حسنًا فعلت حضرموت بتكريم المناضل الكبير خالد محمد عبدالعزيز، أحد زعماء الجبهة القومية الكبار، عضو اللجنة التنفيذية (المكتب السياسي آنذاك)، عضو الوفد المفاوض للجبهة القومية، الوفد الذي فاوض الانجليز على الاستقلال الوطني، وأعلن في الثلاثين من نوفمبر عن قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، تتويجًا لمرحلة تاريخية وحاسمة في حياة شعبنا.
وأحسن صنعًا الأخوين الخنبشي والبحسني وقيادات السلطة المحلية والمؤسسات الراعية، فقد كرمت الحكومة والمحافظة في خالد عبدالعزيز قادة الجبهة القومية، زعمائها ورجالها وكل مناضلي حرب التحرير من الجبهة القومية ومن الفصائل الأخرى، الذين انتزعوا استقلال الجنوب اليمني المحتل من براثن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ودشنوا مرحلة مختلفة من مسيرة شعب.
لقد كرمت حضرموت قائدًا تمكن ورفاقة ثوار الجبهة القومية من تحقيق النصر في منطقة اختصاصة ومجال سلطته الحزبية، دون إراقة الدماء، أو ممارسة العنف، ساهم في ذلك سلمية السلاطين ونوابهم وقادة وحداتهم العسكرية في المكلا وسيئون، وميل البعض منهم للتغيير، وهو أمر يستحق البحث.
وبالعودة قليلًا إلى رحاب التاريخ، يمكننا أن نلاحظ دون عناء كبير صلة هذه المرحلة الثورية بما سبقتها من أحداث قبل سنوات قليلة. وما زامنها من تطورات إقليمية ودولية، ارتقت فيها مشاعر الأمه، وحركة التحرر العربي والعالمي إلى عنان السماء.
لقد راكمت المكلا وهي عاصمة السلطنة القعيطية، وأكبر المدن في حضرموت، أسباب التغيير وخبراته، وتناغمت معها الشحر وسيئون والغيل وتريم وشبام والقطن. كما أثرت المكلا وتأثرت بما يجري في عدن وصنعاء، الأمر الذي يؤكد وحدة المشاعر، والمصير المشترك.
كانت المكلا تصنع أول الحدث فتكمله سيئون في اليوم التالي حدثًا آخر، أو حدثًا متصلًا، لقد أخذت المكلا معها الوادي وروافده والهضبتين في مسيرة لم تتوقف نحو الجديد الثوري الوطني الوحدوي، فكان هؤلاء المناضلين تعبيرًا عن التحول في وعي المجتمع الحضرمي اليمني المتطلع للحرية والتقدم.
كان شباب المرحلة وثوارها، وخالد عبدالعزيز مثالهم الأكثر وعيًا، كانوا امتدادًا تاريخيًا لرجال الحزب الوطني الذين قادوا أنتفاضة القصر في المكلا والتي قتل وجرح فيها وبدم بارد وبأمر من المستشار البريطاني ١٥ من أبناء المكلا واعتقل وزج بالبعض الآخر منهم في السجون فقط لأنهم أرادوا سكرتير وطني، (رئيس وزراء لحكومة صغيرة). تقول بعض المصادر أن السلطان كان يتعاطف مع المحتجين، لكنه عجز عن منع الكارثة.
في الستينات بدت المكلا كمجتمع مدني، مركز للتجارة وللعلم والسياسة، ونشاط بحري ملموس، وكانت المدينة وأهلها يطورون أساليب وطرق المقاومة ضد المستعمرين. قبل سنوات قليلة كانت القبائل هي التي تحمل راية الرفض، مع شيئ من وعي قبلي ضيق الأفق، يمكننا أن نقرأ ذلك في انتفاضة الحموم الذين لحق بهم ظلم فادح، ومات منهم عشرات في سجن الشحر، وآل جابر "رسب وساه" الذين تعرضوا لقصف الطيران الملكي البريطاني، وقبائل الخامعة أقرب الانتفاضات القبلية لمرحلة الثورة.
وكانت "انتفاضة بن عبدات" ضد المستعمرين في الوادي، وهم فرع ثائر من السلطنة الكثيرية هي الأكثر شهرة، لطول فترتها، وحجمها، والتفاف الناس حولها على الأقل في سنينها الأولى، والتي استخدم فيها البريطانيون لقمعها طائراتهم ودباباتهم ومدرعاتهم ومالهم، فقمعت الانتفاضة بعنف غير معهود في المنطقة، وأُسر بن عبدات، ونقل إلى عدن، كما عوقب حليفه علي بن صلاح القعيطي، نائب السلطان القعيطي، والشخصية المستنيرة وذو الميول الإصلاحية.
تحدث خالد عبدالعزيز قبل أيام عن الثورة السلمية في حضرموت، التي أنهت مرحلة من تاريخ البلاد فأنصف نفسه وأنصف رفاقه، تحدث عن المسكوت من أحداث هذه المرحلة، بصدق القائد الثائر والمناضل الصبور، المحب لأهله والعاشق لوطنه، والمولع بالقيم ذاتها التي آمن بها في شبابه، القيم التي حاور ورفاقه عليها البريطانيون في جنيف، الاستقلال والحرية لجنوب اليمن.
ومن المؤكد أن هناك الكثير ممن شاركوا في مرحلة التحرير الوطني، لا يقلل من مكانتهم وإسهاماتهم النضالية عدم ذكرهم، كانوا قادة في القطاعات الطلابية والعمالية والشعبية، وفتيات ثائرات تصدرن الحركة النسوية، أرجو ألا تغفل المحافظة عن تكريمهم. أو الاهتمام بأبنائهم ورعايتهم. فبعضهم توارى عن الأنظار ولا تذكره المصادر إلا لمامًا، إما زهدًا في السلطة، أو بعدًا عن المغانم والمغارم.
الرحمة والمغفرة لأعضاء وفد المفاوضات، زملاء خالد، الذين حاوروا اللورد شاكلتون، ووفده رغم أن معظمهم كان لازال في سن الشباب، فانتزعوا استقلاًلًا مشرفًا وناجزًا، المغفرة والرحمة لقحطان الشعبي رئيس الوفد، وفيصل عبداللطيف، وعبدالفتاح إسماعيل، وسيف الضالعي، ومحمد أحمد البيشي، وعبدالله صالح سبعة، . ومن كانوا معهم من الاختصاصيين والمستشارين في المجالات المختلفة، وعمرًا مديدًا "لخالد" الذكر، آخر المفاوضين، خالد محمد عبدالعزيز.