كعادتي هذه الأيام من خلال التواجد بمدينة تعز.. ممارسة المشي رغم الزحام وحركة السيارات ومختلف وسائل المواصلات (اليمنية) مما يعطي انطباعا عن مدى حيوية هذا الشعب وتحدياته لمختلف المصاعب والمحن ولفيروس (كورونا).
كنت أسير في شارع جمال وسط المدينة.. فدخلت إحدى المكتبات التجارية وظللت أقرأ بعض عناوين الكتب الموجودة ليقع نظري على كتاب بعنوان (فليسوف الذاتية محمد اقبال.. ترجمة وتقديم عبدالوهاب عزام).
فأخذته ثم قرأته بتمعن صفحة صفحة.. وهالني حجم المعلومات الثرية عن هذا الشاعر الإسلامي الكبير.. والذي كنت قد قرأت عنه كتابين مترجمين.. لكن اقتصر ذلك على نقل بعض أشعاره ومعلومات موجزه عنه ليظهر لأمثالي من خلال هذا الكتاب.. بكونه شاعر وفيلسوف ومؤرخ ورجل اقتصاد وقانون، ومفكر وأكاديمي ومتصوف.. و..و..الخ.
ليمتلك إقبال بذلك قدرة فائقة على التحصيل في علوم كثيرة مختلفة، ويترك لنا مؤلفات عديدة في مختلف العلوم والآداب بوجه عام!..
إضافة الى تسعه دواويين شعرية باللغات
الإنكليزية والفارسية والتركية والاردية.. والتي ترجم
عبدالوهاب عزام ثلاثة منها الى العربية.. لم اقف شخصيا على هذه الكتب عدا بعض القصائد التي تتحدث عن عظمة الإسلام وشموليته وعن أوضاع المسلمين ومآلهم بجانب ماآل اليه العرب.. عرب العشرينيات والثلاثينيات من القرن المنصرم حيث ظل يخاطبهم بقصائد عديدة منها قصيدة كلها آلام وأحزان وتساؤلات مريرة.. والتي منها..
"كل شعب قام يبني نهضة وأرى بنيانكم منقسما
في قديم الدهر كنتم أمة لهف نفسي كيف صرتم أمما؟!"
ليت شعري ماذا كان سيقول إقبال عن عرب اليوم؟!
ثم قصيدة أخرى عرف بها اقبال لدى معظم العرب..
أعني قصيدة "حديث الروح" والتي غنتها أم كلثوم وترجع بلاغة وجوهر هذه القصيدة وأمثالها إلى المترجم حيث يصعب على القارئ العربي تذوق شعر منشور بلغات أخرى_ كما هو معروف_ كون الترجمة قد تترجم المعنى والصورة وليس الذوق والأسلوب!! وحينما نقرأ بعض ترجمات لقصائد شعرية تحمل ذوقا وفهما، إنما يرجع ذلك الى المترجم ومدى خلفيته الثقافية وفهمه للغة التي يترجم منها.. بجانب حبه وتذوقه لما يترجم.. وهو ما ينطبق على قصيدة "حديث الروح".
فضلا عن قصائد أخرى قليلة لمحمد إقبال التي ترجمت الى العربية.. والتي هي بمجملها إنما تمثل غيضا من فيض من شعره.. بينما عشرات المؤلفات بمختلف العلوم والفنون بما فيها نظراته الفلسفية الخاصة بنظرات في الإسلام والتربية والاقتصاد والتاريخ لم تترجم منها الى العربية إلا القليل منها.. وهي الأخرى ليست في متناول القارئ العربي، وإن اقتصر الاطلاع عليها على بعض الباحثين والاكاديميين فحسب..
لقد عرفته من خلال هذا الكتاب لمترجمة الدكتور/ عبدالوهاب عزام رحمه الله_ وهو الكتاب موضوع هذه التناولة الكثير عن الدكتور إقبال، الشاعر الفيلسوف المتصوف الموسوعة.. والذي كنت احسبه قبلا مجرد شاعر فحسب!!
بينما كتاب "فيلسوف الذاتية.. محمد اقبال" قدم للقارئ العربي معلومات ثرية وشبه شاملة عن هذا الشاعر الإسلامي الاستثنائي.. وليسمح لي القارئ أن انقل له من هذا الكتاب بعضا من أفكار اقبال الفلسفية.
-الثقة بالنفس والاعتداد بها والاعتماد عليها والاستغناء بها يؤدي الى تقوية الذات.. بينما الشك بها والالتجاء بها الى الناس وحملها عليهم يؤدي الى ضعفها.
-الجهاد في سبيل المقصد اعظم لذة في بلوغه.
-هذه الدنيا مرعى العدم فإياك ان تركن الى هذا الوهم.
-الحياة في العمل والجهاد.. والموت في الاستكانة والسكون.
-إن العلم إذا اتصل بالجسم فهو عدو.. واذا اتصل بالروح فهو صديق.
'مقصد الرسالة المحمدية الحرية والمساواة والاخوة بين بني ادم.
-الإسلام عدو لعصبيات الالوان والاجناس.. وهي اصعب العقبات في سبيل اتحاد أمم العالم
. -القران المجيد ليس كتاب فلسفة.. ولكن فيه هدى الى مقاصد الحياة ورقيها.
إن إقبال الذي يعد بحق من أهم وأبرز المفكرين الإسلاميين في شبه القارة الهندية، والذي حمل الهم الإسلامي وظل يتغنى بأمجاد وعظمة الإسلام وينادي عبر مؤلفاته وتوجهاته العامة بأهمية تجديد الفكر الإسلامي.. لايزال رغم ذلك شبه مجهول في الساحة العربية إلا بقدر يسير.. وبما أضفته قصيدته "حديث الروح " والتي غنتها أم كلثوم من معرفة لأخرين لن يكونوا ليعرفوه إلا بسماعها فنا يطرب وصوتا يشجي.