بين العدوان الاسرائيلي على عزة والحوثي على تعز أوجه تطابق كثيرة ترتبط بطبيعة المعتدي وأساليبه الانتقامية وتبريراته الواهية لجرائمه وانتهاكاته بحق المدنيين الآمنين بدءً من القصف والقتل والحصار ومروراً بحملات الشيطنة ومحاولات إيهام العالم بالربط بين المقاومين وتنظيم "داعش" ، أضف إلى ذلك أنه في حالتي غزة وتعز فإن المعتدي طارئ بينما المقاوم أصيل ، وتلك التطابقات تضعنا أمام حقيقة لابد أن يستوعبها الجميع مفادها أن القاتل والمعتدي عدو يلزم كبحه وايقاف إجرامه من أي ملة كان وتحت أي راية حل ، وإن تدثر بغطاء الدين أو لبس حلة المظلومية ، أو إدعى زوراً وبهتاناً أنه صاحب حق وأصحاب الأرض والدار أهل باطل!
أهل غزة يجمعهم بأهل تعز أنهم رفضوا التنازل عن حق إنساني أصيل ومقدس يتمثل بالحرية ورفض الذل والخضوع ولأجل ذلك تحملتا غزة وتعز الضريبة الأكبر والأطول في التاريخ الحديث ، والمعتدي في الحالتين يرتكب جرائمه أمام العالم الذي لم يحرك ساكناً إلا شجباً واستنكاراً لا يسمن ولا يغني من جوع ، وفي كلا الحالتين يعدّ المدنيين هم الهدف الأول لعمليات القتل والتهجير والحصار والحرمان من سبل العيش وتدمير المؤسسات الخدمية كالمستشفيات والمدارس وإغلاق الطرق والمعابر وتقييد ومنع حركة المسافرين وصولاً ومغادرة ، وهذا كله يتكرر بنفس المشاهد وبنفس المؤدين وإن اختلفت الأسماء والصور والشعارات لكن ما يجمعها أن الموت والدمار والحصار في غزة الفلسطينية أو تعز اليمنية هو تكرار لنسخة واحدة تبدو متطابقة بلا اختلاف .
الأخطر والأسوأ في الأمر حين نتعمق في الايدلوجيات التي تتحكم بسلوك وقرارات الصهاينة في فلسطين والحوثيين في اليمن نجدها تتطابق إلى حدٍ كبير ، وقد تجدون حديثي هذا غريباً بعض الشئ لكنها الحقيقة المُرَّة التي لابد من إدراكها والتعامل وفقها ، وتتعلق هذه الحقيقة بخرافات أراد بها هؤلاء وأولئك تحقيق أحلامهم في الاستيلاء والسيطرة والتحكم مستندين إلى منهج يخصهم يدّعون أنه منزّل من السماء يعطيهم الفضل على بقية البشر .
يتمثل المنهج اليهودي في خرافة "شعب الله المختار" والتي يدّعي اليهود أن بموجبها منح "رب العهد القديم" لشعبه المختار الأفضلية على كل شعوب الأرض ، وجعل بقية الشعوب من الدرجه الثانية ، وفي مصطلحاتهم نجدهم يخلعون على أنفسهم صفات المدح والتعظيم فيسمون أنفسهم أيضاً بـ "الشعب الأزلي" و "الشعب الأبدي"وانبنى على ذلك احتقارهم للأمم الأخرى ثم تمادوا في ادعائهم بأن لهم حق السيطرة على العالم ما داموا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، ويعطون لأنفسهم الحق في ممارسة كل اصناف الأذى والتفنن في إيقاعه بما يمتلكونه من الافضلية المدعاة .
على نفس الشاكلة يدّعي الحوثيون نفس الخرافة مع إختلاف لفضي فقط فيقدمون أنفسهم كـ"سلالة طاهرة!" مفضّلة عن بقية الناس وأنهم أبناء النبي ، وحتى لو صح ظاهراً فإن قرونا أربعة عشر كفيلة بتغيير الانساب وتداخل الأعراق ، وتحت هذا الإدعاء إن سلمنا جدلاً صحته - ولن نفعل - لايعطيهم الافضلية بشئ ، لكنهم ينسبون لأنفسهم حقاً إلهياً مزعوماً بالحكم والتملك والسيطرة فيبيحون دم ومال من يخالفهم ويمارسون بحقه القتل والنهب والتفجير والاختطاف متكئين على هذه الخرافة المزعومة لتحقيق أحلامهم وغايتهم المتمثلة في السيطرة على البلد بما تملكه من ثروات وإمكانات وتسخيرها كلها لخدمة "السلالة" دون بقية الناس .
الذي لايمن المرور عليه أنه في غزة وفي تعز انبرى من يقول للمعتدين أعداء الحرية والاستبداد أن لامكان لخرافاتكم بيننا ، ولا أمل أن تحكمونا ، وإن متنا أعزة خير لنا من أن نسلم إليكم رقابنا التي لا تنحي إلا لله الذي لم يخلق بشراً مفضلين عن بشر ، وأعطى لكل إنسان الحق أن يرفض الذل والخنوع ويعيش حراً مهما كانت عرقيته أو جنسيته أو معتقداته .