الأمم المتحدة في اليمن وهذا الفساد المنفلت

بشرى المقطري
الاثنين ، ١٤ ديسمبر ٢٠٢٠ الساعة ٠١:١٥ صباحاً
مشاركة

  تتشابك بنية الفساد المحلي، بسلطاته ونخبه، ببُنية الفساد الأممي، إذ يمثل أداء الأول وبنيته دافعاً لتغذية فساد الآخر، بما في ذلك استثمارهما المساعدات الإنسانية القليلة الممنوحة لليمن، مقابل حرمان الفئات الضعيفة والأكثر احتياجاً من المساعدات، وإذا كان فساد سلطات الحرب، وكذلك سياستها الممنهجة في إفقار اليمنيين قد فاقم من تدهور الوضع الإنساني إلى مستوياتٍ خطيرة، فاقت سنوات الحرب الأولى، فإن أداء هيئات الأمم المتحدة العاملة في اليمن، طوال سنوات الحرب، يعدّ عاملاً لا يقل أهميةً في استمرار تدهور الوضع الإنساني، فإضافة إلى تواطئها مع فساد سلطات الحرب، ودخولها في شبكاتها العميقة، مقابل تمرير مشاريعها في المناطق الخاضعة لها، فإن تربّحها من إدارة العملية الإنسانية يجعلها طرفا ضليعا في معاناة اليمنيين، إذ تجاوز فسادها تعقيدات العمل في بيئة الحرب المحلية إلى التورّط في اختلالاتٍ عديدة، تمظهرت في تصعيد قضايا هامشية على حساب القضايا المعيشية لليمنيين، وكذلك قصور عملها الإغاثي، بما في ذلك دعمها معسكرات الحرب، مستفيدةً من غياب الرقابة المجتمعية، وكذلك تواطؤ النخب مع فسادها، وكذلك تنمية منظمات حقوقية طارئة، تتربّح على فساد المنظمات الدولية، الأمر الذي مكّنها من الإفلات من المساءلة. 

يكمن جذر اختلالات الأمم المتحدة في اليمن في كيفية تعاطيها مع الأزمة اليمنية، سواءً في شقها السياسي أو الإنساني، بحيث بات تعاملها اللامسؤول حيال قضايا اليمنيين الملحّة سمةً بارزة ميزت نشاطها، وهو ما تجلى في أداء المبعوث الأممي الحالي إلى اليمن، مارتن غريفيث، فإضافة إلى فشله المزمن في دفع فرقاء الصراع إلى استئناف المسار السياسي بما يؤدّي إلى إيجاد حل جذري ينهي حالة الحرب، فإنه اكتفى بتسويق مبادراتٍ وتسوياتٍ جزئية أسهمت في تشتيت الحل السياسي بما في ذلك الصراع، إلا أن الأكثر كارثيةً في أداء المبعوث الأممي هو انحرافه عن دوره الوظيفي الذي ينحصر في تقريب وجهات النظر بين فرقاء الصراع إلى دفع قوى اجتماعية غير مؤثرة في الصراع المحلي إلى الواجهة السياسية، وتسويقها باعتبارها جزءا من ضرورة الحل السياسي، فعدا عن إتمام صفقة تبادل الأسرى قبل أشهر، والتي هي جزء من اتفاق استوكهولم، الذي عقد قبل عامين، فإن نشاط مكتب المبعوث الأممي تركّز في تصعيد قضايا ثانويةٍ لا تصبّ في صالح وقف الحرب، وإنْ سوّق ذلك، بحيث بدت مجمل تلك القضايا إلهاءً سياسيا لا أكثر، وإهدارا للأموال المرصودة لليمن وتهرّبا من مسؤوليته الوظيفية، ومن ثم تضييعا للوقت على حساب إنهاء الحرب. 

تأتي قضية إشراك النساء في الحل السياسي عنوانا لافتا لفساد مكتب المبعوث الأممي واختلالات أدائه، بما في ذلك هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة، بحيث تم تصعيدها مقابل تجاهل القضايا الملحة لليمنيين، فضلا على أنها لم تستهدف الفئات المفترض استهدافها، فعلى مدى عامين، عقد المبعوث الأممي وهيئة المرأة لقاءاتٍ يومية وورشا نخبوية، وكذلك مؤتمرات عديدة مع قيادات نسوية، تتبنّى قضايا المرأة في مجتمعات الحروب، فيما لم تصب هذه الفعاليات، ولا مخرجاتها، لصالح المرأة اليمنية في الداخل، فضلاً عما أطلقته من سباق محموم بين المنظمات اليمنية في الخارج على تمثيل المرأة اليمنية. ومع أهمية القضايا النسوية عموماً، وضرورة معالجتها، وكذلك انخراط النساء في العملية السياسية وتحقيق السلام، فإن المُلِحّ، في ظل واقع الحرب في اليمن هو معالجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المرأة اليمنية، والتي تؤثر على حياتها ومستقبلها، بحيث يستوجب أن توظّف هيئة الأمم الخاصة بالمرأة هذه الأموال لصالح النازحات والمتضرّرات من الحرب، بما يخدم معالجة وضعهن الإنساني والاقتصادي، وليس لصالح فعالياتٍ لا تخدم قضاياهن، بل تتغذّى على استمرار بؤسهن، إلإ أن الأنكى من ذلك أن مكتب المبعوث وهيئة الأمم الخاصة بالمرأة وجدا من حالة الحظر التي فرضها انتشار فيروس كورونا فرصةً ملائمةً لصرف ملايين الدولارات خلال شهرين فقط على مؤتمرات افتراضية، سواء بما يخص دعم قضايا المرأة أو مؤتمر الشباب الذي نظمه مكتب الأمم المتحدة قبل أيام، وهو ما يذكّرنا بعمل المبعوث الأسبق جمال بن عمر، إبّان مرحلة الحوار الوطني والمرحلة الانتقالية، إذ صرفت أموالٌ لم تخدم، في النهاية، السلم المجتمعي، ذلك أن أسهل خيار بالنسبة للمبعوث هو جني انتصار إعلامي من خلال تسويق قضايا النساء والشباب، إلا أنه، في الحقيقة، يعكس فشله مبعوثا أمميا، وهروبه من إدارة القضايا المفصلية التي ترتبط بحياة اليمنيين ومستقبلهم إلى قضايا جانبية، صرفت من أجلها أموالٌ طائلة في فسادٍ منفلتٍ وخارج السيطرة. 

انعكست حالة الفشل الوظيفي للمبعوث الأممي على أداء هيئات الأمم المتحدة الأخرى العاملة في اليمن، بحيث عملت منظومة الأمم المتحدة بكل الوسائل على إبقاء الوضع في اليمن على ما هو عليه، سواء في الشق السياسي أو الإنساني، إذ تتبع هيئات الأمم المتحدة الإغاثية آلية عمل تعتمد بالمجمل على حلولٍ آنية لا تقدّم حلا جذريا لحالة الفقر في اليمن ودعم الفئات الأكثر احتياجاً وضعفاً، لكنه يضمن لها استمرار تدفق المساعدات من الدول المانحة على حساب إعاقة أي ممكناتٍ لإيجاد حلول مستدامة تسهم في تحسين الشرط الإنساني لليمنيين، فضلاً عن توزيعها مواد إغاثية منتهية الصلاحية، بحيث تورّطت منظماتٌ في توزيع مواد منتهية الصلاحية، جديدها منظمة الغذاء العالمي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، وهو ما دفع السلطات في مدينة عدن إلى مساءلتها، بالإضافة إلى حرمانها الفئات الضعيفة والأشد فقراً من المساعدات الإغاثية، لصالح دعم شبكات الحرب، إذ تورّطت بعض منظمات الإغاثة الأممية العاملة في تغذية الحرب في اليمن، من خلال توزيع الإغاثة لأسر المقاتلين في جبهات الحروب، سواء في المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي، أو في مناطق السلطة الشرعية، بما في ذلك مناطق المواجهات، ما يجعلها داعما رئيسا للحرب. 

وفي واقع الفقر المدقع الذي يعانيه معظم اليمنيين، والذي يتجه إلى مؤشراتٍ أكثر خطورة في ظل انهيار الاقتصاد والعملة الوطنية، من المفارقة المحزنة أن يستمر هدر كل هذه الأموال المرصودة للعملية الإنسانية في اليمن، وتُجمع باسم اليمنيين لفعالياتٍ لا تخدم مصالحهم، وأن تكون منظمات الأمم المتحدة جزءا من منظومة الفساد، بحيث لا تختلف عن سلطات الحرب، كونها تتغذّى على استمرار معاناة اليمنيين، إذ إن السخط وحده لا يكفي هنا، كي تدرك الأمم المتحدة أن ما تفعله باليمنيين لا إنساني ولا أخلاقي، وأن عليها أن تفتح عينيها على هذا العبث.