في مثل هذه اليوم الـــ 11 أكتوبر عام 1977م قرّرَ الرئيس الراحل "إبراهيم الحمدي" الذهاب إلى عدنٍ لحضور احتفالات ذكرى لثورة 14 أكتوبر وللتباحث بشأن الوحدة، فقتلوه في مكيدة غادرة للإجهاز على شخصه وعلى مشروعه الوطنية المستقل، ولإفشال مشروع الوحدة في المهد .
لماذا حرصَـتْ القوى بالشمال في 1977م على تصفية الرئيس الحمدي حين فكر بالذات الى عدن لبحث موضوع الوحدة، ولم يفعل الجنوبيون ذات الشيء مع الرئيس علي سالم البيض حين قرر الذهاب الى صنعاء عام 1990م لذات الغرض ؟ ولم يفعلوا مع الرئيس علي ناصر في زيارته الى صنعاء مطلع الثمانيات - زيارة عام 83 م مثلا-، وهو مهندس الخطوات الوحدوية بامتياز منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.
ربما منعهم الوعي الجماهيري والنخبوي وهيبة الدولة في عدن حينها... أو ربما لطبيعة الوضع الغير معقد بالجنوب وخلوه من تداخلات وتعقيدات الحكم وسطوة القبيلة قياسا بما هو صنعاء، وربما لتوق الجنوبيون للوحدة وتحقيق حلمهم الطوباوي الذي ذرته الرياح فيما بعد ... وربما لسبب وأسباب لا نعرفها..
اليوم يقول وزير الثقافة السابق- خالد الرويشان : (الذين قتلوه وتآمروا عليه مايزالون يحكمون البلاد حتى اليوم... بل اغتالوا مستقبل البلاد معه... نتذكره لأن الذين قتلوه وتآمروا عليه مايزالون يحكمون البلاد حتى اليوم!
حكموا ويريدون أن يحكموا!..).
السيد الرويشان تجنّـبَ الإفصاح عمن تكون بالضبط تلك الجهات التي قامت بفعلتها الدموية، وعوضا عن ذلك عمَـدَ الى أسلوب الغموض والتعميم والتعويم بتوجيه الاتهام -ربما خوفا أو حرجاً، خصوصا وأنه وكثير من رموز الحكم السابق حتى عام 2011م ظل يتحاشى التعرض لهذه القضية لحساسيتها لدى رأس النظام حينها - بحيث ظهَــرَ كلامه اليوم حمّـال أوجه يمكن إسقاطه وإلصاقه على وبــ كل القوى التي تتحكم بالمشهد السياسي اليمني اليوم من صنعاء حتى الرياض مرورا بمأرب ،فكل هذه القوى إما قد حكمت أو تسعى للعودة الى الحكم ثانية.
وحتى لو أنه لم يفصح عن تلك الجهات المحلية والإقليمية التي خططت واقترفت جريمة وليمة الغداء الأخير للرئيس الحمدي وشقيقه ورفاقه في تلك الظهيرة الدامية إلّا أن الجميع -تقريبا- وبعد مرور قرابة أربعة عقود ونيف بات يعرف الجُــناة المحليين والخارجيين ومقصدهم من جريمتهم.
على كل حال، فبرغم فداحة الخاسرة بمقتل الحمدي وإنهاء مشروعه الوطني ببناء دولة مدنية متحررة من أنياب القبيلة ومخالب القوى التقليدية وهيمنة يد الإقليم على القرار اليمني، وبرغم ضياع تلك الفرصة التاريخية إلّا ثمة فرصة ذهبية قد أتيحت لبناء الدولة اليمنية ولكن تم إهدارها أو بالأصح الإجهاز عليها بذات الطريقة السابقة بل وأفظع منها ، وبأكثر عدوانية ودموية، ومن ذات القوى الشخصيات القبلية والعسكرية والدينية التي أجهزت على حياة الحميدي ومشروعه الوطني الوحدوي، ففرصة 22مايو 90م واحدة من هذه الفرص التي تم التآمر عليها ,ورميها خلف الشمس.
وبالتالي فحين يقول الرويشان أن اللحظة الدامية التي نعيشها اليوم هي نتاج لمقتل الحمدي، فهو لا يعرض سواء جزء من الحقيقة، فما نحن فيه اليوم ليس فقط من بنات تلك اللحظة بل هي وليدة لولائم أكثر دموية تلت تلك وليمة وادي ضُــلاع .
فمقتل الوحدة اليمنية في ظهيرة 7يوليو 94م والغدر بالمشروع الوحدوي وشن الحرب على الشريك الجنوبي وتصفية رموزه، وتكفير وتحشيد كل الطاقات بوجه مشروع الإجماع الوطني السياسي المتمثل بوثيقة العهد والاتفاق كان قاصمة الظهور وممزقة الصدور ،فالوضع المريع الذي نحن هو صنيع القدم الهمجية.!