ترك اليمنيون القات سيعود إليهم كل شيء . كل شيء هناك أشياء ستعود بسرعة ( كالمقاربات المنطقية ، القدرة على استشعار الخطر ، التعاطف أشياء ستزول بسرعة [ الاكتئاب ، التحفز ، مدارات العالم الموازي لعالمنا وأشياء عظيمة ستعود بالتدريج : الحياة ، الدولة المجتمع .
القات هو اللعنة الأم ، باب كل الشرور ، وهو ما جعل مأساة اليمنيين استثناء . لا يوجد ’ ’30 مليون " تأخذهم عصابة في مد اهمة ليلية ، تقلب حي اتهم رأسا على عقب ، وتجعلهم عبرة .. إلا إذا كان ال 30 مليون ’ ’ يدورون في عالم مواز ، في العلالي . كالعادة بعد انهيار الأسقف يتبادل السكان الاتهامات .
غير أن الحقيقة أن السكان ، ، جميعهم ، تر کوا الأشياء تتداعى بيسر وسهولة .. لأن المادة التي كانت تحقن في دمائهم كل يوم جعلتهم أقل إدراكا للخطر ، أقل قدرة على تفكيك المسائل المركبة ، ومنحتهم وهمة كاذبة بالقوة والاستقرار .
حتى قبل أن ينهار البناء كله ، وكان هشا على حال ، كانت الأمور آيلة للسقوط . قال شاب ، ونحن في مصر : أحب اليمن .
ولما سألته عن أكثر ما يعشقه في بلاده ، ولماذا ؟ قال " لأنها غرزة ، تصلح للقات والسيجارة " . كنا نرى بلادنا على شكل غرزة . كنا سكان تلك الغرزة .
ستشعركم هذه الجملة بالتوتر وربما تدفعكم اللسخرية . تذكروا أن هذه هي انفعالات سكان أي غرزة . هناك من سيستفزهم كلامي هذا وقد يكيلون لي السباب البليغ ، سيفعلون ذلك لأنهم سيكونون واقعين تحت تأثير القات ، بكل الكيمياء اللعينة التي يضخها القات في الدم .
تعرفون تلك القصة عن الرجل الذي سمع حديثة يقول : من نام العصر أربعين يوما و فقد عقله فلا يلومن إلا نفسه . غضب الرجل من تلك الترهات ، وقرر أن ينام أربعين يوما ليثبت للناس أن المحدث الغريب دجال .
بعد النومة الأربعين قام الرجل ، ارتدي ملابسه ، وتقافز من قرية إلى قرية حتى وصل إلى بيت المحدث . حين طرق باب البيت كان الليل قد انتصف . رد عليه الحدث من وراء الباب المغلق : من أنت وإيش تشتي الآن ؟ قال الرجل الغاضب : ألست القائل من نام أربعين يوما وفقد عقله فلا يلومن إلا نفسه ؟ قال المحدث بعد تر : بلی . قال الرجل : أنت دجال ، أنا أحمد الطويل من قرية الأكمة ، نمت أربعين يوما ولم يحدث لي شيء .
تمقل المحدث بعض الشيء ، ثم فتح الباب فجأة وقال وهو يرفع الفانوس ليرى وجه الرجل : أنا قلت يفقد عقله ، بس انت ضيعتهن كلهن .