كيف استفادت أمريكا من تفشي كورونا في إيران؟

بعد شهور على تكثيف ضغوطها على طهران، تجد الولايات المتحدة نفسها اليوم أمام متغيّر جديد لم يكن متوقعا هو فيروس كورونا المستجد، الذي خلف عدداً كبيراً من الوفيات في إيران حتى في صفوف المسؤولين.

 

ويتساءل مقررو السياسات في الولايات المتحدة، إن كانت الوفيات في صفوف رجال النظام واسعة النطاق لدرجة تكفي لإحداث تغييرات في صناعة القرارات، رغم أن هجوما صاروخيا وقع في العراق، الأربعاء، وحمّلت واشنطن طهران مسؤوليته أظهر على الأقل أن دائرة الصراع بين البلدين لم تنحسر.

 

وأصاب وباء ”كوفيد-19“ عشرات الآلاف في أنحاء العالم وانتشر بين الطبقة الحاكمة في إيران بشكل غير معتاد، إذ أصيب أو توفي عدد من كبار السياسيين والمسؤولين بالمرض، بينهم نائبة للرئيس ومستشار لوزير الخارجية ورجل دين نافذ.

 

 

وقال قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، التي تشمل منطقة الشرق الأوسط، الجنرال كينيث ماكنزي، إن الولايات المتحدة تعتقد أن التداعيات أسوأ بكثير من نحو 600 وفاة أعلن عنها رسميا في ثالث أعلى حصيلة عالميا بعد الصين وإيطاليا.

 

وأشار إلى أن صانعي القرارات في الولايات المتحدة يقيّمون الآثار السياسية المترتبة على الوضع.

 

وقال ماكنزي للصحافيين، الجمعة: ”بالطبع، الوفاة أمر دائم“، متابعا: ”على المدى القصير، سيجعل ذلك من صنع القرارات أمرا أصعب بكثير، الناس مفصولون عن بعضهم البعض“.

 

وقبل يوم، قال ماكنزي خلال جلسة استماع عقدها مجلس الشيوخ، إن الأزمة الصحية التي تأتي بعد شهرين على الغضب الشعبي في إيران حيال حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ، جعلت قيادة الجمهورية الإسلامية ”أكثر خطورة“، إذ إنها ستسعى على الأرجح ”لتوحيد صفوف شعبها في وجه هدف خارجي“.

 

وتابع: ”هناك أدلة ضئيلة في تاريخ الحروب على نظام يعاني من مشكلة داخلية تشلّه، قرر التركيز على هذه المشكلة الداخلية“.

 

تداعيات العقوبات الأمريكية

 

وسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإضعاف نظام الجمهورية الإسلامية، عبر فرض عقوبات واسعة شملت قطاع تصدير النفط الذي يعد غاية في الأهمية بالنسبة لطهران.

 

وقبل نحو عامين، انسحب ترامب من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عهد سلفه باراك أوباما، وفرضت إيران بموجبه قيودا كبيرة على أنشطتها النووية مقابل وعود بتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

 

ورغم استثناء ترامب للسلع الإنسانية من العقوبات، تتجنّب العديد من الشركات التعامل تجاريا مع إيران خشية إثارة حفيظة واشنطن.

 

وقال الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، الذي أجرى دراسات تتعلق بالمنظومة الصحية الإيرانية، أمير أفخمي: إن ”الأزمة الحالية في إيران في الحقيقة ناجمة عن أخطاء ارتكبتها الحكومة نفسها في سياساتها أكثر من كونها ثمرة العقوبات الأمريكية“.

 

وأضاف: ”لكن العقوبات الأمريكية ساهمت بكل تأكيد في تدهور وضع كان أصلا غاية في السوء“.

 

وتباهت إيران تاريخيا بامتلاكها نظاما صحيا عاما يعد بين الأقوى في المنطقة، وأشار أفخمي إلى تقارير إعلامية غير مؤكدة تحدثت عن نقل بعض المسؤولين إلى لبنان لتتم معالجتهم كمؤشر على الضغط الذي تعاني منه المستشفيات الإيرانية.

 

وبينما أمرت إيران مؤخرا بإغلاق البلاد بشكل كامل لإجراء اختبارات كورونا المستجد، قال أفخمي إن الخطوة جاءت متأخرة كثيرا.

 

وأفاد بأنه نظرا لاعتمادها على التجارة مع الصين جرّاء العقوبات الأمريكية، لم تعلق إيران الطيران من وإلى الصين عندما ظهر الوباء، حيث واصلت تصدير الأقنعة الواقية المصنّعة لديها حتى نهاية شباط/فبراير.

 

وقال: ”بصفتي طبيبا، يمكنني القول إن وقوع قادة إيران المسنين خصوصا ضحية للمرض، كان أمرا منطقيا“.

 

لكنه أضاف: ”مدى تقييد ذلك لقدرة القيادة على اتّخاذ قرارات في سياستها هو أمر يصعب علي تحديده جزئيا؛ لأن السياسات تجاه كورونا المستجد كانت ضعيفة حتى قبل تفشيه في إيران“.

 

قرض صندوق النقد

 

عرض ترامب مساعدة إيران، وأعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن هذه الرغبة رسميا عبر الوسطاء السويسريين، رغم أنه لا يزال غير واضح إن كانت واشنطن قدّمت عروضا ملموسة أو إن كانت طهران ستقبل بها.

 

ولعل الاختبار الأبرز سيكون معرفة إن كانت الولايات المتحدة ستمنع تلبية طلب إيران للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، هو الأول الذي تطلبه طهران منذ عهد الشاه.

 

وتشكك مديرة ”مبادرة مستقبل إيران“ في مؤسسة ”المجلس الأطلسي“ للأبحاث، بربارا سلافين، في مدى تأثير الوفيات الناجمة عن كورونا المستجد على القيادة الإيرانية.

 

وقالت: ”تعرّضت إيران لضغط استثنائي منذ فرضت الولايات المتحدة الحظر على النفط، ولضربة تلو الأخرى، لكن النظام لا يزال قائما“.

 

وأشارت إلى أن الاستثناء الأبرز سيكون في حال وصل الوباء العالمي بطريقة ما إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 80 عاما، والذي لطالما طرحت تساؤلات بشأن وضعه الصحي.

 

ووصف خامنئي ”كوفيد-19″، الوباء الناجم عن كورونا المستجد، بأنه سلاح بيولوجي، وهو اتهام كان موضع سخرية في واشنطن.

 

وفي وقت يتعرّض ترامب لانتقادات في الولايات المتحدة على خلفية طريقة تعاطيه مع تفشي المرض، استهدفت صواريخ كاتيوشا، السبت، مجدداً قاعدة التاجي العسكرية العراقية شمال بغداد، والتي قتل فيها جنديان أمريكيان، وأخرى بريطانية، بهجوم مماثل الأربعاء.

 

 

وحمّلت الولايات المتحدة مجموعة شبه عسكرية مؤيدة لإيران مسؤولية هجوم الأربعاء، وشنّت ضربات جوية انتقامية، في آخر حلقة من سلسلة نزاع شهد قتل الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير.

 

وقالت سلافين: ”أعتقد أن هذا النمط سيستمر، خصوصا لأن إدارة ترامب كغيرها من الحكومات الأخرى، منشغلة تماما“ بمسألة الفيروس.

 

وأضافت: ”على الحساب أن يقوم بالنسبة لإيران على أساس أنه لا يمكنه (ترامب) التعامل مع أزمة واحدة، فكيف سيتعامل مع أزمتين في الوقت ذاته؟“.