هكذا علموها أنت بنت! البنت لا تتكلم، لا تعترض، لا تختار، لا تقبل، ولا ترفض، الكبار والرجال على وجه الخصوص يتدبرون أمورها ويختارون لها ويقومون بالاختيار عنها في كل شيء: تتعلم أو لا تتعلم، تعمل أو لا تعمل، تتزوج أو تنفصل. كائن مهاراته السمع والطاعة، وإذا ما بدرت منها مهارة أخری من قبيل قول لا أو الاعتراض أو الرفض فقد تخطت حدود الأدب والتربية وأتت بفعل شنيع، فمثلاً إذا ما طالبت بحقها الشرعي في الميراث فهي تريد تبديد أملاك العائلة، وإن اشتكت مثلاً عدم موافقة أهلها علی زواجها فهي قليلة حياء. هكذا تنشأ البنت غالباً علی الاستكانة والرضوخ وعدم الاعتراض، ثم يأتي من يقول الأنثى كائن ضعيف لا يملك قراره ولا يعتمد عليه، ولذلك لابد من وجود مسؤول عنها.
وصلت الفتاة العشرينية إلی الجامعة لسحب ملفها فقد قررت عدم الدراسة لأن خطيبها يفضل ألا تتخطی عتبة الثانوية العامة وبكل استسلام هي راضية وسعيدة وتعتقد أنها تحسن صنعاً، أخری تخلت عن وظيفتها التي تدر عليها دخلاً شهرياً لأن زوجها لا يريدها عاملة وسيتكفل بمتطلباتها، وأخريات يعملن لكن لا سلطة لهن علی دخولهن مقابل استمرارهن في العمل يسلمن مرتباتهن يداً بيد للزوج أو الأب أو الأخ ويعطوهن مصروف يد ويتولون تدبر صرف الباقي فهذا عمل رجل البيت.
نساء كثر يعشن حالة صراع بين ما يعتقدن بشأن أدوارهن في المجتمع وما يمارسنه في الحياة اليومية الأسرية والمجتمعية، في الرأس تدور وتعشعش كثير من القناعات،وفي الممارسة الحياتية يؤدين كل ما يفرضه ويعتقده المجتمع.
الرجال غالباً ومنهم من يساند حقوق المرأة وتمكينها وإعادة النظر في الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء في أحسن الظروف لن يتخطوا عتبة الأفكار والتنظير شريطة ألا تدخل بيوتهم، وأحسنهم صنعاً ذلك الذي يعترف لزوجته أو أخته بالفضل لأنها تقوم بخدمته تفضلا منها.
يتعامل المجتمع بقسوة مع النساء ويفرض بقوة أدوارهن وكأن لسان حاله يقول: دعوها تتعلم، دعوها تعمل بشرط ألا تقصر في واجباتها وأدوارها التي فرضها وما أنزل الله بها من سلطان فهذا شأنها وإنجازها الشخصي وفضل من المجتمع أن سمح لها بذلك وعليها أن تؤدي كل أدوارها الأسرية والمجتمعية إضافة لعملها أو دراستها.
علی المستوی القانوني ما زال القانون قاصراً جداً في حق النساء وتمكينهن وإنصافهن، فأمام المرأة ألف عقبة يجب أن تتخطاها للحصول علی المكانة التي تستحقها أو تتناسب مع قدراتها، وحتی النصوص التي تتحسس بقدر ضئيل لاحتياجات النساء لا يعمل بها.
يمكن القول إن هناك انتكاسة كبيرة أعادت المرأة عقوداً للوراء وسيكون عليها النضال من جديد.
بين المجتمعي والقانوني والأسري تتجاذبنا نحن النساء أفكار ومعتقدات المجتمع وأفكار الجندرة، صراع كبير نخوضه بيننا وبين ذواتنا كي نستمر بأقل خسائر لأن أولئك اللاتي خضن الصراع في مواجهة المجتمع أو الأسرة دفعن الثمن غالياً فيما آثرت الأخريات السلامة، ومنا من واصلت حتی حققت مكاسباً “جندرية”، ولكن مقابل خسائر مجتمعية، ومنا من رفعت الراية البيضاء، ومنا من تستمر بكل أدوارها المجتمعية وهي غير راضية عما تقوم به ولكنها تحت مبرر كي تستمر الحياة، ومنا من تراوح بين بين.
لن يكون التحول ممكناً أو مرتبطاً بزمن بقدر ما هو مرهون بالقانون المتحسس لقضايا النساء، وإعادة النظر بجرأة وصدق في الأدوار المجتمعية وقبول إعادة توزيعها، وهذه تتطلب حتماً نضالاً طويلاً، مالم ستظل حواء في صراع بين الطنجرة الجندرة.