"مأرب" المحافظة الوحيدة في اليمن التي يتجاور فيها كل أطراف الحرب دون سيطرة كاملة لأي طرف، فهى ذات أهمية اقتصادية وجغرافية كبيرة، حيث تزخر بالثروات بجانب توسطها أهم المحافظات.. فهل يتدخل المجتمع الدولي لفرض "ستوكهولم" جديد لها كما حدث في الحديدة؟
يرى مراقبون أن تحرك الدول الكبرى بشأن مأرب جاء وفقا لمصالحهم الخاصة، أما الشرعية فدعوتها لمجلس الأمن جاءت نتيجة لأن المحافظة هى آخر معاقلها، وحتى تهرب من تنفيذ الاستحقاقات المفروضة عليها في اتفاق الرياض، الأمر الذي يعني تعقد الأوضاع ويؤكد أن الحلول الجزئية لن تفيد.
مشكلة دولية
قال الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني اللواء عبد الله الجفري: "نحن ندرك أن العدوان على اليمن هو عدوان دولي أعلن في البيت الأبيض في 26 مارس/ آذار 2015، وبالتالي نحن نعلم جيدا أن مشكلة اليمن هى مشكلة دولية والعدوان عدوان دولي، واليمن الآن دولة محتلة من خلال بعض الرموز الشكليين".
وأضاف لـ"سبوتنيك" أن الوضع اليوم تغير في اليمن بعد قيام ثورة 21 سبتمبر/ أيلول والتي يُحتفل بذكراها السادسة حاليا، متابعا: "تلك الثورة كان من أهم أهدافها رفع الوصاية الخارجية التي ظلت جاثمة على صدورنا طوال 5 عقود ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، واليوم أدرك الشعب اليمني أبعاد وأهداف تلك المؤامرة وبعدها التاريخي".
وتابع الخبير العسكري: "نجد أن مجلس الأمن سبق وأن عقد جلسة في 26 يناير/ كانون الثاني 2020 بخصوص تحرير مناطق في نهم، وكانت الجلسة طارئة ومغلقة، كما عقد المجلس جلسة طارئة الشهر الماضي بخصوص الأوضاع في اليمن".
وأردف أن "هذا يؤكد أن المشروع الخارجي في اليمن كبير ويريدون من خلاله نهب ثروات ومقدرات أبناء الشعب اليمني، حيث أن محافظة مأرب من المحافظات اليمنية الشرقية الغنية بالنفط والثروات الاقتصادية وكذلك محافظات شبوة وحضرموت والجوف".
مشاريع استعمارية
وأوضح الخبير الاستراتيجي، حقيقة ما يسمى "بالمجتمع الدولي قد كشر عن أنيابه عندما وصلت قوات صنعاء على مشارف مدينة مأرب"، مضيفا: "هنا تكون كافة المشاريع الاستعمارية تكون هنا قد سقطت، خاصة ما يسمى بمشروع مخرجات الحوار والدولة المكونة من ست أقاليم، أو ما يسمي بمشروع الجنوب العربي الذي تدعمه الإمارات".
أهمية إستراتيجية
وأكد الجفري أن "محافظة مأرب متنامية الأطراف ولها ارتباط مع محافظات شبوة وحضرموت والجوف وكذلك مع محافظة البيضاء، فهى في موقع استراتيجي هام بين تلك المحافظات الغنية بالثروات النفطية والاقتصادية".
وتابع أن مأرب لديها خطوط إمداد مع محافظة شبوة والجوف، كذلك لها حدود مع المملكة السعودية، وتربط بين المحافظات الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، و"كانت مأرب للتنظيمات الإرهابية والتي تعتمد عليها دول العدوان كجيوش بديلة منذ وقت مبكر".
أجندات ومصالح
من جانبه قال الخبير الاستراتيجي اليمني العميد ثابت حسين: "إذا ما عدنا إلى تاريخ الحرب في اليمن عام 2015 سنلاحظ أن المجتمع الدولي لا يتحرك إلا وفق أجندات ومصالح تخص دولهم واقصد الدول العظمى".
وأضاف لـ"سبوتنيك": "أعتقد أن مجلس الأمن تحرك عندما كادت القوات المشتركة سواء كانت قوات العمالقة أو المقاومة التهامية أو قوات حراس الجمهورية والتي وصلت في السابق إلى مشارف الحديدة وكادت أن تكون في قبضة تلك القوات، وبالتالي يخسرها "الحوثيون"، هنا تحرك مجلس الأمن".
واستطرد أن "الغريب في الأمر أن أجنحة الشرعية هى الأخرى تحركت لوقف تلك المعركة من خلال اتفاق السويد، لأن حكومة الشرعية كانت تدرك جيدا أن القوات التي ستسيطر على الحديدة ليست قوات موالية لها".
الحديدة ومأرب
وتابع الخبير الاستراتيجي،أنه بعد ما حدث في الحديدة عام 2018، الآن الأمر يتكرر في مأرب، حيث أن مأرب كان لها وضع خاص لأنها المدينة الوحيدة التي فيها سلطة ما لحكومة الشرعية، وهذا ما دفع حكومة الشرعية إلى التحرك الآن والاستنجاد بمجلس الأمن للتدخل من أجل إيقاف هجوم الحوثيين على مدينة مأرب.
ستوكهولم جديد
وتوقع حسين أن الشرعية تحاول الآن الوصول إلى "ستوكهولم" جديد بخصوص مأرب مع "الحوثيين"، ناهيك عن أن هناك محادثات بشأن اتفاقات تبادل الأسرى بين الشرعية والحوثيين.
ويعتقد أن الهدف الأساسي من كل هذا ليس مأرب والحفاظ عليها، بل تعطيل اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية وما يفرضه على الحكومة الحالية من استحقاقات، مثل تشكيل الحكومة الجديدة مناصفة بين الجنوب والشمال، بالإضافة إلى إخراج القوات وتوجيهها للقتال ضد "الحوثيين"، وهى استحقاقات لا تريد الشرعية تنفيذها، لأن تنفيذ اتفاق الرياض سوف يكشف حقيقة تلك الحكومة.
ولفت الخبير الاستراتيجي إلى أنه "يجب وضع الأمور في نصابها وأن نكون واقعيين للأوضاع على الأرض، الشمال اليوم تحت قبضة الحوثيين، والجنوب تتقاسمه سلطة الانتقالي والشرعية، وما يجب أن يحدث الآن هو التسوية الجذرية للمشكلة اليمنية بالكامل، ومشكلة الجنوب بشكل خاص".
الحكومة اليمنية
أدانت الحكومة اليمنية، أمس السبت، استمرار هجوم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، على محافظة مأرب، داعيةً مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة تداعيات الهجوم المتواصل على المدنيين.
وقالت وزارة حقوق الإنسان، في بيان، وبحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي تبثُ من الرياض: "الحوثيون مستمرون في مهاجمة محافظة مأرب واستهداف أحيائها المكتظة بالسكان بالصواريخ البالستية، في ظل صمت الهيئات الدولية المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسانية في العالم".
وذكرت بأن "مأرب احتضنت خلال سنوات الحرب قرابة مليوني نازح من مختلف المحافظات، ووفرت لهم الأمان والحياة اللائقة، واستقبلت مدارسها ومستشفياتها أبناء النازحين بصدر رحب".
وطالبت وزارة حقوق الإنسان اليمنية مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان بـ"عقد اجتماع طارئ لمناقشة التداعيات الخطيرة التي يشكلها الحوثيون على حياة اليمنيين في مأرب، واتخاذ الإجراءات العاجلة للحيلولة، دون ارتكاب إبادة جماعية ومجازر بحق السكان المحليين وأبناء القبائل".
واعتبرت الوزارة أن "استهداف الحوثيين محافظة مأرب، استهدافا للدولة اليمنية بكافة مؤسساتها، ويعرض مليونين ونصف المليون يمني للمخاطر المحدقة".
وانتقدت وزارة حقوق الإنسان في اليمن، موقف المجتمع الدولي إزاء الحملة العسكرية لجماعة الحوثيين في محافظة مأرب، قائلة إن "المبالغة في استخدام مصطلح الإنسانية من المجتمع الدولي في الحديدة، واللجوء للصمت فيما تتعرض له مأرب يعد ازدواجًا فاضحًا في استخدام وتطبيق القانون الدولي الإنساني والحقوقي".
وتدور مواجهات عنيفة بين جماعة أنصار الله "الحوثيين" وقوى تدعمها من جهة وبين الجيش اليمني مدعوما بتحالف عسكري تقوده السعودية من جهة أخرى في مناطق متفرقة من مأرب، ضمن معارك أكبر تشمل مختلف مناطق اليمن.
جاء ذلك بعد أيام من تمكن الحوثيين من السيطرة على مدينة العمود آل طالب، مركز مديرية ماهلية وإدارة الأمن وموقع الخرابة ومنطقة السائلة، وتقدمهم إلى تخوم مديرية رحبة في الأطراف الجنوبية الغربية من محافظة مأرب النفطية.
وتقود السعودية، منذ مارس/ آذار 2015، تحالفا عسكريا من دول عربية وإسلامية، دعما للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، في سعيها لاستعادة العاصمة صنعاء ومناطق واسعة في شمال وغرب اليمن، سيطرت عليها الجماعة أواخر 2014.
وبالمقابل تنفذ جماعة "أنصار الله" هجمات بطائرات بدون طيار، وصواريخ باليستية، وقوارب مفخخة؛ تستهدف قوات سعودية ويمنية داخل اليمن، وداخل أراضي المملكة.