أفرض الضرائب وأحكم: الحوثيون وضريبة الخُمس، نحو مأسسة النخبة الهاشمية

قبل 4 سنة | الأخبار | اخبار الوطن

الوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء

المقدمة

في 29 أبريل/نيسان، وضعت سلطات الحوثيين في صنعاء رسميًا لوائح جديدة بشأن تحصيل وصرف أموال الزكاة، الفرض الإسلامي الذي يقتضي من كل فرد دفع جزء من ثروته كل عام لأعمال خيرية. وفرضت اللائحة التنفيذية الجديدة لقانون الزكاة – التي وقّعها رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، مهدي المشاط -ضريبة الخُمس (%20) على الأنشطة الاقتصادية المنطوية على موارد طبيعية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة في اليمن،[1] والتي تشمل معظم مناطق الشمال حيث يعيش حوالي %70 من السكان.

إقرأ أيضاً ؛

شاهد بالفيديو... أسر مليشيا الحوثي مع قائدهم في المزاريق بالجوف !

سواريز: بكيت بسبب برشلونة.. وهذا الأمر أزعج ميسي

واشنطن تعلن قبول طلبات الحصول على الاقامة الدائمة في الولايات المتحدة

 

وصفت سلطات الحوثيين اللوائح الجديدة بأنها امتداد لقانون الزكاة لعام 1999 في اليمن، وبناءً على التفسير الجديد للقانون، فإن عائدات الخُمس تفيد أهل البيت، عائلة النبي محمد، بشكل عام. وتُعرّف هذه الشريحة من المجتمع اليمني بالهاشميين، ويُقدّر عددهم بنحو %5 إلى %10 من سكان البلاد،[2] من بينهم عائلة الحوثي وعدد كبير من الموالين لجماعة الحوثيين.

استمد الحوثيون هذا الإلهام لفرض سياسة الخُمس من حكم الإمامة قبل تطبيق نظام الجمهورية في اليمن، حين تمتعت السلالة الحاكمة الشيعية الزيدية وغيرها من العائلات الهاشمية التي تعيش غالبًا في مناطق شمال اليمن بامتيازات خاصة، وشكّلت طبقة النخبة. كما يتوافق تعديل قانون الزكاة مع أيديولوجية الحوثيين، التي تدعّي أن لآل البيت حقًا إلهيًا في الحكم.[3]

لكن القرار أثار انتقادات واسعة اعتبرت أن فرض الخُمس؛ يضفي الطابع المؤسسي على التمييز السلالي العنصري، ويمثّل إهانة لقيّم المواطنة المتساوية التي ينص عليها دستور الجمهورية اليمنية.

 

الخُمس واليمن

الزكاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة، أما الخُمس فلا يحظى سوى بمساحة صغيرة في الفقه الإسلامي. يختلف تفسير تأدية الخُمس، الذي ورد ذكره في القرآن والأحاديث النبوية بين المذهبين السني والشيعي. فعلى عكس الزكاة -الفرض الديني الذي تعترف به جميع الطوائف الإسلامية وتُرف أمواله لمساعدة المحتاجين والفقراء -فإن الخُمس في المذهب السني يُطبّق بشكل أساسي على غنائم الحرب، وفسرته بعض المذاهب الإسلامية بما يُعرف بزكاة الركاز، الذي ينص على دفع الزكاة على الكنوز المدفونة والثروة المستخرجة من البحر أو المعادن المستخرجة من الأرض.[4]

بينما يعتمد المذهب الشيعي تعريف أوسع لمصطلح غنائم الحرب، إذ يشمل الدخل السنوي، والمال الحلال المختلط بالحرام، والأرض التي يشتريها ذمي من مسلم (الذمي هو غير المسلم الذي يعيش تحت حماية حكومة إسلامية).[5]

ينص الدستور اليمني صراحة على أن جميع الثروات الطبيعية في أراضي البلاد ومياهها الإقليمية هي ملك للدولة، ويجب تسخيرها في خدمة “الصالح العام”.[6] وبموجب القانون، لا تُفرض الضريبة التي تبلغ نسبتها %20 على استخراج الموارد الطبيعية إلا في الظروف الاستثنائية.[7] وبالتالي، فمن الواضح أن الدستور اليمني والنظام القانوني للبلاد يُفضّلان التفسير الأكثر تقييدًا للخُمس. ونظرًا لعدم توفر الشروط اللازمة لتطبيقه، لم يُفرض الخُمس أبدًا في تاريخ الجمهورية اليمنية إلا مؤخرًا، في ظل سياسة سلطات الحوثيين التي يتناقض تفسيرها للخُمس مع الدستور اليمني، ويشكّل سابقة قانونية.

وبشكل عام، يعيد مفهوم الخُمس الانقسامات الاجتماعية الواضحة في اليمن، إذ قسّمت الإمامة اليمنيين على مدار مئات السنين إلى خمس طبقات اجتماعية: الهاشميون، وهي الطبقة الاجتماعية الأعلى التي حكمت الدولة وسيطرت على ثروتها. القضاة، وتتكون من عائلات أرستقراطية متعلمة غير قبلية وغير هاشمية يشغل أعضاؤها مناصب في القضاء والخدمة المدنية ومراكز تربوية ودينية. القبائل، الطبقة التي شكلت غالبية السكان وعمل أبناؤها كجنود ومزارعين لصالح الهاشميين. المزاينة، وهي الطبقة الدنيا العاملة في بعض الوظائف التي يُنظر لها في بعض مناطق اليمن كمهنٍ “وضيعة”، مثل الحلاقين والجزارين والفنانين وبعض المزارعين. وأخيرًا المهمشون، وهي الطبقة الدنيا التي تتألف من ذوي البشرة السمراء. وغالبًا ما يدمج علماء الاجتماع الفئتين الأخيرتين معًا.

صحيح أن هذه الطبقات ما زالت موجودة بشكل ما حتى اليوم،[8] رغم أن إحدى نتائج ثورة الجمهورية عام 1962، كانت تتمثل في كسر قبضة الهاشميين الخانقة على السلطة السياسية والاجتماعية، لكنهم استمروا في شغل مناصب رفيعة كقادة أحزاب سياسية ومسؤولين حكوميين وبرلمانيين. وبالتالي، قد يشكل الخُمس؛ بسبب تحيّزه الطائفي والأيديولوجي، أساسًا تشريعيًا لإعادة الاستعباد الاجتماعي، والانقسامات الطبقية، والتمييز العنصري بشكل رسمي، من خلال تفضيل الهاشميين على غيرهم في اليمن.

إضفاء الحوثيين الطابع المؤسسي على اقتصاد سياسي طائفي يهدف إلى زيادة عدم المساواة في الثروة، سينعكس على المجتمع الممزق أصلًا بسبب الخلافات المتعلقة بالصراع، ويزيد على الأرجح، من انقساماته. كما أن تعديل نظام الزكاة وكيفية توجيه الإيرادات يؤثر سلبًا على الاستثمارات الرأسمالية للحكومة في الخدمات العامة الأساسية، مثل التعليم، والصحة، والمياه، ويقوّض الإطار المالي للدولة، ويزيد من تعقيد إعادة توحيد هياكل الحكم في حال التوصل إلى نهاية تفاوضية للحرب في البلاد.

 

تعديلات الحوثيين على الإطار القانوني للزكاة في اليمن

ينص القرار الرئاسي رقم 265 الذي صدر إبان حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح عام 2001، على إنشاء الإدارة العامة للواجبات الزكوية، لتعمل كجزء من الهيكل التنظيمي للسلطات المحلية بالمحافظات في تحصيل رسوم الزكاة[9].

وكانت الزكاة تُوزع بناء على قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2000، الذي أدمج إيرادات الزكاة في موازنات السلطات المحلية على مستوى المحافظات والمديريات كمصدر رئيسي لتمويل مشاريع البنية التحتية، ووفقًا للمادة 123 من هذا القانون، فإن 50% من عائدات الزكاة المحصّلة على مستوى المديرية، تعود كموارد محلية لها، وتذهب النسبة المتبقية لصالح ميزانية المحافظة الأكبر.[10] وهذا القانون، الذي يمكن اعتباره لائحة تنفيذية لقانون الزكاة اليمني رقم (2) لعام 1999، لا يتطرق إلى الخُمس ولا ينص على معايير عملية تحصيله.

من وجهة نظر قانونية، أدى إصدار قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2000 إلى وقف تطبيق قانون الزكاة؛ كما وجه موارد الزكاة إلى مشاريع التنمية التابعة للسلطات المحلية؛ كون حجم إنفاق الحكومة على الاحتياجات الاجتماعية التي تهدف هذه الموارد إلى تلبيتها -بشكل أساسي من خلال صندوق الرعاية الاجتماعية الذي وزع تحويلات نقدية لنحو 1.5 مليون من أفقر الأسر في اليمن -تجاوز بكثير رسوم الزكاة التي جبتها الدولة. وبعد الوفاء بواجب الزكاة الديني لدعم الفقراء والمحتاجين، أعادت الحكومة توجيه إيراداتها من تحصيل الزكاة إلى أولويات الإنفاق الأخرى.[11]

اندلعت الثورة اليمنية عام 2011 وأسفرت عن استقالة صالح أوائل 2012، ما أفسح المجال لنائبه عبدربه منصور هادي لتولي الرئاسة. وفي سبتمبر/أيلول 2014، سيطرت قوات الحوثيين على العاصمة صنعاء بدعم من القوات المتحالفة مع صالح، وأطاحت بحكومة هادي. بعدها، حاول الحوثيون وفصيل صالح من حزب المؤتمر الشعبي العام تقاسم السلطة في الوقت الذي توترت العلاقة بين الطرفين.

شملت الخلافات بينهما جدال حول الهيئة المسؤولة عن تحصيل الزكاة، ولصالح من يجب تحصيلها؟ وفي يونيو/حزيران 2017، ظهر الانقسام حول هذا الموضوع بين المجلس السياسي الأعلى الذي يسيطر عليه الحوثيون وحكومة الإنقاذ الوطني التي تضمنت ممثلين عن الحوثيين وأعضاء من حزب المؤتمر. وفي الشهر نفسه، أصدر وزير المالية المعيّن من قِبل الحوثيين صالح شعبان مرسومًا يقضي بإعادة توجيه عائدات الزكاة من حسابات السلطة المحلية إلى حساب خاص في البنك المركزي اليمني بالعاصمة صنعاء، وهي خطوة عارضها حزب المؤتمر سعيًا إلى الإبقاء على الصلاحية القانونية لتحصيل الزكاة كما هو منصوص عليه في قانون السلطة المحلية وقوانين أخرى، ولكنه فشل في منع إنشاء الحوثيين حساب خاص للزكاة.[12]

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، تحوّل تحالف الحوثيين وصالح إلى نزاع مسلح انتهى بمقتل الأخير، لكن السلطات في صنعاء ظلت منقسمة حول ملف الزكاة. فعندما قُدِّم مشروع قانون الزكاة الذي صاغه الحوثيون شاملًا الخُمس إلى مجلس النواب لمناقشته والموافقة عليه أوائل عام 2018، رفضه غالبية نواب حزب المؤتمر. لكن بحلول ذلك الوقت، كان من الواضح أن الحوثيين أصبحوا أقوى، وأعادوا تشكيل القوانين واللوائح والسياسات بشكل تدريجي.

في منتصف شهر مايو/أيار 2018، تجاوز المجلس السياسي الأعلى مجلس النواب، وأصدر القرار الجمهوري رقم (53) لإنشاء هيئة زكاة جديدة، الهيئة العامة للزكاة، لتحل محل الإدارة العامة للواجبات الزكوية.[13] وبموجب هذا القانون، أصبح جبي وتوزيع وإدارة واجبات الزكاة وظيفة الهيئة العامة للزكاة فقط، وجُردت السلطات المحلية من الامتيازات الممنوحة لها بموجب قانون السلطة المحلية رقم 4 (2000). كما وُضع حساب البنك المركزي الذي أُنشئ لإيرادات الزكاة في العام السابق، تحت إدارة الهيئة العامة للزكاة،[14] وبدورها وُضعت تحت سلطة مكتب رئيس المجلس السياسي الأعلى، أي تحت الإشراف المباشر لسلطات الحوثيين.

 

فرض الحوثيين لضريبة الخُمس مؤخرًا

في يونيو/حزيران 2020، أصدر المجلس السياسي الأعلى القرار رقم 24 -الذي لم يُنشر نصّه رسميًا للعامة، ولكن أجزاء منه سُربت عبر الإنترنت[15] -ووصفته سلطات الحوثيين بأنه نسخة محدّثة من قانون الزكاة لعام 1999، لكنه في الواقع يتضمن تعديلات جوهرية وإطار قانوني غير مسبوق لتحصيل الزكاة. يختلف هذا القرار عن قانون الزكاة لعام 1999 الذي لا يتضمن تفاصيل دقيقة عن معظم جوانب التفسير والتنفيذ، إذ يتضمن جزءًا واسعًا عن الخُمس، ويفرض ضريبة بنسبة %20 على العديد من الأنشطة الاقتصادية من بينها قطاعات المعادن، والنفط، والغاز، والمياه، والصيد البحري[16] مضيفًا أن الهيئة العامة للزكاة ستصدر قرارًا لاحقًا بتنظيم عملية تقرير وتحصيل واحتساب الخُمس،[17] الذي وُزع على ستة أسهم (مستفيدين)، مع تحديد الهاشميين كمستفيدين أساسيين.[18]

السهم الأول هو لله، ويقصد بذلك أن يُنفق في “المصلحة العامة” للمسلمين، أي المستشفيات، والمدارس، وطباعة الكتب الدينية، والمناهج الدراسية، ودعم الجيش. الثاني “للنبي محمد” ويذهب إلى ولي الأمر، أي الحاكم، وهو في هذه الحالة زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، المخوّل بالتصرف بالأموال كما يشاء. ويعطي القرار الأولوية للهاشميين في الفئات الأربع المتبقية وهي: ذوي القربى، ويتامى المسلمين، ومساكين المسلمين، وابن السبيل (أي المسافر الذي تقطّعت به السبل وليس معه ما يكفيه).

أثار القرار موجة انتقادات واسعة، ووصف عدد من النواب الموجودين خارج صنعاء والمتحالفين مع الحكومة اليمنية -في بيان -هذه الخطوة بالعنصرية، مضيفين أنها خرق فاضح للمواثيق الدولية.[19] كما قالت هيئة علماء اليمن -في بيان -إن القرار باطل شرعًا وقانونًا، وأضافت بأنه مخالف لنصوص الدستور الذي يكرس المساواة بين جميع اليمنيين، وذريعة لنهب 20% من أموال الشعب اليمني.[20] كما أشارت الأحاديث غير الرسمية بين مركز صنعاء للدراسات ومصادر وأشخاص في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون -منذ صدور القرار -إلى رفض شبه شامل لهذه الخطوة، لكنهم لم يعربوا عن رفضهم له علنًا؛ خشية العواقب.

 

الاستغلال الاقتصادي الطائفي ومؤسسات الحكم الموازية

ينسخ فرض سلطات الحوثيين للخُمس في اليمن النظام المعمول به في إيران من بعض النواحي. ففي الماضي، كان الخُمس مصدر دخل أساسي لرجال الدين الإيرانيين، ومع ظهور مرجع التقليد (أي عالم إسلامي يرشد العلماء الشيعة ويقودهم) في القرن التاسع عشر، تركزت إيرادات الخُمس في أيدي هذه السلطة. أما في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979 فقد تغيّر مفهوم مرجع التقليد مع تغيّر شكل الدولة، حيث أُعطي الولي الفقيه المسؤولية المطلقة عن الشؤون الدينية والسياسية، وبالتالي تحول الخُمس في إيران إلى مورد يتركز في يد المرشد الأعلى، ومن خلاله، في يد الدولة.[21]

أما في اليمن، بدأ الاقتصاد السياسي للطائفية في الظهور تدريجيًا لتثبيت الهاشميين كفاعلين مهيمنين في البلد منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء. فبعض اليمنيين من الهاشميين الزيديين في محافظة صعدة، كانوا يعدون أنفسهم غرباء في ظل الحكم الجمهوري. ويساعد هذا في تفسير سبب دعم العديد من الهاشميين للحوثيين، كونهم يرون في إعادة تشكيل الحوثيين للنظام القديم والرغبة في العودة إلى العديد من المفاهيم الأيديولوجية للإمامة، تطور إيجابي.

شكّل إنشاء اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين والإعلان الدستوري الذي تلى ذلك في فبراير/شباط 2015، المرحلة الأولى من إجراءات الحوثيين التكتيكية للاستيلاء على الدولة وإعادة تشكيلها ونزع الطابع المؤسسي عنها.[22] ومن بعدها، جاء تشكيل “اللجان الشعبية” وشبكة المشرفين الحوثيين ليخلق نظامًا موازيًا لمؤسسات الدولة الرسمية. ورغم استمرار الجهات الرسمية في تمثيل الدولة، كانت عملية صنع القرار -في الواقع -بيد المشرفين والموالين للحوثيين، أي خارج إطار نظام الدولة. وبما أن هذه المؤسسات الموازية تعمل خارج النظام القانوني الرسمي، أمسى التسلسل الهرمي للدولة عديم الفائدة وغير فعّال.[23]

ساعد تحالف صالح والحوثيين على تسهيل جهود الأخيرين الرامية إلى اختراق الموارد التجارية والاقتصادية لحزب المؤتمر ودمجها تحت سيطرتهم في نهاية المطاف، وتعاونت شخصيات حوثية بارزة مع نخب من دائرة صالح لإدارة واردات الوقود إلى شمال اليمن عبر ميناء الحديدة، وبعد مقتل الرئيس السابق في ديسمبر/كانون الأول 2017، دُمجت 14 شركة مستوردة للوقود لا تخضع لسيطرة الحوثيين إليهم.[24]

إضفاء الشرعية للتحايل على الدولة وسرقة الثروات

في ديسمبر/كانون الأول 2015، عقدت المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بصنعاء جلستها الأولى لمحاكمة عدد من الشخصيات، بمن فيهم الرئيس هادي والعديد من شركائه وحلفائه، عدهم الحوثيون خونة لارتكابهم جرائم ضد الدولة. واستمرت جلسات المحاكمة خلال 2016 والربع الأول من عام 2017، وفي 25 مارس/آذار 2017، أصدرت المحكمة حكمها في القضية رقم (68) وأدانت هادي ومستشاريه بتهمة الخيانة العظمى، وحكمت عليهم بالإعدام، وقضت بمصادرة ممتلكاتهم وأصولهم.

 وفي منتصف 2017، أنشأ المجلس السياسي الأعلى لجنة حصر واستلام ممتلكات من وصفهم بـ”الخونة”، وأمرت اللجنة في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته البنك المركزي في صنعاء بمصادرة الحسابات المصرفية وممتلكات 1,223 يمنيًا من المناهضين لجماعة الحوثيين. كما أنشأت المحكمة الجزائية المتخصصة نظام الحارس القضائي لإدارة الأموال والممتلكات المصادرة من المعارضين الذين فروا من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وعُيّن اللواء صالح مسفر الشاعر -الموالي للحوثيين -رئيسًا للجنة حصر واستلام ممتلكات “الخونة” ونظام الحارس القضائي. وإجمالًا، حُولت مليارات الريالات من الأموال المحجوزة والممتلكات الخاصة التي يملكها أو يديرها خصوم الحوثيين في العاصمة صنعاء إلى حساب في البنك المركزي يسمى “ممتلكات الخونة”.

وخلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2019، صادر الحارس القضائي ملكية 37 شركة تابعة لشخصيات مناهضة للحوثيين مقيمة في الخارج، بما في ذلك أموال وأصول لا تقل قيمتها عن 50 مليار ريال،[25] كما تدخل الحوثيون خلال هذه الفترة في عمل أكبر ستة مستشفيات في صنعاء وطردوا مدراء وموظفين واستحوذوا على نحو 50% من عائداتها.[26]

ومن الممكن القول إن نظام الحارس القضائي يحاكي النموذج الإيراني للبنياد، وهو رسميًا نظام صناديق خيرية اُستخدم للاستيلاء على أصول الشاه وأنصاره بعد ثورة 1979، وتطور عمله مع مرور الوقت ليصبح قوة اقتصادية نافذة في البلاد.[27] وبالرغم من أن نظام الحارس القضائي أُنشئ بشكل رسمي وبموجب قرار قانوني، لكنه عمل خارج نطاق الدولة كأداة سلطة موازية استخدمها الحوثيون لنهب أموال الآخرين، ويعكس عمله تدخلًا صريحًا في سلطات وصلاحيات السلطة القضائية، وتقويض مبدأ الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية كما هو محدد في الدستور اليمني.

 

تداعيات نظام الزكاة الحوثي الجديد

تزايد التفاوت والانقسام الاجتماعي في ظل اقتصاد سياسي طائفي

على مدى العقود الماضية، هيمنت الشبكات الحاكمة وأنظمة المحسوبية النخبوية النافذة على قطاعات الأعمال في البلاد والأنشطة الاقتصادية غير المشروعة في ظل ازدياد فرص البحث عن الريع. ففي عام 2011 أشارت التقديرات إلى نحو 10 عائلات وتكتلات تجارية تسيطر على معظم الاقتصاد اليمني، بما في ذلك أكثر من 80% من قطاعات التصنيع والتجهيز والاستيراد والمصارف والاتصالات ونقل السلع.[28]

أدى الصراع الحالي إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي، حيث انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى لم يشهده اليمن منذ عام 1960، حيث انخفض من 3,577 دولارًا أمريكيًا في عام 2015 إلى 1,950 دولارًا أمريكيًا في عام 2019.[29] وفي حين جنت نخبة قليلة من السكان ثروات خلال الصراع،[30] فإن الغالبية العظمى من اليمنيين عانت من انخفاض بنسبة 60% تقريبًا في مدخولها ونصيبها من الناتج المحلي الإجمالي.[31] وفي عام 2019، احتل اليمن المرتبة الثانية في العالم من حيث مستوى عدم المساواة في الدخل، متجاوزًا 100 دولة أخرى في مستويات عدم المساواة خلال الفترة من 2015 إلى 2019.[32]

وفي حين أنتج الصراع تشظيًا اجتماعيًا، وأشعل الانقسامات الطائفية في البلاد عبر السنوات الماضية،[33] فإن إعادة صياغة الحوثيين لقانون الزكاة سيفاقم هذا التشظي من خلال مأسسة الانقسامات الاجتماعية. ومن شأن نظام الخُمس الذي فرضه الحوثيون مؤخرًا أن يضفي صبغة طائفية على الاقتصاد السياسي القائم، ويكرّس الامتيازات الاقتصادية لكوادر الهاشميين والحوثيين على حساب عموم المجتمع، كما أن تركز الثروة بهذا الشكل في يد قلة قليلة من اليمنيين سيفاقم الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة أصلًا، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة.

إعاقة السلام وعرقلة إعادة توحيد هياكل الدولة

تحد كثرة مراكز الحكم المختلفة في اليمن -التي تتنافس على الموارد العامة -من إمكانية ظهور هيكل حكم موحد بشكل أفضل وقادر على استيعاب المصالح الاقتصادية الوطنية المشتركة بعد انتهاء الصراع. إن مركزية الموارد العامة القائمة على الأيديولوجية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ولامركزية وأقلمة عائدات الموارد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة شكليًا وبناءً على سلطات الأمر الواقع القائمة، ستعيق محاولات تصميم علاقات مالية داخل الحكومة وصياغة نموذج حكم شامل للبلاد.

ممارسات سلطات الحوثيين في توجيه عائدات الزكاة بعيدًا عن الميزانيات العامة تقوّض إطار عمل الدولة، خاصة الترتيبات المالية الرسمية بين المستويين المركزي والمحلي للحكومة، إذ يضعف حرمان السلطات المحلية من الوصول إلى عائدات الزكاة قدرتها المالية في توفير الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والمياه. كما أن قانون الخُمس لا يمتلك سوى فرصة ضئيلة أو معدومة لأن يُدمج في سياسة مالية أوسع بعد انتهاء النزاع بالتفاوض. ومن المرجح أن تكون المحافظات اليمنية الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، مثل مأرب وحضرموت وشبوة، والتي لا تؤمن بمعتقدات الحوثيين الدينية الزيدية، هي الأكثر معارضة وبشدة لإعادة توجيه 20% من عائدات مواردها الطبيعية.

تتعارض ضريبة الخمس أيضًا مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني 2013-2014 الذي اتفقت فيه جماعة الحوثيين مع ممثلين من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية في اليمن على صياغة آلية جديدة للتوزيع العادل للموارد عبر اليمن. نصت مخرجات المؤتمر على أن الموارد الطبيعية بما في ذلك النفط والغاز هي ملك للمجتمع بأسره، ويجب إصدار قانون اتحادي ليحدد بوضوح آلية شفافة لتوزيع الموارد بشكل عادل في جميع أنحاء البلاد.[34]

إضفاء الطابع المؤسسي على التوزيع التفاضلي لموارد الدولة على أساس النسب الديني، يضع ضريبة الخُمس الحوثية في مواجهة مباشرة مع قيم المواطنة المتساوية كما عُبر عنها في مؤتمر الحوار الوطني، وينبذ الهيكل الجمهوري اليمني لصالح الهيكل الديني. وفي حين أوصت مخرجات المؤتمر أيضًا بإنشاء هيئة مستقلة لتحصيل الزكاة وإنفاق عائداتها وفقًا لتفسير معاصر للشريعة الإسلامية، فإن وثيقة المؤتمر لم تعترف بالخُمس أو تنص عليه كآلية مالية.[35]

مزيد من الأعباء على الأعمال التجارية

على مدى نحو خمس سنوات من الصراع، عانى القطاعان العام والخاص من سلسلة مشاكل مرتبطة بالانهيار الاقتصادي العام في البلاد. شملت المشاكل التي واجهها القطاع الخاص تآكلًا في بيئة الأعمال حيث تنافست الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وسلطات الحوثيين على الرقابة المالية والنقدية والتنظيمية، مما أجبر الشركات على التعامل مع سياسات متناقضة، وتكبدت تكاليف متزايدة، إذ اُضطرت إلى الالتزام بالأنظمة الضريبية والتعريفية لكلا الجانبين. استغلال نظامين ماليين موجهين للزكاة -الزكاة والخُمس -كأداة، بالإضافة إلى النظام الضريبي الرسمي الثالث سيزيد من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية ويضع المزيد من العوائق أمامها، وبالتالي يشوّه النشاط الاقتصادي أكثر ويزيد من تكلفة المعيشة على اليمنيين.

ولتوضيح ذلك، خذ على سبيل المثال شركة خاصة تستورد الأسماك من الحديدة وتعز وعدن إلى المحافظات المجاورة التي يسيطر عليها الحوثيون. تخضع هذه الشركة للضرائب التالية: 20 % من قيمة الأسماك المستخرجة من البحر، وفقاً لقانون الخُمس، و2.5% كرسوم زكاة على ثروة الشركة، و35% على الدخل الخاضع لضريبة الأرباح التجارية والصناعية والمفروض بموجب قانون ضرائب الدخل رقم (17) لعام 2010.[36]

هذه التكاليف المتزايدة على الشركات لها سلسلة تداعيات على الاقتصاد الأوسع، وتعيق فرص الاستثمار في القطاعات المستهدفة، ما يقلل من مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويحد من خلق فرص العمل ويعرقل النمو الاقتصادي.

 

المضي قدمًا

يجب أن تكون سياسة ضريبة الخُمس إنذارًا للفاعلين الدوليين لعدد من الأسباب، فهذه ليست سوى خطوة أخرى نحو إنشاء هياكل موازية لمؤسسات الدولة في اليمن، ومن شأن ذلك أن يجعل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة أمر بعيد المنال شيئًا فشيئًا، ويؤجج استمرار الصراع من خلال ملء صندوق مالي كبير لدعم الحوثيين في الحرب.

كما تضع هذه العملية تأطير طائفي للسياسة المالية، وهو ما يعد مفهومًا غريبًا وغير مألوف للجمهورية اليمنية، ويهدد أيضًا بمزيد من التداخل بين الصراع الأهلي في اليمن والصراع الأوسع في المنطقة.

والأهم من هذا كله، فإن السماح لهذه السياسة بأن تأخذ مسارها لتصل إلى نتيجتها الطبيعية يهدد بمزيد من ترسيخ عدم المساواة الاقتصادية، وإعادة تفعيل نظام طبقات اجتماعية عفا عليه الزمن، وسينعكس كل ذلك سلبًا على فرص التنمية للأجيال القادمة، ويغذي -على الأرجح -دورات الصراع المستقبلية.

تستفيد جميع الأطراف اليمنية المتحاربة من اقتصاد الحرب، وبالتالي يجب ممارسة الضغط على جميع الجهات، وليس على الحوثيين فقط، لإنهاء الممارسات التي تؤدي إلى إثراء قلة على حساب الكثيرين. وقد يكون من الضروري وضع إطار انتقالي بهدف إنهاء هذه السياسات الضارة وتفكيك الهياكل الموازية لهياكل الدولة.

ولكن في هذه الأثناء، يجب على الفاعلين الدوليين، ولا سيما مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التنبه لتعديلات الحوثيين على قانون الزكاة وفرضهم ضريبة الخُمس، والحذر أكثر في نهجهم السياسي الحالي والمستقبلي تجاه اليمن.

عند التفكير بضريبة الخُمس من قبل الفاعلين الدوليين ولا سيما مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يجب التنبه لثلاثة أمور رئيسية:

أولًا: التنبه خلال المشاورات حول الملف الاقتصادي اليمني، وتحديدًا فيما يخص إنشاء الحكومة والحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي لمؤسسات وأنظمة وسياسات موازية لتلك التابعة للدولة من أجل تأكيد شرعيتهم وضمان تدفق الموارد لهم. ولا ينبغي أن تُركز هذه النقاشات فقط على مواجهة السياسات الاقتصادية التي تسنّها هذه الأطراف والمؤسسات المعنية، ولكن أيضًا على تعديل القوانين التي تدعم هذه السياسات، فهذه التعديلات سمحت للحوثيين بفرض الخُمس.

ثانيًا: إصرار مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على إلزام جميع الأطراف المتحاربة ببنود مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، التي تشمل مبادئ توجيهية محددة لقوانين الزكاة، وقرار مجلس الأمن رقم 2216 والذي ينص على الحفاظ على الدولة اليمنية وحماية وحدتها وسلامة أراضيها إلى أن تجري محادثات سلام شاملة.

إن ضريبة الخُمس الحوثية تتعارض مع هذه الوثائق التي يعدها مكتب المبعوث الخاص للأمين العام ومجلس الأمن مقدسة للغاية. علاوة على ذلك، فإن من غير الدستوري في اليمن اعتماد قوانين وأنظمة تتعارض مع الشريعة الإسلامية المقننة في البلاد، والتي تستند إلى إجماع علماء الدين اليمنيين من المدرسة الزيدية والمذاهب السنية الأربعة.

ثالثًا: تندرج هذه الخطوات ضمن نطاق المهتمين بالدفاع عن الحريات الدينية والمدنية وحمايتها، ورفض فرض الصبغة الطائفية على الصراع في اليمن وتعزيز التنمية الاقتصادية.

وعند تطرقهما لضريبة الخُمس وتأثيرها المتوقع على المجتمع اليمني، يمكن للمكتب الخاص للمبعوث الأممي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بذل جهود المناصرة حول سياسة الخُمس ضمن هذه الأطر الثلاثة الموجودة من قبل، والمتفق عليها لتشكيل استجابة مشتركة، وإجبار الجهات الفاعلة الأخرى، خاصة الحكومات الوطنية المؤثرة، لشجب هذه السياسة وعواقبها الوخيمة المفصلة في هذه الورقة.