطق سيطرتها، بقوله: "المنصب عند الكثير من الناس هو موقع لتحقيق المكاسب الشخصية، ولا شك أن هناك الكثير من المسؤولين الذين يملكون الكفاءة والنزاهة والنية الصادقة لخدمة الشعب".
مضيفا: "الثروة الوطنية على مدى عشرات الأعوام أهدرت ونهبت ولم تسخر لخدمة هذا الشعب. ثروات الشعب المنهوبة على مدى عشرات السنوات لم تسخر لخدمة الشعب الذي لم يكن يسمع سوى الوعود من المسؤولين". وأردف: "لم يكن هناك بنية اقتصادية لعشرات السنوات حين كانت كل الموارد متاحة، ولم تستثمر لبناء بلد منتج".
وتابع قائلا: "بل حولوه لبلد مستورد ومستهلك". مطلقا اتهاما بالفساد ونهب المال العام، يشمل قيادات شريكه في الانقلاب، حزب المؤتمر الشعبي العام، الحاكم للبلاد طوال 33 عاما (منها 18 عاما منفردا بالحكم) بقوله: "بعض الشخصيات الحزبية امتلكت ثروات هائلة أصبحت اليوم تتنعم فيها في الإمارات ومصر وتركيا وغيرها".
زعيم جماعة الحوثي الانقلابية، مضى مهاجما نظام الرئيس الاسبق علي صالح عفاش والرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وسلطات مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية المعترف بها، بقوله: "بعض مسؤولي العهد السابق يذرفون اليوم دموع التماسيح على شعبنا ويقفون في صف العدوان وساهموا في سفك دماء شعبنا". حسب زعمه.
ورد على الاتهامات والانتقادات لسلطات جماعته، بقوله: "البعض يأتي ليذر الملح على الجرح في المعاناة التي يعانيها شعبنا العزيز ويحمّل كل المسؤولية على مؤسسات الدولة في هذه المرحلة". مردفا: "البعض يريد من الحكومة والمؤسسات الرسمية أن تقدم في ظروف العدوان والحصار ما لم تقدمه الحكومات المتعاقبة على مدى عشرات السنين".
مضيفا: "شعبنا عانى من العدوان الذي استهدفه في كل شيء بالقتل والتدمير الشامل والحصار الخانق والسعي لاجتياح البلاد والسيطرة عليها. الأولوية الكبرى لشعبنا كانت في التصدي للعدوان فقد كاد شعبنا أن يفقد حريته وأن يتحول لبلد محتل خاضع للسيطرة الخارجية كليًا". متحدثا باسهاب في هذا السياق عمَّا سماه "انجازات عسكرية".
وتابع عبدالملك الحوثي في خطابه المتلفز، قائلا: "النظرة المتأثرة بالأعداء التي تأتي في سياق الحرب على شعبنا ومؤسسات دولته هي نظرة تقدم تصورًا سلبيًا قاتمًا وكأن ليس هناك أي إنجاز. أصحاب النظرة السلبية لن يعترفوا بأي إنجاز في الفترة الماضية حتى بتطور القدرات العسكرية التي شاهد شعبنا جزءًا منها في العرض العسكري".
مردفا: إن من سماهم "الأعداء" في اشارة للتحالف والشرعية "شاهدوا قدراتنا العسكرية وشهدوا ضرباتها التي وصلت إلى العمق السعودي والإماراتي رغم وجود منظومات دفاعية متطورة". وبتباه لم يخفيه مضى قائلا: "حجم الإنجاز الكبير في المجال العسكري يرسخ الأمل لشعبنا أن هناك أملًا بتغيير حقيقي وإصلاح فعلي في مؤسسات الدولة".
لكنه في المقابل، لم يجد بدا من الاقرار في الوقت نفسه باختلالات كبيرة في سلطات جماعته. وقال: "يجب أن نقيم مستوى ظروف مؤسسات الدولة والوضع الذي هي فيه من محدودية الإيرادات وضغط العدوان والحصار، فتماسك هذه المؤسسات في السنوات الماضية شكل إنجازًا. لا ينبغي أن يستمر الحال في مؤسسات الدولة كما هو عليه".
مضيفا: "هناك اختلالات عميقة في الأنظمة والقوانين والإجراءات وكل شيء". واسترسل في الحديث عمَّا سماه ضرورة "التغيير الجذري" المرتقب، بقوله: "بالتوجه الرسمي والشعبي في بلدنا نأمل أن تساعد هذه المناسبة على إصلاح الواقع، فهذا مما لا بد منه لتحقيق التغيير". مشددا على "الدعم والتحرك الشعبي" لهذا التغيير، حسب تعبيره.
وقال: "التغيير الجذري يجب أن يترافق مع توجه شعبي، من أجل تغيير الواقع فهذا التغيير يتطلب تحركًا شاملًا من الجميع". زاعما أن التغيير الذي اثار الحديث عنه حفيظة جميع قيادات سلطات الانقلاب: "بإذن الله وتوفيقه وبالعزم والإرادة يستطيع شعبنا أن يغير واقعه الاقتصادي بشكل تام وأن يتحول لبلد منتج وأن يغير سياسته الاقتصادية".
وتابع: "التغيير الجذري لا يعني الحكم على كل المسؤولين بأنهم فاشلون وغير جديرين بالمسؤولية. مِن المسؤولين مَن هم صادقون وبذلوا الكثير من الجهود لكن مشكلتهم في الأنظمة والقوانين التي تكبلهم إضافة لمحدودية الإمكانات. هناك كوادر فاعلة ووفية خدمت البلاد بجد في مختلف المحافظات، وهناك كوادر ضعيفة بعضها مستغل وبعضها حاقد".
لكن زعيم جماعة الحوثي الانقلابية، رغم سعيه لتهدئة حالة التوجس والتوتر الناتجة عن الترقب، اختتم خطابه بترحيل الاعلان عن طبيعة "التغيير الجذري" الذي يعتزم تنفيذه، ومستويات القيادات التي سيطيح بها، قائلا: "نحن على موعد غدًا للحديث عن المرحلة الأولى من التغيير الجذري الذي كان ضرورة منذ البداية وانتصار ثورة 21 سبتمبر".
يشار إلى أن توجهات جماعة الحوثي الانقلابية لما تسميه "تغييرا جذريا"، يتزامن مع توافقات وتفاهمات ابرمتها مع التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية في جولات مفاوضات غير مباشرة وأخرى مباشرة وعلنيه رعتها سلطنة عمان، وكان أخرها جرت الاسبوع الفائت في العاصمة السعودية الرياض، ووصف الجانبان مخرجاتها ونتائجها بـ "الايجابية".