“العجز أوّلُه التواني”، والذل أوله الدعممة، والتعاطي السلبي مع المخاطر يجعلها تتكرر وتستفحل، ويوماً عن يوم تتبلد المشاعر، ويصبح الهوان مألوفاً وتفقد جلودنا القدرة على الاحساس، ويغور ماء الوجوه، ويهون شعب على نفسه، فلا حمية ولا عزة.
ولكن ما الذي بوسع الشعب أن يفعله.. هو ذا يتألم ويتحرق وينزف وما بيده أي حيلة: عصابة الكهنوت ماسكة بخناقه باليد اليمنى والكلاشنكوف باليد اليسرى، والشرعية غائبة مغتربة مشغولة بحصص الأحزاب، والأحزاب مأزومة بثارات بلهاء ومصالح ضيقة، والنخب الاعتيادية أغلبها إما خائف على مقتنياته لدى الحوثي، أو مرتهن لأجندات خارجية متصارعة، والإعلام بلا خبرة يستدر عطف المنظمات، والمنظمات بلا ذمة تستدر ميزانية خطة الاستجابة.. وهلم جرا.
المشهد العام خاذل بالفعل لمن هم داخل مناطق المليشيا، ولكن الشعب في هذا المشهد هو الضعيف القوي الذي لو اهتدى لممكنات حركته، ومتاحات فعله، لقام بقلب الطاولة وانتصر لجمهوريته وكرامته بسهولة، وبأقل قدر من التضحيات وأقصر فترة من الزمن.
في ظل مشهد كهذا، ليس أمام الشعب إلا أن ينظم نفسه ويرتب أوراقه.. والمقصود هنا بالشعب، قواه الحية من نقابات ووجاهات ورجال أعمال ومتقاعدين وأكاديميين وعسكريين وطلاباً ومعلمين ومبتعثين، وغير ذلك من النخب والشرائح التي يقتلها الحوثي كل يوم وتنساها الشرعية كل حين.
بإمكان الشعب أن يصنع الأعاجيب حينما يدرك أنه الرقم الصحيح والطرف الأقوى في هذه المعادلة، وأنه هو المستهدف كياناً وهويةً ووجوداً، وأنه المؤزر باللطف والتوفيق إذا ما بدأ، وأنه صاحب إمكانيات مهولة إذا ما نهضت من داخله نفوس صادقة وأوعية نزيهة، وما أكثرها.
وحين يعتمد الشعب على نفسه مستعينا بالله الواحد الأحد، سيعمل على تصعيد وحماية نخبه المعبرة عنه، وتخليق فرسانه الجدد، وبلورة حركة رفض مجتمعي ذكية ومتنامية ومتزامنة ومتعاضدة. ولقد حان الوقت.
قبل سنوات قرأت كتاباً عن نهضة الشعوب، استلفتني فيه السطر الأول من الكتاب، والذي يحوي تعريفاً للنهضة بأنها “شعور يسري لدى شعب ما، برداءة الواقع المعاش وضرورة تغييره”. هذا الشعور سيتبعه بالضرورة ابتكار آليات التغيير، والتي سوف تأخذ مجراها بشكل تلقائي فتحدث النهضة.
إذن: الشعور المتعاظم برداءة الحاضر وضرورة تغييره هو الخطوة رقم واحد. يليه الثقة التامة بقدرتنا كمجتمع على تغيير المسار، والقناعة أن لا أحد سوف يأتي ليحفظ لنا كرامتنا ويعيد لنا بلادنا إلا نحن. علينا ألا نلوم سوى أنفسنا، وألا نعتمد سوى على الله سبحانه في السماء وشعبنا في الأرض، ولنشاهد من بعدها كيف ستتغير الأوضاع بشكل متسارع. والله ولي التوفيق.