خلال الأيام الماضية شن الحوثي هجوما إعلامية غير مسبوق على مأرب بالتوازي مع حشوده التي يدفع بها للمحرقة . وظف الإذاعة والتلفزيون ووسائل التواصل ، ناهيك عن الرسائل النصية التي أرسلها لتثبيط همم أبناء مأرب ، عدا عن دس بعض العناصر التي كانت تهتف من داخل الصف أن مأرب سقطت ، لغرض الإرجاف والحرب النفسية .
أما محمد علي الحوثي فبعد " تخزينة " جامدة تخيل نفسه النبي فكتب على تويتر " من أغلق عليه بابه فهو آمن " ! انتفخ الحوثي كثيرا هذه المرة وهو يتصور نفسه راكب بعيره يخطب في أهل مأرب الذين تخيلهم كفار قريش ، قائلا : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ! على كلي ، كانت تلك العبارة كافية لأن يرى مسيلمة الكذاب صلابة فروة بن مسيك .
وتستمر العملية الدعائية ، وتصدق قيادات حوثية أخرى نفسها وتطمئن أهل مأرب بأن العفو من شيم القادمين الكرام ، وكأن الناس بذاكرة مثقوبة ، لينسوا ما فعلت المليشيات بمن ساعدها على اجتياح أرضه ، ناهيك عمن قاومها . وركب موجة النشوة الكثير من الحوثيين والمتحوثين الذين تحدثوا عن عودة مأرب إلى حضن الدولة ، وعودة ثروات الشعب إلى أمناء الله في أرضه .
وذهب فريق إلى أن الحوثي سيحتفل بيوم اجتياح صنعاء في مأرب هذا العام .
كم مرة قال الحوثي إنه سيصوم رمضان في مأرب ؟ كم مرة قال إن العيد سيكون في أرض بلقيس ؟ إن ذكرى 21 سبتمبر ستقام في المجمع الحكومي في الوادي ؟! ثم أمسى المغرر بهم في نعوشهم للأسف الشديد .
وعود الحوثي لأتباعه بأنه سيدخل مأرب کوعوده لهم من قبل بأنهم سيحجون إلى مكة دون جوازات سفر ، لأنه سيستعيد - حسب زعمه - مكة التي يعتبرها ملكة الأجداده الغابرين .
وكما أن مكة بعيدة على التاجر البعيد الذي يحكم طهران فإن مأرب بعيدة على وكيله القريب الذي يتحكم في صنعاء .
قالت مأرب اليوم كلمتها لجحافل المليشيات في جبال مراد ، كما قالتها أمس في صحراء الجوف وبلاد الجدعان ووادي عبيدة ... ( الأرض هي العرض ، في العرف القبلي ، ولذا يستبسل الرجال في الدفاع عن أرضهم ضد المعتدين ، الذين جلبوا الحرب الخارجية ، ثم استغلوها فرصة لعدوانهم على كل مدن البلاد .
ولأن الأرض هي العرض استنفرت أرض سبأ جيشة وقبائل ، سه وجبة وصحراء للدفاع عن مأرب ، عن اليمن ، عن المضطهدين الذين نزحوا إليها وشاركوها شرف الدفاع عن ميراث بلقيس .
أما الذين فرحوا بهجوم الحوثي على مأرب ، والذين ظنوا أن الحوثي سيدخلها لاقتلاع الإصلاح ، فهؤلاء لا تعيرهم مأرب أذنا صاغية ، لأنهم هم الذين رددوا الشيء ذاته حينما كان الحوثيون على أبواب صنعاء ، عندما قالوا إن الحوثي سيدخل صنعاء لضرب الإصلاح ، ثم يعود من حيث أتي " ...
تعلمت مأرب الدرس من شقيقتها صنعاء ، وعلمت أن الحوثي مخلب إيراني يستهدف اليمن كله ، لا صنعاء ولا مأرب ولا الإصلاح أو أي فصيل سياسي بعينه ، ولكنه يريد اليمن كله ، كما يريد أسياده في إيران المنطقة كلها .
اسمعوها بوضوح : مأرب ليست الإصلاح الذي تتعللون به لإخضاعها ، مأرب فوق كل الأحزاب والمكايدات .
ولأنها كذلك يعيش فيها الجميع ويدافع عنها الجميع .
مأرب اوت النازحين وأطعمت الجياع وفتحت الباب للمضطهدين دون أن تسألهم عن أحزابهم أو مدنهم أو مذاهبهم ، ولأن مأرب كذلك ، فإنها منصورة بإذن الله .
أرسل لي صديق من صنعاء يقول : والله إن قلوبنا مع مأرب ، وإننا ندعو الله صباح مساء أن ينصر أهلها على من اعتدى عليهم ، في إشارة بليغة لحجم المعاناة الإخوتنا تحت حكم مليشيا " الحق الإلهي " ، وحجم الأمل المعقود على مأرب وأهلها . وهنا يجدر أن نقول للقلة المتحوثة من أبناء مأرب الذين مكثوا تحت سيطرة الحوثي : يعدكم الحوثي بأنه سيسلمكم مأرب إذا دخلها ، كما وعد غيركم ممن فتحوا له الطريق إلى محافظاتهم .
ونصيحتي لكم أن تسألوا عن مصير المرتزقة الذين وظفهم الحوثي لغزو قراهم ومناطقهم ، قبل أن تشتركوا في هذا العار .
أين ذهب فلان بن فلان الذي أدخل الحوثيين إلى حرمة محافظته ؟ إن كان حيا فاسألوا عنه ، وإن كان ميتا فافهموا الحوثي يعدكم وعود الشياطين ... " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " ...
أما أولئك الذين يقولون : " خلاص ، سلموا للحوثي ، ومن تزوج أمنا كان عمنا " ، هؤلاء الذين يزعمون الواقعية السياسية لا يفهمون طبيعة مأرب وأهلها الذين يرفضون أن يحكمهم من لم يختاروه ، أو أن يتحكم بهم من يرى نفسه أعلى مقاما منهم ، في وقت يرون فيه أنفسهم ملوك التاريخ .
مأرب لا تؤمن أن لدى الحوثي عقد زواج شرعية بانتخابات حرة ، یا شهود الزور ، وإذا کنتم ترون أن الحوثي عمكم فابحثوا لكن عن أم أخرى غير مأرب ، غير اليمن التي ترفض أن تكون أمة للزبيري وقاتليه في الآن ذاته .
من حسن حظ مأرب أنها لا تقرأ ما يقوله بعض من اشتراهم الحوثي من أبنائها المقيمين تحت سلطة المليشيات ، من حسن حظ مأرب أنها لا تقرأ تحليلات الواقعيين السياسيين الذين يتدثرون بثياب الوعاظ الصالحين وحمائم السلام الوديعة .
مأرب لا تجيد التحليلات في السياسة ولا في الزواج ، مأرب تجيد المواجهة الواضحة ، والثبات على مبادئ جمهورية الزبيري والقردعي .
أخيرة ... صحيح أن لدى الحوثي عتادا كبيرة وحشودة كثيرة ، لكن يستحيل الانتصار على رجال يقضي عرفهم أن الإصابة في الظهر عار في ميدان المعركة .
ويا رئيس الجمهورية ويا وزير الدفاع ويا رئيس الأركان مأرب قاتلت وتقاتل وستقاتل ، لكنكم يجب أن تدركوا أن المعركة اليوم مصيرية في مأرب ، لأن الحوثي يدرك أنه بعد أن جمع كل تلك الجموع - ستحل به كارثة إن خسر المعركة ، وتدرك مأرب أنه لا خيار أمامها إلا النصر أو النصر .
والمطلوب فقط أن تدركوا أبعاد المعركة عسكرية وأمنية وسياسية وأخلاقية ، والبقية تعرفونها ...
أختتم بكلمات للشيخ صالح أبو عشة المرادي الذي استشهد مدافعا عن أرضه وعرضه ، وصار أيقونة مأرب في الشجاعة والتحدي والدفاع والشموخ یا فجة الوادي ويا السبع السماوات اشهدي أني على حدي مقاتل من قتل منا شهيد حدي و متحدي و ابو شرمة معمر في يدي وشبر من حدي يساوي ملك هارون الرشيد
مأرب ستقاتل ، والدماء التي تسيل يتحمل الحوثي مسؤوليتها ، لأنه هو الذي يعتدي منذ ٢٠٠٤، وليس من٢٠١٤ وحسب . وفرق كبير بين المليشيا المعتدية والمقاومة المدافعة ، فرق شاسع بين من يعتدي ومن يصد العدوان ... والعاقبة للمتقين ..