كورونا وبرج بيزا

نبيل سبيع
الأحد ، ٢٢ مارس ٢٠٢٠ الساعة ٠٤:٤٩ مساءً
مشاركة

كورونا وبرج بيزا

إيطاليا تبدو مائلة ومتهاوية ولكنها لن تسقط مثل برج بيزا الصامد منذ عدة قرون.

٧٩٣ حالة وفاة وقعت اليوم فقط في إيطاليا! ٧٩٣ حالة وفاة في يوم واحد! وهذا ليس مفاجئاً، فبالأمس وحده أيضا، في إيطاليا طبعاً، وقعت أكثر من ٦٧٠ حالة وفاة.

يا للهول! نحو ١٥٠٠ إنسان ماتوا في إيطاليا في يومين فقط! هذا عدا آلاف المصابين المرشح بعضهم للوفاة.

إيطاليا تتعرض لعدوان. إيطاليا تهوي تحت ضربات كورونا الوحشية، في الوقت الذي يجتاح فيه هذا الوباء المريع أوروبا وبقية القارات ضاربا البلدان بلدا بعد آخر، ومتوعدا بقية البلدان في القريب العاجل.

نظام إيطاليا الصحي يعد من أفضل الأنظمة الصحية في العالم، لكنه انهار تماماً. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية يتم المفاضلة في العلاج بين حياتين، كانوا يقولون "هذا الجندي إصابته بالغة وبات علاجه مئيوساً منه، دعونا نهتم بالجندي الذي ما يزال علاجه ممكنا وحياته مفيدة"، ويهملون علاج الجريح المثخن ويعالجون الأقل جراحاً. وهذا لم يحدث إبان الحرب العالمية الثانية في إيطاليا وحدها، بل في سائر البلدان المشاركة في الحرب.

اليوم، وبعد إنهيار النظام الصحي الإيطالي، تحدث هذه المفاضلة في هذاالبلد الذي يعد من أفضل البلدان تقديما للرعاية الطبية لمواطنيه وللمقيمين الأجانب فيه واللاجئين. في مثل هذا البلد، باتوا يقولون: هذا كبير في السن وأصبح علاجه من كورونا مئيوسا منه، إذنْ دعوا هذا السرير وهذا العلاج لهذا الشاب الذي مازال علاجه ممكناً وحياته مفيدة!

هذا الانهيار الصحي لن يتوقف في إيطاليا التي كانت قبل كورونا أحد البلدان التي تعد مضرب مثل في الصحة، بل سيمتد إلى معظم إن لم يكن سائر البلدان الأخرى في أوروبا والعالم، إن لم يكن قد امتد أصلا، إن لم تضع البشرية حدا لهذا الوباء المخيف.

وإذا كان هذا قد حدث في إيطاليا التي كانت تتمتع بنظام صحي متمكن ومتطور، ما الذي سيحدث يا ترى في معظم بلداننا، وفي بلدي اليمن أولاً، بلدي الذي لا يملك نظاما صحيا أصلاً كي نقول عنه إنه أنهار!

الأمر جدُّ خطير، والأخبار القادمة من إيطاليا تزداد سوءاً وحزناً وظلاماً كل يوم. إيطاليا الجميلة والساحرة التي اعتادت واعتادها العالم أن تكون مصدرا للجمال والأناقة والفن، مصدرا للسحر والألق والحياة، أصبحت مصدرا لكل هذا الموت والظلام!

لكنها إيطاليا التي تملك مخزونا حضاريا كبيرا وموروثا هائلا من الصمود والإستمرار في أقسى الظروف والأزمنة.

وكما قلت في مقدمة هذا المقال: إيطاليا تبدو مائلة ومتهاوية ولكنها لن تسقط، تماما مثل برج بيزا الصامد منذ عدة قرون.