المقايضة بالتطبيع

فاطمة ياسين
الاثنين ، ١٤ ديسمبر ٢٠٢٠ الساعة ٠١:٢٠ صباحاً
مشاركة

 لم يذكره ترامب في تغريدته ذَكَره الديوان الملكي المغربي، أن ترامب أبلغ الملك محمد السادس باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

أما بنيامين نتنياهو، فقد وصف ما يربط شعبي إسرائيل والمغرب بالعلاقة الحميمة! وفي الواقع، لا يبدو أن إسرائيل قد ربحت كثيرا من هذا التحرّك الدبلوماسي، فالعلاقة بين المملكة المغربية وإسرائيل تاريخية، وتعود إلى ستينيات القرن الماضي، حين نفّذ الموساد عملية تهجير حوالي مائة ألف يهودي مغربي ما بين 1961 و1964، ونُشر أن المغرب حصل بعدها على تعويضات مالية.

وإبان كان وزيرا للخارجية في دولة الاحتلال، زار شيمون بيريز، المغرب، والتقاه الملك الحسن الثاني في إيفران عام 1986 في زيارة علنية. وفي 1994، جعل الطرفان مشاوراتهما شبه دائمة، بفتح كل منهما مكتب اتصال له لدى الطرف الآخر. ولكن ما بدا واضحا أن التطبيع جاء اليوم على شكل صفقةٍ يتم فيها تبادل المصالح المشتركة بين الأطراف الثلاثة التي شاركت فيها، ويمكن اعتبار أن المغرب قد خرج من هذا الاتفاق بمعنوياتٍ أعلى، فقد كسب اعترافا من الولايات المتحدة بمغربية الصحراء سعى إليه طويلا، فقد شكل ملف الصحراء الغربية محور السياسة الخارجية للرباط عقودا، فتوسيع الاعتراف الذي يحظى به الآن يمكن أن يفسح المجال لمزيد من الدول التي تدور في الفلك الأميركي، وقد تُحدث ثغرة في موقف الأمم المتحدة المتمسك بالإبقاء على وجود بعثته في الصحراء الغربية، وقد أصدر مجلس الأمن، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، القرار رقم 2548 القاضي بتمديد وجودها.

المغرب هو الدولة الرابعة في مسلسل التطبيع المستجد أخيرا، والدول التي سبقتها نالت نصيبا مقابل الموافقة على تبادل العلاقات والسفراء والسياح، فقد أعلن قبل أيام عن قبول الولايات المتحدة بيع الإمارات طائرات إف 35 المتطوّرة وبأعداد كبيرة، وهي الطائرة التي تضع إسرائيل "فيتو" على بيعها إلى أي من الدول المجاورة لها أو التي تجاهر بعداء تجاهها. ولكن يبدو أن التطبيع جعل المستحيل ممكنا، وحُلّت عقدة تصدير الطائرات إلى الإمارات.

وفي حالة السودان، وهو بلد يرزح تحت كومة كبيرة من العقوبات، تكبل أي تحرّك دبلوماسي أو تجاري لحكومة السودان الجديدة، فقد قدّم ترامب للسودان عرضا بإزالة العقوبات في مقابل التطبيع، وهو ما حدث بعد أخذ وجذب إعلامي قصيرين. امتلكت كل دولة مطبّعة قضية ترغب في حلها، فتطوّع ترامب بتقديم ذلك خدمةً لإسرائيل، ودعماً لمنظمات أميركية يهودية سخية تموّل حزبه الجمهوري.

قد يستفيد المغرب باعتراف دول أخرى بسيادته على الصحراء بعد إقدام الولايات المتحدة على ذلك، وربما لن يقوى الرئيس المرتقب، جو بايدن، على سحب هذا الاعتراف، فحالة تطبيع المغرب مع إسرائيل تناسب التزاماته الانتخابية تجاهه، ويمكن أن يعود إلى خطة جيمس بيكر الثانية التي تعطي الصحراويين حكما ذاتيا تحت سلطة المغرب لمدة خمس سنوات، ينظم بعدها استفتاء بشأن المصير النهائي للصحراء. ولكن ثمّة مواقف مختلفة من الجزائر وموريتانيا، وهما لن تكونا سعيدتين بهذا القرار، ولديهما من الوسائل لمنعه أو الحد من تأثيراته عليهما، بما يعني مزيدا من الصراع في منطقة بعيدة جدا عن مركز الحدث الفلسطيني الذي تقرر كل مؤتمرات القمة العربية أنه القضية العربية الأولى. ولكن يتبين الآن بوضوح أن قضية فلسطين ليست أولى أو ثانية، بل يمكن إعادة ترتيب أولويتها فتُستخدم للتكسّب.