الحوثي وإفراغ مصطلح أهل البيت من مفهومه القرآني

د/ محمد جميح
الثلاثاء ، ١١ أغسطس ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:٠٤ مساءً
مشاركة

الحوثي وإفراغ مصطلح أهل البيت من مفهومه القرآني

د. محمد جميح

أفرغ الحوثي مصطلح “أهل البيت” من محتواه الديني ليحشوه بمدلولات سياسية بعيدة عن المفهوم القرآني لهذا المصطلح.

ورد في سورة الأحزاب: “يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا. ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريما. يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً”.

يتضح لكل من له أدنى اطلاع على اللغة العربية، وبعيداً عن التجاذبات الطائفية والسياسية، أن المقصود بـ”أهل البيت” في الآيات هن “نساء النبي”، لأنهن المذكورات نصاً في الآيات التي سبقت الآية التي ذكر فيها لفظ “أهل البيت”، كما ذكرن في الآية التي تلت. فكيف بعد كل هذا الوضوح في النص القرآني يقول قائل إن مصطلح “أهل البيت” لا يعني “نساء النبي”؟ّ!

واضح أن هناك أهدافاً غير بريئة وراء إخراج النساء من آية التطهير وإدخال من لم يذكر في الآية، لأغراض سياسية واقتصادية قديماً وحديثاً.

وقد حاول بعض المتحذلقين أن يعللوا كون المقصود بالتطهير غير “نساء النبي” بالقول إن الضمير المتصل في “يذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيراً” جاء بصيغة جمع المذكر، على خلاف ضمير نون النسوة الواردة في: “منكن، لستن، تخضعن، قرن، تبرجن، أقمن، آتين، أطعن، بيوتكن”، مدعين أن التطهير إنما جاء على صيغة جمع المذكر ليعني خروج “نساء النبي” وانصراف الدلالة عنهن إلى ” علي رضى الله عنه وولديه”.

والواقع أن الضمير في الآية :”يذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيراً” جاء على صيغة جمع المذكر كون الخطاب في “عنكم، يطهركم” موجه للنبي ونسائه، لأنه سبق ذكرهم في مفتتح الآية “يا نساء النبي…”، على عكس الأفعال والأسماء التي وردت مقرونة بنون النسوة، ضمن الآيات الموجهة لنساء النبي.

ومعلوم أن اللغة العربية تستعمل ضمير جمع المؤنث للدلالة على الإناث، وجمع المذكر للدلالة على الذكور، أما إذا شمل الجمع إناثاً وذكوراً (النساء، النبي) فإن العربية تستعمل جمع المذكر للجنسين.

وبما أن المذكور في الآيات السابقة هن نساء (جمع مؤنث)، والنبي (مفرد مذكر) فإن ضمير جمع المذكر في “يذهب عنكم الرجس ويطهركم” يعود على النبي ونسائه، أما ما عداهم فلم يذكروا في الآيات.

وأما من أدخل عليّاً وولديه فقد فعل ذلك لإفراغ مصطلح “أهل البيت” من محتواه الديني، وشحنه بمدلولات سياسية ؛ لأغراض غير خافية اليوم في اليمن وغيره من بلدان العالم الإسلامي.

وبناء على ذلك فإن إخراج المصرَّح بهن في النص “نساء النبي” من دائرة “أهل البيت”، وإثبات غير المصرَّح بهم “علي وولديه” لا يستقيم والسياق النّصي للآيات.

أما من يحتجون بوجود أحاديث تشير إلى أن علياً وولديه وغيرهم داخلون في أهل البيت، فتلك الأحاديث ليست أقوى حجية من القرآن، علاوة على أن الأخذ بها يؤكد أن مفهوم “أهل البيت” ليس مفهوماً سلالياً أو عرقياً، كون سلمان الفارسي داخل ضمن هذا المفهوم، حسب تلك الأحاديث.

وإذا ما ذهبنا إلى سياق آخر، نجد أن لفظ “أهل البيت” ورد في القرآن الكريم في سورة هود: “ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى، قالوا سلاماً، قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس مهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط. وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت يا وليتا أألد وأنا عجور وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب. قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد”.

نلحظ أن الضمائر في الآية الأخيرة وردت كالتالي: “أتعجبين” (ياء المخاطبة)، وهو ضمير لخطاب المفرد المؤنث، والخطاب موجه هنا لامرأة إبراهيم، ثم جاء ضمير الجمع المذكر في: “عليكم”، الذي يشير إلى إبراهيم وزوجته أو زوجتيه.

وبناء على ما سبق فإن مصطلح أهل البيت مصطلح ديني لا سياسي، وقد تمت عمليات ممنهجة لإفراغه من مفهومه الحقيقي، وشحنه بمفهوم آخر لا يشير إليه السياق النصي للآيات التي ورد ذكره فيها، وذلك لخدمة أغراض سياسية واقتصادية لشريحة معينة.