بدأت الولايات المتحدة الامريكية، تدخلا واسعا وعلنيا في اليمن وقيادة إعادة رسم الخارطة السياسية والعسكرية، عبر تحركات عسكرية ميدانية ولقاءات مكثفة، للسفير الامريكي ومسؤولين امنيين وعسكريين امريكيين مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة وقيادة وزارة الدفاع وهيئة الاركان والمحافظين.
والتقى السفير الامريكي لدى اليمن ستيفن فاجن، الخميس، في العاصمة السعودية الرياض، مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، عقب يوم على لقائه مع عضو مجلس القيادة الرئاسي ونائب رئيس "المجلس الانتقالي" اللواء فرج البحسني، حسب ما نقلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ".
وفقا لوكالة الانباء الحكومية (سبأ)، فقد تطرق اللقاء إلى "العلاقات الثنائية والتدخلات الامريكية"، وبحث "مستجدات الوضع اليمني، وجهود الوساطة الحميدة التي يقودها الأشقاء في المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان لتجديد الهدنة، وإطلاق عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة".
وأشارت الوكالة إلى حديث الرئيس رشاد العليمي في اللقاء عن "تعنت المليشيات الحوثية ازاء مساعي السلام، باستمرار رفض تجديد الهدنة، وتصعيدها الحربي المستمر، وعروضها العسكرية بالأسلحة الايرانية، وتهديداتها باستهداف خطوط الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن".
مجددا "التحذير من ان أي تراخ من جانب المجتمع الدولي إزاء نهج المليشيات الحوثية، من شأنه أن يشجع تلك المليشيات على التمادي في تهديداتها للسلم والأمن الدوليين". وهو ما اعتبره مراقبون للشأن اليمني تسويغا للتدخل السياسي والعسكري الامريكي في اليمن، المتنامي مؤخرا على نحو لافت.
والخميس ايضا، عقد الملحق العسكري الامريكي ستبورت بيليز مع رئيس هيئة الاركان الفريق ركن صغير بن عزيز، لقاء موسعا ضم ملحقين عسكريين بسفارات اجنبية وعربية، وكُرس لـ "بحث جهود مكافحة الإرهاب والتهريب وأمن الملاحة البحرية الدولية". و"أوجه التعاون في المجال العسكري والأمني".
بدا لافتا بنظر مراقبين للشأن اليمني، حديث الفريق صغير بن عزيز في اللقاء عن "اصرار إيران على تهريب الأسلحة الصاروخية والطيران المسير والالغام البحرية وانتاجات تصنيع الحرس الثوري وفيلق القدس، وتقديمها لجماعة الحوثي لقتل اليمنيين واستهداف المصالح الحيوية العالمية". وفق وكالة "سبأ".
بالتوازي، عقد الملحق القانوني الأمريكي كيفن ميلر والملحق الأمني السيد ديفيد ومساعد الملحق القانوني مورين والدرز، لقاء موسعا الخميس، مع وزير الداخلية اللواء الركن ابراهيم حيدان، استعرض "جهود اليمن في مكافحة الارهاب" وكُرس لـ "مناقشة التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة".
جاءت هذه التحركات واللقاءات الامريكية المكثفة، يوم الخميس، امتدادا، للقاء عقده الاربعاء، السفير الامريكي مع عضو مع عضو مجلس القيادة الرئاسي ونائب رئيس "المجلس الانتقالي" اللواء فرج البحسني، وتأكيد الاخير أن "اللقاء مثمر"، وأن "السفير فاجن أكد إلتزام بلاده بدعم مجلس القيادة الرئاسي".
والثلاثاء، التقى مسؤول مكتب الشؤون المدنية بالولايات المتحدة الأمريكية مايكل كوينج، محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، تحت عنوان "بحث جهود التنسيق لتعزيز الأمن وفرض النظام والقانون ومكافحة الارهاب". بالتوازي مع اطلاق حملة امنية لمطاردة مطلوبين امنيين، نفذت مداهمات لمنازل مواطنين بمدينة المكلا.
ترافق اللقاء والحملة الامنية في المكلا، مع بدء الولايات المتحدة الامريكية تدريب جيش يمني من السلفيين على أراضٍ سعودية حدودية، وتحديدا في معسكر بمنطقة شرورة في نجران، تمهيدا لنشره في المحافظات الشرقية للبلاد (شبوة، حضرموت، المهرة)، في تحرك عسكري امريكي مفاجئ ومثير لريبة مراقبي الشأن اليمني.
وأكدت مصادر عسكرية ومحلية متطابقة، بدء اجراءات اسقاط محافظة حضرموت وتسليمها سلما دون قتال، بإشراف مباشر من التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة السعودية، عبر نشر قوات "درع الوطن" المشكلة من السلفيين في جنوب البلاد، والممولة سعوديا والمدربة امريكيا، واحلالها محل الجيش الوطني.
من جانبهم، كشف سياسيون وعسكريون يمنيون عن مخاوف جادة من مؤشرات مريبة لما سموه "بدء تنفيذ خطة عرقنة اليمن" بإدارة وإشراف امريكي، تعمم في اليمن نموذج السياسية الامريكية العسكرية والامنية والسياسية المنفذة في العراق، في اعقاب غزوه عام 2003م، والبدء في تقسيم اليمن أثنيا، وعلى أساس مذهبي وطائفي.
والاسبوع الفائت، التقى السفير الامريكي ستيفن فاجن، مع قائد الوية "العمالقة الجنوبية"، الشيخ السلفي عبدالرحمن المحرمي (ابوزرعة) في العاصمة الاماراتية ابوظبي، على هامش حفل زفاف نجل طارق عفاش، وأظهرت الصور لهما تقاربا لافتا وحميما، بينما كشف حاضرون لحفل الزفاف عن تفاصيل مثيرة ومريبة ايضا للقاء.
وعلق الناشط السياسي توفيق احمد، قائلا: إن "حضور السفير الأمريكي في حفل زفاف نجل طارق وجلوسه بجانب المحرمي لم يكن مصادفة أو عفويا أو سهواً أو خطاً، وإنما هو كيد محكم، وتدبير خبيث ماكر، يأتي ضمن خطة كاملة متكاملة لبدء وتكرار تطبيق نموذج العراق ابان احتلاله، والاعداد لحرب اهلية مذهبية في اليمن".
تسبب الظهور الحميمي للمحرمي والسفير الامريكي في تداعيات، بينها موجة احتجاجات وانسحابات تعصف بصفوف قوات "درع الوطن" لأول مرة منذ بدء تشكيلها بتمويل سعودي، بداية 2021م، على خلفية ما اعتبره منتسبوها "خيانة لله والدين والوطن"، وارغامهم على مد ايديهم إلى "اعداء الله والرسول والصحابة والمؤمنين" في اشارة للامريكيين.
وتتابع انتقادات حادة بين اوساط مشايخ وناشطين سلفيين للظهور الحميمي اللافت لقائد الوية العمالقة الجنوبية عبدالرحمن المحرمي، مع السفير الامريكي لدى اليمن في حفل زفاف عفاش طارق عفاش، قائد ما يسمى قوات "المقاومة الوطنية حراس الجمهورية" الممولة من الامارات في الساحل الغربي، والمقام في العاصمة الاماراتية ابوظبي.
أعاد لقاء المحرمي والسفير الامريكي، الى الواجهة، العلاقة الوثيقة والقديمة بين الولايات المتحدة الامريكية وأجهزة استخبارتها مع عدد كبير من جماعات الحركة الاسلامية، وبصورة اكبر منذ نهاية عقد السبعينيات، وتجييشها لحشد المقاتلين العرب إلى افغانستان لمواجهة تمدد الاتحاد السوفيتي حينها في الزحف على منابع الثروة في المنطقة.
ومرت الحركة السلفية في اليمن، حسب الباحثين، ومنهم آدم بارون، بثلاثة مراحل او اجيال: الاول "جيل الاباء والمؤسسين الذين يعبر عنهم بمقبل الوادعي حتى وفاته في عام 2001، فقد وقع الجيل الذي أتى بعدهم في خلافات لا تنتهي أدت إلى تشظي الحركة السلفية في قضايا مرتبطة بالتسييس". مع تأسيس حزب الرشاد عام 2011م.
مضيفا: إن "الجيل الثاني قد تم تهميشه جزئيًا بسبب عدم استعداده للانخراط بشكل واضح في القتال. فقد أمضى يحيى الحجوري بعد أن طرده الحوثيون قسراً من دماج في عام 2014 بعض الوقت في المملكة العربية السعودية لكنه لم يؤيد بالكامل الاستراتيجية العسكرية للتحالف، .. وبالمثل، استراتيجية محمد الإمام للمصالحة مع الحوثيين".
وتابع: "الموجة الثالثة يجسدها رجال ذوو مؤهلات مكتسبة في ساحة المعركة وهم أقل اهتمامًا بالنقاء الأيديولوجي والديني ويتقبلون بشكل واضح أن يتم استخدامهم كأداة من قبل القوى الإقليمية". في اشارة إلى التشكيلات المسلحة بقيادة عدد من خرجي معهد دماج في صعدة، امثال عبدالرحمن المحرمي (ابوزرعة) وحمدي شكري الصبيحي".
ذاكرا بين قيادات سلفية لتشكيلات عسكرية اخرى أزدهرت بدعم اماراتي "أبو العباس في تعز أو بسام المحضار في الجنوب". وعلق على مقاتلي "العمالقة الجنوبية" وما شاكلها بقوله: "أشعر أن المقاتلين أكثر تنوعًا مما نعتقد عادةً حيث يحتشدون حول قضايا حماية الأرض أو من أجل الرواتب بصورة أكثر تواتراً من احتشادهم لأجل أيديولوجية".
يشار إلى أن الامارات عمدت إلى تمويل انشاء وتجنيد تشكيلات عسكرية في جنوب اليمن من ذوي الانتماء السلفي تمثلت في "الوية العمالقة الجنوبية" وكتائب أبي العباس في تعز، وبالمثل فعلت السعودية لمواجهة النفوذ الاماراتي، وعمدت مؤخرا، مع بداية العام 2021 الى تمويل إنشاء ما بات يعرف باسم "قوات درع الوطن"، من سلفيي الجنوب.