عاودت ميليشيا الحوثي إطلاق تهديداتها بإعادة الحرب وإنهاء الهدنة الهشة المستمرة منذ عام، في محاولة لإحياء وتسريع وتيرة مفاوضاتها المتعثرة مع السعودية، والتي قال مسؤول خليجي رفيع إنها "تراجعت خطوة" بفعل استهداف الميليشيا لقوة دفاع البحرين على الحدود السعودية.
وفي خطاب بمناسبة ذكرى ثورة الـ14 من أكتوبر، اتهم رئيس مجلس الحكم التابع للميليشيا مهدي المشاط، الحكومة المعترف بها والتحالف العربي المساند لها بقيادة السعودية، بالمماطلة والتمنع عن الانخراط في إجراءات بناء الثقة. وقال: "في الوقت الذي نؤكد حرصنا على السلام فيما بيننا وبين تحالف العدوان، فإننا نعبر عن بالغ استيائنا تجاه المماطلة والتمنع عن الانخراط في إجراءات بناء الثقة".
وأضاف المشاط أن ما وصفه بـ"الاستمرار في الحصار ليس فقط مؤشر عدم جدية، وإنما نعتبره تصعيداً وعملاً إجرامياً مستفزاً"، مهدداً بـ"الرد المناسب والمماثل ما لم نلمس تجاوباً سريعاً"، وفق قوله.
ويكرر الحوثيون تهديداتهم بإعادة الحرب واستهداف دول الجوار بالصواريخ والمسيرات، لكن التهديد جاء بعد زيارة وفد الحوثيين إلى الرياض، منتصف سبتمبر، رفقة وفد عماني، حيث التقوا وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وهو المعني بالملف اليمني، كما عقدوا لقاءات أخرى مع سعوديين، قبل أن يعودوا "للتشاور مع القيادة واطلاعها على نتائج المفاوضات" وفق قولهم.
وصرحت قيادات في الميليشيا في حينه أن النقاشات سادها جو من التفاؤل، وأن جولة جديدة من النقاشات ستتبع تلك الجولة. فيما قال المشاط في خطاب بذكرى انقلابهم على الدولة مساء 20 سبتمبر، وعقب عودة الوفد، إن المشاورات "وصفت بالإيجابية، وقد سرّنا ما نقله الوفد المفاوض عن القيادة السعودية".
ومن بعد تلك النقاشات واصلت السعودية سياسة الترويض واللعب على عامل الوقت كعادتها مع الجماعة، وفق مراقبين، وهو ما تضيق الأخيرة منه خصوصاً وأنه يأتي في خضم استياء شعبي كبير منها وتعالي الأصوات المطالبة بصرف المرتبات، بينما تخوض المفاوضات على أمل أن يتكفل الطرف الآخر بدفعها.
وزاد من تعقيد استمرار المفاوضات استهداف عناصر تابعين للميليشيا قوة دفاع البحرين المشاركة في التحالف جنوبي السعودية، أواخر سبتمبر، وهي الهجمات التي أوقعت قتلى وجرحى وقوبلت بإدانة دولية وأممية واسعة.
وفي وقت سابق الأربعاء، قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، إن المحادثات اليمنية عادت خطوة للوراء بعد هجوم الحوثي على القوات البحرينية، مشيراً إلى أنه كان من المتوقع أن تحدث انفراجة بالحوار السياسي بين الأطراف بعد لقاءات الرياض.
وأوضح في تصريحات لقناة الحدث السعودية، أن الرياض شهدت محادثات جيدة، وأتى فريق من الحوثي الى هناك وصدرت إشارات إيجابية حول انفراجة في الملف، وكنا نتوقع أن تؤدي الانفراجة إلى استئناف الحوار بين الأطراف اليمنية - اليمنية، لكن الهجوم "عمل إرهابي وشنيع، وهذه الأفعال تؤثر بلا شك على أي ملف سياسي أو محادثات".
وفي مسعى للبحث عن ورقة للضغط على السعودية من أجل تحريك ملف المفاوضات وتسريعه، استغلت الميليشيا قرار الخطوط الجوية اليمنية مطلع الشهر الحالي، وقف تسيير رحلاتها إلى مطار صنعاء الخاضع لها، رداً على استيلاء الجماعة على حسابات الشركة في بنوك صنعاء، ومنعها من التصرف فيها، وهو ما يشير له حديث المشاط في خطابه بذكرى أكتوبر أمس الجمعة، عن "الحصار" والذي اعتبره "تصعيداً وعملاً إجرامياً مستفزاً" كما قال.
ويؤيد ذلك، التصعيد الكبير الذي سلكته الميليشيا رداً على خطوة "اليمنية"، حيث سارعت لاحتجاز طائرة تابعة للشركة نقلت رحلة أخيرة كانت مجدولة إلى صنعاء، قبل أن ترفض عودة الرحلات الست أسبوعياً من صنعاء الى الأردن، والتي قبلت "اليمنية" بتسييرها استجابة لوساطة من نقابة موظفيها ووضعت اشتراطات كبيرة مقابل فتح المطار، وفقا لمصادر مطلعة.
وكانت "اليمنية" ومدير مطار صنعاء التابع للحوثيين أعلنا (يومي 2، 4 من الشهر الحالي)، عن استئناف الرحلات من المطار ابتداءً من الجمعة 6 أكتوبر، قبل أن يحذفا ما نشراه على منصتي إكس وفيسبوك بعد وقت قصير على نشرهما.
وأعلن الحوثيون في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، عبر "مجلس النواب، ورئيس هيئة الطيران المدني والأرصاد"، الخاضعين لهم، عن تقدم العديد من الشركات الدولية لتسيير رحلات إلى المطار، رافضين عودة رحلات اليمنية بالشروط السابقة، وإنما مقابل فتح كامل للمطار.
من جانبه قال عبدالوهاب الدرة وزير النقل في حكومة الحوثيين (غير معترف بها) إنه "لا مساومة ولا تنازل عن الفتح الكامل للمطارات كحق ثابت ومشروع كفلته كافة القوانين والمواثيق الدولية"، مضيفاً: "مرحلة الحلول الجزئية والفتح المشروط لوجهات ورحلات محدودة قد تم تجاوزها، وأن المرحلة الحالية تتضمن الفتح الكامل والشامل لمطار صنعاء دون أي قيد أو شرط وبشكل سريع".
ولم ترفض الحكومة ذلك، وفي بيان صدر عنها في الـ9 من الشهر الجاري، أكدت الحكومة استعدادها دعم جهود "اليمنية" لتعزيز رحلاتها الجوية من مطار صنعاء إلى عمان، وتوسيعها إلى وجهات إضافية، شريطة "تنفيذ مطالب الشركة بدءً بالإفراج عن حساباتها البنكية، والتوقف عن التدخل في سير أعمالها".
وقالت الحكومة في البيان نفسه، "إنها منفتحة مع جهود توسيع الرحلات من مطار صنعاء إلى وجهات إضافية أخرى انطلاقاً من حرصها التام على رفع معاناة أبناء الشعب اليمني في مناطق سيطرة الحوثيين، التي صنعتها الميليشيا، ودأبت على تسييس كافة القضايا الإنسانية والتربح منها، ومن ذلك استخدام حاجة المواطن اليمني للانتقال داخل اليمن وخارجه لتحقيق مكاسب زائفة".
وأشار البيان إلى أن "المليشيا مازالت تحتجز إيرادات الرحلات من وإلى مطار صنعاء، وتمنع الشركة استخدام تلك الإيرادات لشراء الوقود وتوفير الصيانة اللازمة لتأمين الطائرات واستكمال تسديد قيمة الطائرات الجديدة والمحركات التي تم شراؤها مؤخراً لخدمة المواطن اليمني، وإنجاح أعمال الشركة التي تسعى الميليشيا إلى تدميرها كما دمرت كافة مؤسسات الدولة منذ العام ٢٠١٤".
ويوم أمس الأول الخميس، قال مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله السعدي للمبعوث الأممي الى اليمن هانس جروندبرج، إن إجراءات ميليشيا الحوثي التعسفية ضد "اليمنية" قوضت قدرة الشركة على تسيير الرحلات من صنعاء.