سلطت منصة دولية الضوء على طائرات (إف-5 إي تايجر) التي ظهرت في اليمن واستعرضت بها جماعة الحوثي مؤخرا في أحد مناسباتها بالعاصمة صنعاء.
وقالت منصة "ذا ور زون" في تحليل ترجم" في تحليل أعده الباحث "أوليفر باركين" وترجمه للعربية "الموقع بوست" إن "ملحمة F-5E Tiger II (إف-5 إي تايجر2) اليمنية تعتبر بمثابة أحجية جيوسياسية لقصة شملت السعودية وتايوان، وفقا للصحفي".
وقال باركين "خلال الحرب الباردة، ربما كانت القوات الجوية لليمن الشمالي- الجمهورية العربية اليمنية- معروفة أكثر بتحليق مقاتلات ميج 17 وميج 21 السوفيتية.
وأضاف "مع ذلك، قام اليمن الشمالي كذلك بتشغيل مقاتلات خفيفة من طراز إف- 5 إي تايجر2 التابعة لشركة نورثروب منذ عام 1979، وهو النوع الذي حلق لأول مرة قبل بضع سنوات فقط في العام 1972. إن كيفية حصول اليمن على أسطوله الصغير من طائرات إف-5 إي الأمريكية هي قصة غريبة في حقيقة الأمر".
وذكر أن اقتناء البلاد لهذه الطائرات كان مرتبطا على نحو وثيق بالحرب اليمنية الثانية في مارس 1979. تاريخيا، كان شمال اليمن جزءا من الإمبراطورية العثمانية السابقة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فيما كان اليمن الجنوبي رسميا جزءا من الإمبراطورية البريطانية منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وتابع "قد جرى الاعتراف باليمن الشمالي- اليمن - لأول مرة كدولة ذات سيادة من قبل الولايات المتحدة في 1948، على الرغم من أن جذورها تعود إلى العام 1918. كما جرى الاعتراف بالبلاد لاحقا باسم الجمهورية العربية اليمنية في عام 1962، وكذلك الاعتراف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بجنوب اليمن، وهي دولة شيوعية لها علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك في العام 1967. ونشبت حرب أهلية مريرة بين البلدين في الفترة من 1962 إلى 1970، الأمر الذي أدى إلى انتصار الشمال".
وأردف لقد كانت أوائل السبعينيات هي الفترة التي شهدت اضطرابات كبيرة وعدم استقرار سياسي بين الشمال والجنوب، مما أدى إلى الحرب اليمنية الأولى عام 1972. واستمر الصراع مدة ثلاثة أسابيع بين سبتمبر وأكتوبر، حيث تعهدت الدول بتوحيد البلاد كجزء من اتفاق حكومة القاهرة. لكن الاستقرار لم يدم، مع اندلاع الحرب اليمنية الثانية في أواخر فبراير 1979.
وطبقا للتحليل فإنه في عهد الرئيس جيمي كارتر، قررت الولايات المتحدة مساعدة الجمهورية العربية اليمنية من خلال توفير مجموعة من المعدات العسكرية في أوائل مارس 1979، بتمويل من السعودية- حيث قدمت المملكة مساعدات عسكرية للجمهورية العربية اليمنية خلال الحرب اليمنية الأولى.
وأكد أن المساعدات بقيمة 390 مليون دولار شملت 12 طائرة من طراز إف-5 إي، ثماني منها تم تصنيعها في الأصل لإثيوبيا ولكن تم حظرها بعد ذلك، وأربع منها كانت جديدة. وتضمنت الحزمة كذلك طائرتي نقل من طراز سي 130، و60 دبابة من طراز إم 60، و50 ناقلة جنود مدرعة من طراز إم 113، و302 صاروخ جو-جو من طراز أيم9- سايد وايندر بالإضافة إلى مدافع هاوتزر وقاذفات قنابل يدوية وذخائر أخرى. فضلا عن ذلك، سمحت إدارة كارتر للسعودية بإرسال أربعة من مقاتلاتها ذات المقعدين من طراز F-5B Freedom Fighters إف- 5 بي فريدم فايترز إلى الجمهورية العربية اليمنية.
وأشار إلى أن قرار الرئيس كارتر كان بتزويد الجمهورية العربية اليمنية بالمعدات العسكرية توضيحا لسياسة الولايات المتحدة المتغيرة تجاه الشرق الأوسط- وهو نتاج لواقع جيوسياسي معقد داخل المنطقة. وبطبيعة الحال، كانت الإدارات السابقة قد قدمت المعدات إلى الجمهورية العربية اليمنية. ففي عام 1976، على سبيل المثال، زودت إدارة فورد الجمهورية العربية اليمنية بمعدات زودتها بها الولايات المتحدة بقيمة 140 مليون دولار، والتي تتكون في المقام الأول من أسلحة وعتاد للقوات البرية بما في ذلك مدافع الهاوتزر، وأنظمة صواريخ أرض جو، والشاحنات.
يواصل باركين تحليله بالقول "بحلول عام 1979، وعلى الرغم من الجدل الكبير داخل إدارة كارتر حول الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي، بدأت الولايات المتحدة في تبني وجود عسكري أكثر نشاطا في المنطقة. ففي يناير من ذات العام، تم بيع 12 طائرة أمريكية من طراز إف-15 إلى السعودية– في المقام الأول كبادرة تطمين من الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمن المملكة، ولتخفيف تأثير اتفاق السلام المصري الإسرائيلي المرتقب، والذي تم التوصل إليه لاحقا، وقعت في مارس. ومع ذلك، بحلول فبراير 1979، أوضحت إدارة كارتر أن مثل هذه اللفتات كانت جزءا من تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة".
وقال وزير الدفاع آنذاك هارولد براون خلال رحلة استغرقت عشرة أيام إلى الخليج والشرق الأوسط في ذلك الشهر: "لقد اتخذنا قرارا سياسيا بشأن القيام بدور أكثر نشاطا في المنطقة". وتابع "لقد أخبرنا تلك الدول بأشياء لم تسمعها منذ فترة طويلة- وهي أن الولايات المتحدة مهتمة بشدة بالشرق الأوسط، ونحن قلقون بشأن ما يفعله السوفييت، ونعتزم المشاركة". وخلال رحلة براون، التي ركزت بشكل أساسي على التفاوض على عمليات نقل الأسلحة، انتهى الأمر بوزير الدفاع إلى وعد السعودية بأن الولايات المتحدة ستزود الجمهورية اليمنية بطائرات إم60 وإف-5، في حال دفع السعوديون الفاتورة.
باركين أيضا قال "قبل أن يتم عرض تعهد براون أمام الكونجرس، شنت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية غزوا للجمهورية العربية اليمنية في 28 فبراير 1979، بقيادة طائرات ميغ-21 وسو-22 التابعة للقوات الجوية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ومع تزايد الضغوط، بدأت إدارة كارتر تنظر بشكل متزايد إلى الوضع في اليمن باعتباره تهديدا خطيرا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، يغذيه العدوان المدعوم من السوفييت. وفي 7 مارس 1979، قيم كارتر أن القتال يشكل حالة طوارئ تهدد الأمن القومي الأمريكي واستلزم تطبيق المادة 36 (ب) من قانون مراقبة تصدير الأسلحة لعام 1976 لأول مرة. ويسمح استخدام البند المذكور للرئيس بتجاوز الحصول على موافقة الكونجرس على تصدير الأسلحة عندما يكون الأمن القومي الأمريكي مهددا. وعلى هذا النحو، تم تسريع المساعدات التي تبلغ قيمتها 390 مليون دولار للجمهورية العربية اليمنية، بما في ذلك 12 طائرة من طراز إف-5إي".
واستدرك "عندما وصلت أولى طائرات إف-5 إي قبل ستة أسابيع من الموعد المحدد، لم يكن لدى القوات الجوية اليمنية الشمالية الطيارين ولا الموارد اللازمة لتشغيلها. وأدى هذا التسليم المتسارع إلى تدافع السعوديين لتجنيد طيارين أجانب لتدريب طياري الجيش العربي اليمني على هذه الطائرات. وفي نهاية المطاف، تم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية مع تايوان لإرسال عدد من الطيارين التايوانيين لتشغيل وصيانة طائرات إف-5 إي في شمال اليمن. وتتمتع القوات الجوية لجمهورية الصين بخبرة سنوات عديدة في العمل مع طائرات إف-5 إي على وجه التحديد، والتي استلمتها لأول مرة في مايو 1975، بينما تم تسليم أول طائرات إف5 من الولايات المتحدة في عام 1965".
وقال "على الرغم من هذه الجهود لتزويد الجيش اليمني الشمالي بسرعة بطائرات إف-5 إي، انتهت الحرب اليمنية الثانية بسرعة في 19 مارس 1979. وفي المجمل، استمر الصراع ثلاثة أسابيع ويومين. ومع ذلك، فإن وجود الأفراد التايوانيين في شمال اليمن كان طويل الأمد. ففي البداية، تم إرسال 80 فردا- بما في ذلك الطيارين وأفراد الطاقم الأرضي- من تايوان إلى صنعاء لتشغيل وصيانة طائرات إف-5 إي بقيادة المقدم تشي مينج سيان. وبحلول نهاية عام 1979، وصلت 16 طائرة من طراز إف-5 إلى قاعدة الديلمي الجوية بصنعاء".
واستطرد "وقد تم دمج الطيارين التايوانيين مع السرب 112 التابع للقوات الجوية للجمهورية العربية اليمنية، والذي كان يُعرف أيضا باسم "سرب الصحراء". وكما يشير توم كوبر في كتابه، الأجواء الساخنة فوق اليمن: الحرب الجوية فوق شبه الجزيرة العربية الجنوبية: المجلد الأول- 1962-1994، كانت فرقة عمل القوات الجوية لجمهورية الصين المتمركزة في شمال اليمن تابعة لمكتب الاتصال العسكري التايواني في السعودية. ويشرف رئيس مكتب الاتصال العسكري لجمهورية الصين في المملكة، والذي عادة ما يكون برتبة عقيد، على عمل فرقة العمل التي يقع مقرها الرئيسي في قاعدة الديلمي الجوية".
يضيف "حتى عام 1985، كان الطيارون التايوانيون والطاقم الأرضي يشكلون غالبية السرب 112، وفي ذلك الوقت تم تدريب عدد كافٍ من طياري الجمهورية العربية اليمنية على طائرات إف-5 إي للبدء في تولي المسؤولية. ومع ذلك، فإن طياري الجمهورية المبتدئين، الذين لم يكن لديهم سوى الحد الأدنى من فرص التدريب، ناضلوا للتكيف مع الطائرات الأمريكية وغيرها من المعدات الجديدة، بما في ذلك طائرات ميج 21 المسلمة من الاتحاد السوفيتي. وبحلول نهاية عام 1985، فقدت القوات الجوية اليمنية 25 طائرة في حوادث مختلفة، بما في ذلك أربع طائرات من طراز ميج 21 وطائرة جديدة من طراز إف-5 إي، والتي انتهى بها الأمر إلى تحطمها عندما كان طيار سعودي يقودها إلى المملكة لإجراء إصلاحات خفيفة".
ونوه إلى أن الطيارين التايوانيين بقوا في البلاد لعدة سنوات بعد عام 1985. وتشير الوثائق التي رفعت عنها السرية مؤخرا إلى أنه تم نشر أكثر من 1000 طيار تايواني وطاقم أرضي في الجمهورية العربية اليمنية في الفترة من 1979 إلى 1990 كجزء مما كان يُعرف باسم برنامج الصحراء الكبرى.
وأوضح "وفي عام 1990، اتحد اليمنان ليصبحا الجمهورية اليمنية".
أما بالنسبة لمصير طائرات إف-5 في البلاد، يتابع "فقد شهدت هذه الطائرة نشاطا في عام 1994 عندما اندلعت حرب أهلية لفترة وجيزة بين الشمال والجنوب في الفترة من مايو إلى يوليو. في أوائل مايو، أسقط الرائد نابي علي أحمد طائرة واحدة على الأقل من طراز ميج 21 جنوبية أثناء قيادته لطائرة من طراز إف-5 إي، ونشر صواريخ إيم-9 سايد وايندر. وفي وقت لاحق من شهر مايو، أسقطت طائرة من طراز إف-5 إي تابعة للقوات الجوية للجمهورية العربية اليمنية يقودها الرائد محمد يحيى الشامي بنيران مضادة للطائرات. وفي يونيو، نجحت طائرتان من طراز إف-5 إي تابعة للجمهورية العربية اليمنية، نجحت في إسقاط طائرة ميج 21 جنوبية يقودها الرائد عبد الحبيب صلاح. وفي أعقاب الصراع القصير، الذي أدى إلى انتصار الشمال وإعادة توحيد البلاد، تم دمج طائرات إف-5 المتبقية في القوات الجوية اليمنية".
وقال إنه تم استخدام طائرات إف-5 إي على نطاق واسع من قبل القوات اليمنية ضد المتمردين الحوثيين- المتمردين الشيعة الذين لهم صلات بإيران- خلال تمردهم، الذي بدأ في عام 2004 واستمر حتى عام 2014. وفي عام 2015، في أعقاب مؤشرات على أن بعض أعضاء القوات الجوية اليمنية على الأقل قد تحولوا ولاء لحركة الحوثيين، دمرت القوات السعودية طائرة إف-5 إي خلال غارة جوية.
واختتم باركين تحليله بالقول "في الآونة الأخيرة، انتشرت عبر الإنترنت صور للمتمردين الحوثيين وهم يقودون طائرة واحدة على الأقل من طراز إف-5 قديمة. وشوهدت تلك الطائرة وهي تظهر بشكل مفاجئ في عرض عسكري في سبتمبر".
ووفقا لدليل القوات الجوية العالمية لعام 2023، لدى سلاح الجو اليمني حاليا 11 طائرة إف-5 إي نشطة وطائرتين تدريبيتين من طراز إف-5 بي.