انسحاب قوات الطرفين في أبين مِن مماس الاشتباكات العسكرية خطوة بالاتجاه الصحيح، وستعمل على حقن الدماء التي تُـــراق هناك بغزارة منذ شهور، وعلى وقف الخطاب التحريضي الموجّــه صوب النسيج الوطني بالجنوب، أو على أقلها خفوته وكبح أنزلاقه نحو المجهول. فمع أنّ هذه الانسحابات لا تمثل نهاية للأزمة السياسية العميقة بين طرفي الصراع: الشرعية والجنوب، فالتعقيدات والتراكمات كبيرة لإرث خصومة عُــمرها ربع قرن إن لم نقل منذ أكثر من هذه المدة، ولكنها أي الانسحابات ستخفف من حِـدة التوتر على الأرض وتفسح المجال أمام الجميع لتملس الحلول السياسية والمفاوضات المنتظرة والانتقال من غواية الطلقات الى ملكوت التفاهمات سواءً مع هذه السلطة أو مع القوى اليمنية الأخرى -بما فيها الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام- على المدى المنظور أو في حال بلَـغَ الجميعُ طاولة مفاوضات سياسية شاملة برعاية أممية في قادم الأيام كما تخطط لذلك الأمم المتحدة.
... الجنوبيون بالطرفين: شرعية وانتقالي وحراك ومستقلين هم وحدهم مَــن ظل يدفع ثمن هذه الاشتباكات المحتدمة منذ شهور في أبين وفي سائر المناطقة المشتعلة بالجنوب،بعد أن استطاعتْ قوى أخرى من استثمار الخلافات الجنوبية القديمة لمصلحتها كما دأبت على ذلك منذ عام 90م و94م وحتى اللحظة ،وبالتالي فالمستفيد الأول من وقف هكذا اشتباكات هو الجنوب بكل أطيافه وعلى تبايناته. فقد آن الأوان ليعرف الجنوبيون وبالذات المصطفون مع الطرف الآخر أنهم وقود حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وأن أي انتصار يحققونها يتم توظيفه لجهة هي بالأساس من صنعت مأساتهم وهي من تذكي الصراعات الجنوبية- الجنوبية، كما حدث في شبوة قبل شهور حين حيّــرت الشرعية انتصاراهم لصالحها وصوّرت الأمر على أنه انتصارا للجيش الوطني وللشرعية اليمنية على من تصفهم بالانقلابيين والمتمردين الانفصاليين. وحين يخسروا يتم تصوير الوضع بأنه ليس أكثر من هزيمة تلقاها جنوبي من قبل جنوبي آخر، وهلم جرا.
وبالمقابل تستغل هذه القوى حالة الخطاب الإعلامي المنفلت بالجنوب وبالذات المحسوب على الانتقالي الجنوبي وتسخيره ضد قوى وشخصيات جنوبية أخرى في استثمار سياسي لا يمكن لنا إلّا الإقرار بأنه ذكاء سياسي وبراعة من هذه القوى، وفي الوقت عينه فهو يمثّــل طيش وغباء سياسي جنوبي ما زال مستبدا بقسوة بالعقل السياسي والثوري الجنوبي ،ويعيق انفتاح زاوية الرؤية السياسية لديه على الآخر.