ازدهرت مأرب على مدى السنوات الخمس الماضية وتمتعت بسلام نسبي حيث توافد آلاف النازحين من صنعاء والجوف ومحافظات أخرى إلى المدينة. وقد كانت مشابهة لواحة محاطة بالألغام الأرضية.
وعلى بعد حوالي 170 كيلومترًا من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، صدت مأرب جماعة الحوثيين الذين دفعوا بمقاتليهم نحو المدينة بلا هوادة. إنها معركة حياة وموت لكلا الجانبين. وقال موقع «Inside Arabia» الأمريكي - في تقرير ترجمة "يمن شباب نت"- "مأرب مثلت مصدر قلق للحوثيين حيث لم يكن لديهم أي تأثير على قيادتها أو سكانها. وأي تقدم أرضي حققوه في خطر، وأي مكاسب يسجلونها يمكن أن تتحول إلى خسارة بالنظر إلى المقاومة الشديدة التي فرضتها المحافظة بأكملها". والمعركة المستمرة وليست المرة الأولى التي يحاول الحوثيين إخضاع مأرب، ففي عام 2015، انخرط رجال القبائل في المحافظة في اشتباكات عنيفة مع الحوثيين ونجحوا في صدهم، لقد كانت السيطرة على مأرب حلمًا للحوثيين لم يتحقق حتى الآن، ولا يبدو أنه سيتحقق.
حقيقة أن القبائل والحوثيين لن يتوصلوا أبداً إلى أرضية مشتركة يمكن أن تعزى إلى الانقسامات الأيديولوجية. حيث يعرّف رجال قبائل مأرب أنفسهم كمسلمين سنة بينما يتبع الحوثيون العقيدة الشيعية. ويعتقد الحوثيون أن لهم الحق الإلهي في الحكم على الآخرين، وهذا يمثل لعنة لقبائل مأرب التي تعتز باستقلالها طالما أنها لا تزال لديها أسلحة وقدرة على القتال. وبالتالي هنالك فجوة أيديولوجية واسعة حيث لم يتمكن الحوثيون من كسب قلوب موالية لهم في المحافظة. ثانيًا، لم تقع مأرب في فخ التنافس الحزبي عندما استولى الحوثيون على صنعاء في سبتمبر 2014، كما تحولت الانتفاضة الشعبي من مسار سلمي إلى صراع حزبي مدمر، خاصة بين المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح. وما كانت سيطرة الحوثيين على محافظتي عمران وصنعاء وتوسعهم اللاحق في عدة مدن في اليمن لتحدث بدون دعم قيادة المؤتمر الشعبي العام، بما في ذلك علي عبد الله صالح، الذي أعدمه الحوثيون في نهاية المطاف عام 2017 بعد نقض تحالفه مع الجماعة. وأراد المؤتمر الشعبي العام الانتقام من حزب الإصلاح وجميع الحركات السياسية التي خرجت إلى الشوارع، مطالبة بإسقاط نظام صالح. وقد كان خطأً مدمرًا ارتكبته الأحزاب السياسية، مما وفر أرضية خصبة لبروز الحوثيين وتوسعهم في جميع أنحاء البلاد. وبالفعل، فإن العداء الحزبي بين الأحزاب السياسية في اليمن في أعقاب الانتفاضة الشعبية لعام 2011 قد سقا جذور حركة الحوثيين وعززها، مما أدى في النهاية إلى الموت التدريجي للدولة. وبشكل ملحوظ، وقفت مأرب وحدها ونجت من وباء الحزبية الانقسامية التي كلفت اليمن غالياً منذ عام 2014، حيث ظلت المحافظة موحدة بقوة وعمل مقاتلوها المناهضون للحوثيين بشكل جماعي لمنع أي محاولة للحوثيين للتقدم نحو مناطق المحافظة.
ثالثاً، مثلت القيادة القوية لمحافظ مأرب حافزاً للمقاومة الثابتة بمحافظته منذ أوائل عام 2015، إذ نجح المحافظ سلطان العرادة، الذي عينه الرئيس هادي في عام 2012، في كسب الدعم الداخلي والخارجي. كما تم توحيد القبائل والأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة تحت قيادته. ومن المفيد أنه يحافظ أيضًا على علاقات جيدة مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين شنتان حملة عسكرية ضد الحوثيين في عام 2015، وبالتالي فإن حنكة العرادة وعلاقته وتفهمه للمحافظة كلها امور ساعدته في الوقت الحرج. أخيرًا، لم تركز قيادة مأرب على جهود الحرب فحسب، تاركة الاقتصاد والخدمات العامة التي يحتاجها المدنيون دون معالجة. بل إنه وبدلاً من ذلك، شهدت مأرب تحسناً هائلاً في قطاعات خدماتها الأساسية بما في ذلك الصحة والتعليم والكهرباء والبنية التحتية للطرق. وحالياً تشكل المدينة ملاذا آمنا للسكان المحليين والنازحين وقفز عدد سكانها من 300,000 إلى 3 ملايين. في حين أن انشغال الحوثيين بالاستيلاء على مأرب لم يختفي بعد، فإن القوى التي دافعت عن المحافظة لازالت حازمة وثابتة. وبالتالي، طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل في اليمن، ستواصل مأرب مواجهة هجمات الحوثيين، ولن تتوقف صواريخهم المتفرقة التي تصيب الأحياء المدنية والمواقع العسكرية. في النهاية، مثلما لعبت مأرب دورًا حاسمًا في تمهيد الطريق لانتصار ثورة اليمن عام 1962 ضد حكم الإمامة التي يسعى الحوثيون إلى إحيائها، يمكن الاستدلال من التاريخ على أن هذه المحافظة لن تخضع بسهولة لقيادة الحوثيين.