بسبب الحرب.. سقوط أخر الرموز السيادية في اليمن!

قبل 4 سنة | الأخبار | اخبار الوطن

تعاني اليمن انهياراً متواصلاً للعملة الوطنية في ظل حرب وصراع طاحن تشهده البلاد منذ خمسة أعوام؛ كرة نار متدحرجة تفجرت شظاياها في كل الاتجاهات، وجعلت اليمن دولة منكوبة بأكبر أزمة إنسانية في العالم حسب تصنيف الأمم المتحدة.

  تدحرجت كرة النار بالتوازي مع تقويض السلطات الرسمية في كل مناطق الصراع، وتعويم استيراد المشتقات النفطية، وتجميد البنك المركزي اليمني بعد نقله من صنعاء إلى عدن، بالإضافة إلى نفاد الاحتياطي من النقد الأجنبي، واستخدام العملة التالفة، وطبع نقود بدون غطاء.

ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن تم إفراغ البنك المركزي اليمني من الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو 5 مليار دولار، وأكثر من تريليون ونصف من العملة الوطنية، بينما فقدت العملة وفق تقارير رسمية 150% من قيمتها .

ومع تلاشي العملة الوطنية في كل المحافظات بمقابل توفر كبير في العملات الأجنبية مثل الدولار والريال السعودي، وصل الأمر إلى أن أصبح “الريال العربي” التسمية المعروفة للعملة السعودية بصورة غير مباشرة، عملة “تداول رسمية” في كل التعاملات التجارية والمصرفية في 8 محافظات يمنية، أهمها حضرموت وأربع محافظات جنوبية ومأرب والجوف وصعدة.

واعتبر خبراء “إنقاذ العملة اليمنية وإيقاف الانهيار الاقتصادي أهم من إيقاف الحرب “. وتؤكد الأمم المتحدة في تقرير “خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن 2019،  اطلعت عليه أن الريال اليمني فقد 150% من قيمته، ما وضع اليمن على حافة المجاعة، وعجزت عشرات الآلاف من الأسر المعوزة عن شراء المواد اللازمة للبقاء على قيد الحياة.

وتصاعدت وتيرة الصراع على العملة مع نهاية العام الماضي بعد قرار سلطة أنصار الله (الحوثيين) بوقف التعامل بالعملة المطبوعة مؤخراً من قبل الحكومة المعترف بها دولياً، والقيام بحملات مكثفة لمصادرتها، الأمر الذي أدى، حسب خبراء، إلى تمزيق العملة اليمنية بين طرفي الحرب. إذ تتعامل صنعاء ومناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين) بالعملة القديمة، بينما تتداول عدن ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، العملة الجديدة المطبوعة بعد نقل البنك المركزي إلى عدن.

في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي أحمد حجر، وكيل وزارة المالية الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين) أن الانقسام أداة رئيسية في الحرب الاقتصادية. ووفقاً لرؤيته، فإن النظام المالي في عدن “عبارة عن وهم، وأداة سياسية أكثر من كونها اقتصادية”، لأنه “لم يحدث في التاريخ  أن يكون هناك حكومة موزعة في كل دول العالم”- حسب تعبيره.

وأضاف حجر في حديثه أن البنك المركزي في عدن “لا يستطيع أن يوحد فروعه في المحافظات الواقعة تحت سلطته المالية والنقدية، إذ أن كل فرع للبنك في تلك المحافظات مستقل بذاته، لهذا لا يمكن لبنك بهذه الوضعية أن يدير سياسة نقدية ومالية متكاملة”. 

وأشار إلى أن “الأرصدة المالية والعمليات المحاسبية والإجراءات النقدية كلها تتم في البنك الأهلي السعودي”، وأن ذلك يعني وفقاً للأنظمة والمعايير النقدية والمالية الدولية أن البنك المركزي في حكم المودع في البنوك السعودية”. كما اتهم حجر إدارة النظام المالي في عدن بتحويل البنك المركزي إلى “أداة لغسل الأموال”. وربط ذلك بكشف تورط إدارة البنك بالمضاربة بسعر العملة، وما سماه “غسل عائدات النفط والغاز” خلال الثلاث سنوات الماضية، لصالح مسؤولين ونافذين في الحكومة المعترف بها دولياً.

من جانبه، حدد الخبير الاقتصادي الدكتور علي البحر، رئيس بنك الإسكان السابق، ثلاثة أسباب رئيسية قادت إلى انهيار العملة اليمنية: “نفاد الاحتياطي من العملات المحلية والأجنبية، تقويض عمل المؤسسات المالية، والطبع النقدي الذي ساهم كثيراً في اضطراب العملة”.

وقال البحر في حديثه إن الوضع الذي خلقته الحرب وقرار نقل البنك المركزي وانهيار العملة، أثار فزع القطاع البنكي والمصرفي، “ما جعل الجميع يتخلص من العملة الوطنية من خلال مبادلتها بالعملات الأجنبية والاحتفاظ بالنقود بعيداً عن القنوات المالية والمصرفية الرسمية”. وحسب البحر، أدى ذلك لانتشار محلات وشركات الصرافة التي “امتصت أموال المودعين واحتياطيات البنوك”- حسب تعبيره.

وكانت الحكومة المعترف بها دولياً قامت، في 2016، بطباعة نحو 700 مليار ريال من العملة الوطنية من مختلف الفئات لمواجهة أزمة السيولة الحادة- حسب تبريرها لطباعة النقود بدون غطاء. 

ويعتبر البحر طباعة النقود الجديدة “خطوة غير مدروسة وتمت بعشوائية”، لأن العملة تمت طباعتها “بشكل مختلف عن العملة الورقية المتداولة لأسباب غير معروفة”، لافتاً إلى أن “طبع النقود له حدود ويرتبط بالناتج القومي والمحلي”، وأن طباعة النقود بأكثر مما مستوى الإنتاج، “خطأ كبير وله انعكاسات كارثية، كالتي نراها في الوضع الراهن للعملة اليمنية”.

اقتصاد الطوائف

وشهدت العملة اليمنية تدهوراً غير مسبوق منذ نهاية العام 2018، حيث لم يستقر الريال على سعر ثابت مقابل العملات الأجنبية، نتيجة للمضاربة المتواصلة بالعملة في السوق المصرفية وانقسام المؤسسات المالية الحكومية.

في هذا الإطار تتبعت حركة العملة اليمنية صعوداً وهبوطاً منذ بدء الانهيار الكبير في شهر سبتمبر 2018. إذ شكلت أزمة سعر الصرف التي وصلت ذروتها بين منتصف سبتمبر ومنتصف نوفمبر 2018، مع وصول الدولار إلى نحو 700 ريال، أبرز العوامل المستجدة التي أثرت سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين في البلاد.

ورغم الانخفاض النسبي في سعر الصرف فيما بعد، إلا أنه لم يستقر. فخلال العام الماضي، تصاعد سعر الصرف الموازي في المتوسط من 537 ريال/ دولار في يناير 2019، إلى أكثر من 570 ريال/ دولار في نوفمبر وديسمبر من نفس العام. 

وبذل البنك المركزي اليمني- حسب مصادر حكومية- جهوداً كبيرة لاحتواء أزمة سعر الصرف، بما في ذلك تمويل واردات الوقود والسلع الغذائية الأساسية بسعر صرف تفضيلي، وتفعيل النظام البنكي الخاص بإدارة المراكز المالية للبنوك، وتنشيط وظيفة الرقابة والتفتيش على البنوك، وتحسين إدارة النقد الأجنبي وشئون الصرافة، فضلاً عن إعداد تقارير التعرض لمخاطر النقد الأجنبي.

ومع ذلك، تصاعد سعر الصرف الموازي تدريجياً حتى بلغ 584 ريال/ دولار في أغسطس 2019، وتجاوز في سبتمبر حاجز الـ600 ريال للدولار الواحد مرتفعاً بحوالي 172% مقارنة بما كان عليه بداية 2015. وفي ديسمبر 2019، أصبحت العملة بمثابة عملتين، بعد قرار سلطات أنصار الله (الحوثيون) منع تداول العملة المطبوعة حديثاً، ما أحدث تفاوتاً في سعر صرف الريال بين صنعاء وعدن. وصار سعر الصرف الراهن في شهر مارس، 595 ريالاً/ دولار في صنعاء، مقابل 640 ريالاً/ دولار في عدن.

وأدى ذلك إلى زيادة معدل تضخم أسعار المستهلك، وإضعاف القوة الشرائية للعملة الوطنية. وبالتالي، تخفيض القيمة الحقيقية للمدخرات والدخل والاستهلاك، وتفاقم مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية خاصة أن اليمن يعتمد على الاستيراد في تغطية معظم احتياجاته الغذائية وغير الغذائية.

كما أدت الحرب إلى “لبننة” الاقتصاد اليمني، إذ كونت ما يشبه اقتصاد الطوائف، حسب وصف الباحث الاقتصادي بجامعة صنعاء ياسين القاضي. ويرى القاضي أن “ما حدث في لبنان في الحرب الأهلية مطلع الثمانينات من القرن الماضي، يتم تنفيذه في اليمن منذ بداية هذه الحرب في مارس من العام 2015، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وتدمير العملة الوطنية”. 

وأضاف القاضي: “انظر إلى الوضع في اليمن الآن من تدهور اقتصادي مريع وانهيار كلي للعملة التي فقدت قيمتها بنسبة كبيرة، وإلى التفتيت الحاصل في البلاد، و”الكيتونات” التي تشكلت بدلاً عن الدولة التي تم تقويضها لصالح الفئات العسكرية والمليشاوية”- حسب تعبيره. 

تأجيل الانهيار

تسبب الانخفاض السريع لقيمة الريال اليمني وتلاشيه وانحساره مقابل العملات الأجنبية واقترانه بالقيود المفروضة على الائتمانات والإيرادات، بجعل ملايين الأشخاص في اليمن معرضون لمزيد من الأخطار والصدمات، مع تفاقم الأزمات المعيشية وتوقف صرف مرتبات القطاع العام وانهيار الأمن الغذائي، إذ أصبح نحو 17 مليون شخص في دائرة الفاقة والعوز ولا يجدون وجبتهم التالية- حسب تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي. 

وكان تدخل السعودية في هذا الصدد، بهدف دعم الريال اليمني حين تعرضه لانهيار تجاوز حاجز 700 ريال للدولار الواحد في 2018. لكن هذا الدعم لم يكن على شكل منحة، بل جاء على شكل وديعة.

ديون

وحسب الخبراء الذين تحدثوا فإن سياسة التحالف في اليمن تسببت بانهيار العملة والاقتصاد اليمني وإغراق البلد بالعبث والفوضى والديون. 

وارتفع الدين الخارجي لليمن- حسب تقرير صادر عن قطاع الدراسات الاستراتيجية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، من 6 مليارات و765 مليون دولار عام 2014، إلى 9 مليارات دولار العام الحالي 2019، بينما ارتفع صافي الدين الداخلي من 3 تريليون إلى 6 تريليون ريال.

وحمل مصرفيون، التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وأطراف النزاع المحلية، مسئولية انهيار العملية اليمنية، إضافة إلى فشل حكومة المعترف بها دولياً، في تشغيل البنك المركزي بعد قرار نقله إلى عدن، وفشل البنك في القيام بوظائفه خصوصاً في الارتباط بفروعه وفي مرتبات التشكيلات العسكرية. واعتبروا أن التحالف ينتهج “سياسة تدميرية واسعة أضرت بالاقتصاد اليمني”، وساهمت في النيل من العملة الوطنية بتقويض أداء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وعدم تمكينها من منافذ التصدير ومواقع إنتاج النفط والغاز.

واستناداَ لتشخيص هؤلاء المصرفيين، فإن “العملة تم إخراجها إلى السوق أو بالأصح إلى الشارع”، وأن “نهب مال الدولة” أدى لانقطاع الدورة النقدية تماماً حتى [الأوراق] الممزقة تم إخراجها وقد كانت معدة للإتلاف”.

في هذا السياق يقول عضو جمعية الصرافين اليمنيين عبدالقادر العمري إن ما تشهده العملة اليمنية من اضطراب “يعود إلى توقف الدورة النقدية بعد نقل البنك المركزي إلى عدن في سبتمبر 2016، والانقسام في المؤسسات المالية والنقدية بين بنكي صنعاء وعدن”. يضاف إلى ذلك- وفقاً للعمري- “تعطيل عمل البنوك بتجميد الأرصدة وانتشار محلات الصرافة وزيادة عمليات المضاربة”، الأمر الذي جعل انهيار الريال اليمني أمام العملات الاجنبية مستمراً.