يبدو أن الرياض لا تريد أن تعود للانزلاق في مرحلة أخرى من الصراع في اليمن، انطلاقا من حرصها على أمنها ورغبتها في التفرغ لرؤيتها 2030 وهو ما يتطلب توقف الحرب في اليمن
ويمرّ اليمن بمنعطفٍ خطير على صعيد أزمته السياسية، في ظل ما يشهده حاليًا من تصعيد عسكري في بعض الجبهات، والذي يأتي، وفق مراقبين، في سياق الضغط من ميليشيا (الحوثيون) لتحقيق هدف من اثنين: الأول تحقيق تقدم على الأرض يعزز موقعها التفاوضي مع الرياض، وخاصة باتجاه مدينة مأرب، والثاني إيصال رسالة مفادها أن ساحة المعركة متعددة الجبهات هي بديل تعثر المفاوضات والتأخر عن تنفيذ الشروط المطروحة
وشهد اليمن خلال الأسبوع الماضي تصعيدًا في عدد من الجبهات، بما فيها منطقة الكسارة شمال غربي مأرب، وأفادت وسائل إعلام محلية بسقوط قتلى وجرحى من الجانبين. ويأتي تجدد القتال بعد أكثر من عام ونصف من الهدوء الناجم عن توقيع اتفاقية هدنة لشهرين وتجددت مرتين، بقي بعدها الهدوء مستمرًا بشكل غير رسمي مع تجدد المناوشات هنا وهناك بين فترة وأخرى بموازاة مفاوضات بين الرياض والحوثيين سيّرتها مسقط في القنوات الخلفية، قبل تحولها إلى مفاوضات رسمية وتبادل زيارات بين وفود الرياض وصنعاء، وصولاً إلى زيارة السفير السعودي محمد آل جابر لصنعاء على رأس وفد مفاوض في نسيان/ابريل الماضي، وبعد خمسة شهور من تلك الجولة من المفاوضات استأنف الجانبان المفاوضات بوساطة عُمانية، واستضافت الجولة الثانية منها الرياض في أيلول/سبتمبر، وجاءت تصريحات الجانبين تتحدث عن «نتائج إيجابية» على أمل استئناف التفاوض في جولة أخرى كان مرتب لها مستهل تشرين الأول/اكتوبر؛ إلا أن جمودًا ران مسار المحادثات
تحاول الرياض من خلال إصرارها على الحوثيين للقبول بها كوسيط، وحسب تقرير للباحثة المتخصصة بشؤون الخليج واليمن، فينا علي خان، فثمة تقدم تحقق في مسار هذه الشروط، بل إنها قالت إن «الإطار العام للاتفاق الحوثي السعودي قد أصبح قائماً، على الرغم من أن بعض التفاصيل الصغيرة لا تزال بحاجة إلى حل».
وتوقعت مصادر من الجانبين استئناف المفاوضات في الأيام المقبلة مع أقرب فرصة هدوء في المشهد الفلسطيني، لاسيما وأن الرياض حريصة على طي صفحة الحرب في اليمن؛ إذ أنها لا تريد أن تعود البلاد للانزلاق في مرحلة أخرى من الصراع، لأن ذلك من شأنه أن يعود بكل شيء إلى نقطة الصفر، وهو ما لا تريده الرياض مطلقًا، انطلاقا من حرصها على أمنها ورغبتها في التفرغ لرؤيتها 2030؛ وهو ما يتطلب توقف الحرب في اليمن.
فيما يتعلق بجمود المحادثات فيرى باحث أن هناك عدة معوقات أدت إلى هذا الجمود؛ وتتمثل في إصرار جماعة الحوثيين على مطالبهم؛ وفي المقابل محاولة المملكة العربية السعودية الخروج من المأزق اليمني بأقل الخسائر، بينما يريد الحوثيون تسليم المرتبات من خلال اقتسام الثروات ممثلة في عائدات النفط والغاز، وغيرها من الشروط وهو ما يثير غضب الاطراف الاخرى ورفضها المطلق لذلك أمثال الانتقالي
كما أشار إلى أن الصراع الإقليمي الذي يتفاقم حاليا، قد يزيد من تعقيد مسار الوصول إلى تسوية سياسية في اليمن، وقال: نحن ندرك أن الكيان الصهيوني يستهدف المناطق الفلسطينية في الوقت الراهن، وهناك تركيز شديد على العمليات العسكرية ضد إخواننا في غزة على وجه التحديد
وأضاف «هناك تحولات في المشهد الإقليمي، ربما كان لها تأثيرها فيما تعانيه الوساطة من جمود، علاوة أن الأحداث في فلسطين حوّلت مسار التركيز فيما يحصل في الشرق الأوسط؛ فتراجع الاهتمام بالمأساة اليمنية في الوقت الراهن»
وفيما يتعلق بالعلاقة بين مصير الحرب في اليمن وما تحققه هذه المحادثات، يعتقد أن المشهد اليمني ما زال غير جاهز ومهيئ لتسوية سياسية عادلة وشاملة. وقال: في حال تحققت بعض التقاربات بالإمكان أن تنعكس ايجابًا على المشهد اليمني. معنى ذلك أنه قد يحصل تقارب إقليمي، ويحدث ضغط على القوى المحلية للقبول بتسوية، لكن المشهد المحلي غير مهيئ للدخول في تسوية سياسية عادلة وشاملة. ورأينا مؤخرًا عودة العمليات العسكرية في شمال غرب مأرب، ومحاولة الحوثيين التقدم باتجاه مدينة مأرب، وبالتالي ما تزال كل الخيارات مطروحة على الطاولة ورجّح احتمال عودة المعارك خلال المرحلة المقبلة، في حال وصلت هذه المحادثات إلى طريق مسدود.